أغرب و أعجب القصص القرآنيّة

حسين أحمد سليم

أغرب و أعجب قصص كتاب القرآن الكريم المُقدّس, الذي أوحى به الله تعالى للنّبي محمّد (ص) على لسان الملاك جبرائيل (ع), تلك القصّة المباركة الجليلة, المليئة بالعبر و العظات و الحكم, و التي تكتنز بالكثير من المعاني الإنسانيّة السّامية, و الدّروس التّربويّة الرّاقية و العظيمة, و العبر التي تحمل في مضامينها الكثير من الفوائد الجمّة, و التي تعتبر مسارا قويما و راشدا و هاديا, لمن أبحر في سياقات آياتها المتتابعة, و إستقرأ بعمق و وعي و تفكّر بعقل سليم, مستجليّا ما تيسّر له من دروس هامّة تتجلّى ساطعة في ثنايا كهوف و أسرار الآيات القرآنيّة التي تُعنى بالقصّة العجيبة الغريبة, و هي قصّة النّبي موسى (ع) و العبد الصّالح, العالم, الخضر (ع)، الذي أوتي من لدن الله علما لدنيّا آخر...

تلك القصّة المميّزة في مُجمل مضامينها و ترميزاتها و مصطلحاتها, و التي كان النّبي محمّد (ص) يتطلّع إلى مجريات أحداثها و تعاقب معجزاتها، و يتمنّى أن لو طالت فصولها الهامّة، على يديّ العبد الصّالح, العالم, الخضر (ع) برفقة النّبي موسى (ع), الذي قصد مجمع البحرين الجغرافي غير المُحدّد على وجه الكرة الأرضيّة, ليتعلّم ما خفي عليه علمه... بل عتب النّبي محمّد (ص) على النّبي موسى (ع), إذ كان سببا في قطع و إستمرار مجريات و تفاصيل وقائعها, الهادفة لتبيان و إصلاح فساد الحاكم و الحكم و النّشء و التّربية و المجتمع, و إنحرافهم و بعدهم عمّا أمر الله تعالى, و أرسل الرّسل و النّبيين للهدي و الرّشاد... و حصل ما حصل بسبب إندفاع النّبي موسى (ع) و حرصه على حركة فعل الحقائق و تطبيق النّظم السّماويّة المكشوفة له في الأرض بين النّاس, و حسب علمه النّبويّ الظّاهري, ممّا قضى لرفض ما ظهر له من أعمال و فعل العبد الصّالح, العالم, الخضر (ع) الذي كان يتمتّع بالعلم الباطني المحجوب للنّبي موسى (ع) وحيا من الله تعالى, و المكلّف لمهمّة ما هادفة أودع أسرارها في روح و ذاتيّة العبد الصّالح, الذي أتاه من لدن الله تعالى علما باطنيّا و عرفانا ذاتيّا, و الذي أتى على ذكره القرآن الكريم في بعض آيات سورة الكهف المباركة, و قصص أخرى لها أبعادها الهادفة للنّاس إذا ما تفهّموا أسرار ترميزات معانيها...

و لقد إختلف جمهور العلماء إختلافا كثيرا في تحديد و تبيان حقائق, إسم و أبويّ و نسب العبد الصّالح, الخضر (ع), و حقيقة ولادته و نسب أمّه و أبيه, و نشأته و تربيته و حياته, و زمن وجوده و عصره و بيئته التي عاش بها, و تكليفه و رسالته التي حمل و لمن حملها, إضافة لطول عمره و قصره, و من شاهده و يشاهده أو يلتقي به و يظهر عليه أو يسمع صوته و لا يرى صورة جسده...

هذا و قد إختلف العلماء و الرّواة أكثر في فعل توصيفه, و تحديد مكان و جغرافيّة مجمع البحرين, حيث كان اللقاء بين العبد الصّالح, العالم, الخضر (ع) و النّبي موسى (ع)... بحيث منهم من قال: في طنجة بالمغرب قبالة مضيق جبل طارق... و منهم من قال: عند باب المندب... و آخرون قالوا: عند مضيق هرمز... فيما ذهب البعض للإجتهاد الفلسفي الغيبي, و قولهم: أنّ القصّة غير واقعيّة و هي غيبيّة حصلت خارج أطر المكان و الزّمان, بين اليقظة و الغفوة للنّبي موسى (ع)...

و كذلك جمهرة الصّوفيين الذين غالوا كثيرا فيما ذهبوا إليه في ثورة إجتهاداتهم و إستنباطهم الكثير من من وحي رؤاهم و فلسفتهم في العبد الصّالح, العالم, الخضر (ع), الذي أتّخذوه قائدا لهم و مرجعا لفلسفتهم...

فقيل: أنّ إسمه عامر،
إسمه: أحمد.
و قيل: بليان بن ملكان بن فالغ بن شالخ بن أرفخشد بن سام إبن النّبي نوح (ع).
و قيل: إنّ إسمه: المعمّر بن مالك بن عبد الله بن نصر بن الأزد.
و قيل: كوكب الصّبح المنير.
و قيل: القدّيس جرجس.
و غير ذلك من الأقوال...

و أمّا نسبه فمختلف فيه كذلك:
قيل: هو إبن آدم (ع) لصلبه.
و قيل: إنّه إبن قابيل بن آدم (ع).
و قيل: إنّه من سبط هارون أخي النّبي موسى (ع).
و قيل: إنّه من ولد بعض من كان آمن بالنّبي إبراهيم (ع) و هاجر معه من أرض بابل.
و قيل: كان إبن خالة إبراهيم (ع).
و قيل: إبن خالة ذي القرنين.
و غير ذلك من الأقوال...
فيما ذهب البعض في إجتهاداتهم إلى الجزم بأنّ العبد الصّالح, الخضر (ع) ما هو إلاّ النّبي محمّد (ص) تجسّدت روحه في ذلك الزّمن بأمر الله تعالى لتعليم النّبي موسى (ع). و هو المشاع فلسفة اليوم بإسم تقمّص الأرواح في تعدّد الأجساد بأمر الله تعالى, و هو ما يعتقد به بعض الطّوائف في عصرنا هذا...
و آخرون حدّد في رؤيته الإجتهاديّة أنّ العبد الصّالح, الخضر (ع) هو والد النّبي موسى (ع).
و أتى في سياق الخطبة النّورانيّة المنسوبة للإمام علي (ع) في تعداد الأنا العلويّة, أنّه هو خضر موسى.
و أمّا سبب تسميته بالخضر فقد تعدّدت الأقوال في ذلك.
و إنّما سُمّيَ الخضر لأنّه جلس على فروة بيضاء، فإذا هي تهتزّ من خلفه خضراء...
و في نبوّته قيل: كان نبيًّا. و هو النّبي إلياس الذي أرسله الله لآحاب ملك إسرائيل و لأهل بعلبك.
و قيل: كان وليًّا.
و في بقائه قيل: هو حيٌّ الآن.
و قيل: بل هو ميّت.

و إختلف العلماء في مسألة نبوّة الخضر (ع). فقد رجّح المحقّقون من العلماء إلى أنّ الخضر (ع) نبيّ من أنبياء الله عزّ و جلّ، و رجّح هذا القول عدد من العلماء الأفاضل و الأجلاّء... و منهم: الطّبري، و إبن كثير، و إبن حجر، و إبن الجوزي و غيرهم من العلماء الذين عُنيوا بهذا الموضوع...

و قد إستدلّوا على ذلك بأدلّة كثيرة...

و من أظهر الأدلّة في أنّ الرّحمة و العلم اللدني اللذين أمتن الله بهما على عبده الصّالح, الخضر (ع) عن طريق النّبوّة و الوحي يتجلّى في قوله تعالى عنه: {و ما فعلته عن أمري}... أيّ: و إنّما فعلته عن أمر الله جلّ و علا، و أمر الله إنّما يتحقّق عن طريق الوحي... إذ لا طريق تعرف بها أوامر الله و نواهيه إلاّ من خلال الوحي من الله جلّ و علا. و لا سيّما قتل الأنفس البريئة في ظاهر الأمر، و تعييب سفن النّاس بخرقها. لأنّ العدوان على أنفس النّاس و أموالهم لا يصحّ إلاّ عن طريق الوحي من الله تعالى...و أنّ العبد الصّالح, الخضر(ع) أقدم على قتل الغلام، و ما ذلك إلا للوحي إليه من الملك العلاّم. و هذا دليل مستقلّ على نبوّته، و برهان ظاهر على عصمته، لأنّ الوليّ لا يجوز له الإقدام على قتل النّفوس بمجرّد ما يلقى في خلده، لأنّ خاطره ليس بواجب العصمة، إذ يجوز عليه الخطأ...

و إختلف العلماء و الرّواة في مسألة: هل العبد الصّالح, الخضر (ع) حيّ الآن أو ميت؟ بين قائل بموته و قائل بحياته، و الصّواب الأوّل و إلى ذلك بعض العلماء الأفاضل و منهم: البخاري، و الطّبري، و إبن كثير، و إبن تيميّة، و إبن حجر، و إبن الجوزي و غيرهم...

و الأدلّة على موته كثيرة جدّا نشير إلى بعضها إختصارا و منها:

ظاهر عموم قوله تعالى: {و ما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإين متّ فهم الخـٰلدون}، فقوله «لبشر» نكرة في سياق النّفي فهي تعمّ كلّ بشر فيلزم من ذلك نفي الخلد عن كلّ بشر من قبله... و العبد الصّالح, الخضر (ع) بشر من قبله... فلو كان شرب من عين الحياة و صار حيّا خالدا إلى يوم القيامة لكان الله قد جعل لذلك البشر الذي هو العبد الصّالح, الخضر (ع) من قبله الخلد...

و يظهر في قول النّبي محمّد (ص) «ما من نفس منفوسة اليوم تأتي مائة سنة و هي حيّة يومئذ» فقوله «نفس منفوسة» و نحوها من الألفاظ في روايات الحديث نكرة في سياق النّفي فهي تعمّ كلّ نفس مخلوقة على الأرض... و لا شكّ أنّ ذلك العموم بمقتضى اللفظ يشمل العبد الصّالح, الخضر (ع)، لأنّه نفس منفوسة على الأرض...

و العبد الصّالح, الخضر (ع), أنّه لو كان حيّا إلى زمن النّبي محمّد (ص) لكان من أتباعه، و لنصره و قاتل معه، لأنّه مبعوث إلى جميع الثّقلين الإنس و الجنّ و يوضّح هذا أنّه تعالى بيّن في سورة «آل عمران»: أنّه أخذ على جميع النّبيين الميثاق المؤكّد أنّهم إن جاءهم نبيّنا محمّد (ص) مصدّقا لما معهم أن يؤمنوا به و ينصرونه، و ذلك في قوله: {وَ إِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَ حِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَ لَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَ أَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ}...

فالعبد الصّالح, الخضر (ع) إن كان نبيّا أو وليّا فقد دخل في هذا الميثاق. فلو كـان حيّا في زمن رسول الله محمّد (ص) أشرف أحواله أن يكون بين يديه، يؤمن بما أنزل الله عليه، و ينصره أن يصل أحد من الأعداء إليه. لأنّه إن كان وليّا فالصّديّق أفضل منه. و إن كان نبيّا فموسى أفضل منه...
و قصّة العبد الصّالح, الخضر (ع) التي وردت في القرآن الكريم في بعض آيات سورة الكهف المباركة، و وردت في كتب أهل السّنّة و في كتب أهل الشّيعة و في كتب أهل التّوحيد الدّرزيّ و في كتب العلويين و غيرهم، فسّر أهل المتصوّفة معانيها و أهدافها و مراميها كما تراءى لعلمائهم, و جعلوها عمودًا أسايّا من أعمدة العقيدة الصّوفيّة، فقد جعلوا هذه القصّة دليلاً على أنّ هناك ظاهرًا شرعيًا، و حقيقة صوفيّة تخالف الظّاهر، و هي الباطن الشّرعيّ, و جعلوا إنكار علماء الشّريعة على علماء الحقيقة أمرًا مستغربًا... ‏فقد أنكر النّبي موسى (ع) من قبل على العبد الصّالح, الخضر (ع) و كان كلّ منهما على شريعة خاصّة به,‏ و جعل الصّوفيّة العبد الصّالح, الخضر (ع) مصدرًا للوحي و الإلهام و العقائد و التّشريع‏ عندهم...‏ و نسبوا طائفة كبيرة من علومهم التي إستنبطوها في فلسفتهم إلى العبد الصّالح, الخضر (ع)، و من يتابعهم يدرك أنّه ليس منهم صغير أو كبير دخل في طريقتهم إلاّ روى و أكّد اللقاء بالعبد الصّالح, الخضر (ع) و الأخذ عنه, و هو ما يتناقض و طبيعة طول الحياة لبني البشر كما ورد في بعض الآيات القرآنيّة و قول النّبي محمّد (ص)..‏.‏