القول الفصل في نبوّة الخضر (ع)

حسين أحمد سليم

أنّ العبد الصّالح, العالم, الخَضِر (ع) نبيّ خصَّه الله بعِلم بواطن الأشياء...و أنّ الله تعالى أسند إلى ذاته المقدَّسة تعليم شخص معيَّن، أو إيتاءه العلم، فذلك علامة نُبوّته... حيث قال الله تعالى في الخَضِر (ع): ﴿ وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا ﴾, كما ورد في سورة الكهف في الآية 65 المباركة... و عليه فهو نبيّ من أنبياء الله تعالى... و في قول النّبي موسى (ع) له حين لقيه عند مجمع البحرين: ﴿هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا﴾, كما جاء في سورة الكهف الآية رقم 66، و هذا يدلُّ على أنّ النّبي موسى (ع) كان يعلم أنّ العبد الصّالح, العالم, الخَضِر (ع) نبيّ مُعلَّم و علمه بوحي من الله تعالى... و أنّ العبد الصّالح, العالم, الخَضِر (ع) قال للنّبي موسى (ع): ﴿ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ﴾, كما في سورة الكهف في الآية رقم 67, و ما كان له أن يُخاطب النّبي موسى (ع) بهذه العبارة الجازمة المؤكِّدة، لولا أن يكون معناها صادرًا عن وحي من الله تعالى...
و في حركة أفعال العبد الصّالح, العالم, الخضر (ع), أنّه قتل غلامًا بلا ذنب، إلاّ أنّه سيُرهق أبوَيه طغيانًا و كفرًا، فلولا أنّه علم ذلك بوحي من الله تعالى، ما أقدم على قتلِه... و هو يتجلّى في قوله, أيّ, العبد الصّالح, العالم, الخضر (ع): ﴿ فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ ﴾, كما ورد في سورة الكهف الآية 81, و هنا يبرز الوحي الذي نزل عليه من الله تعالى...
و تتأكّد نبوّة العبد الصّالح, العالم, الخضر (ع) في قوله: ﴿ فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا ﴾, كما ورد في سورة الكهف في الآية 82, و التي تفيد بالوحي من لدن الله تعالى...
و نبوّة العبد الصّالح, العالم, الخضر (ع) تسطع في قوله: ﴿وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي﴾, بناء على ما ورد في سورة الكهف في الآية 82, أيّ: عن أمرِ الله تعالى و وحيه المُقدّس...
النّبي موسى (ع) الذي كان عاليَ الهمّة يَطلب القربَ و العلوّ، حتّى إنّه شرَّفه الله بمخاطبته مباشرة, حيث طمحت نفسه إلى أن يرى الله تعالى... ثمّ يضرب في الأرض، يَطلُب عِلمًا مِن العبد الصّالح, العالم, الخضر (ع) بأمر من الله تعالى, و في يده التّوراة و الصُّحف الموحى بها إليه، و هو ما يُؤكّد نبوّة العبد الصّالح, العالم, الخضر (ع)...
و هناك الكثير من البراهين و الأدلّة على نبوّة العبد الصّالح, العالم, الخضر (ع), و منها سكوت النّبي موسى (ع) على قول العبد الصّالح, العالم, الخَضِر (ع): ﴿فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ﴾, كما ورد في سورة الكهف في الآيتين المباركتين: 80 و 81, و إعتذار النّبي موسى (ع) له بقوله: ﴿إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي﴾, كما في سورة الكهف في الآية رقم 76 المباركة, و هو دليلٌ واضح على أنّ النّبي موسى (ع) كان يعلم أنّ العبد الصّالح, العالم, الخَضِر (ع) نبيّ لشريعة تخصُّه...
و قد ورد عن النّبيّ محمّد (ص) أنّ العبد الصّالح, العالم, الخَضِر (ع) قال للنّبي موسى (ع): "إنّ لي علمًا لا ينبغي لك أن تعلمه، و إنّ لك عِلمًا لا ينبغي لي أن أعلمه"... و معنى هذا أنّ كلاًّ منهما على علم من الله، و وحي منه، لا يَنبغي للآخر أن يعلمه, لأنّه لم يوحَ به إليه، و ليس بشريعة له...
و قد جاء في حديث عن النّبيِّ محمّد (ص) التّصريحُ بأنّ العبد الصّالح, العالم, الخَضِر (ع) نبيّ، و أمّا بقاؤه فهو رأيُ الأكثر...
و قال بعض الرّواة أنّ العبد الصّالح, العالم, الخَضِر (ع) نبيّ معمَّر محجوب، و ذهب العظماء من العلماء إلى أنّ أربعةً من الأنبياء في زمرة الأحياء: إدريس (ع)، و عيسى (ع) في السّماء، و إلياس (ع) و الخَضِر (ع) في الأرض...
و لَمَّا تُوفي النّبيّ محمّد (ص)، سمع الجالسون في الحجرة صوت شخص يُعزِّيهم فيه يسمعون صوته و لا يرون شخصَه، فقال الإمام عليّ بن أبي طالب (ع): هذا العبد الصّالح, العالم, الخَضِر (ع)...
و ورد عن عمر بن عبد العزيز, أنّ العبد الصّالح, العالم, الخَضِر (ع) تَعيَّن و بشَّره بالخلافة...
و روى البعض لقاءهم بالعبد الصّالح, العالم, الخضر (ع)... فيما البعض تلقّى علوما و كتبا عن العبد الصّالح, العالم, الخضر (ع)...
روي عن الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) أنّه قال: "لمّا توفّي النّبيّ محمّد (ص), و سُجّي بثوب، هتفَ هاتفٌ من ناحية البيت يسمعون صوته و لا يرون شخصه: "السّلام عليكم و رحمة الله و بركاته، السّلام عليكم أهل البيت "كلّ نفس ذائقة الموت" إنّ في الله خلفًا من كلّ هالك، و عوضًا من كلّ فائت، و عزاءً من كلّ مصيبة، فبالله ثقوا و إيّاه فأرجوا، فإنّ المصاب من حرم الثّواب"، فكان الصّحابة يرون أنّه العبد الصّالح, العالم, الخضر (ع)...

و روي عن الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) أيضا أنّه لقي العبد الصّالح, الخضر (ع), و علّمه هذا الدّعاء و ذكر أنّ فيه ثواباً عظيماً و مغفرةً و رحمةً لمن قاله في إثر كلّ صلاة و هو: "يا من لا يشغله سمع عن سمع، و يا من لا تغلطه المسائل، و يا من لا يتبرّم من إلحاح الملحّين، أذقني بردْ عفوك و حلاوة مغفرتك"... و يُروى هذا الدّعاء كذلك عن الخليفة عمر بن الخطاب (ر).
و ذهب بعض المحدِّثين, إلى أنّ العبد الصّالح, العالم, الخَضِر مات، و إستدلّوا بالحديث الصّحيح أنّ النّبيّ محمّد (ص) قال: (أرأيتكم ليلتكم هذه، فإنّ على رأس مائة سنة لا يبقى مِن على ظهر الأرض اليومَ أحد)...
و ورد في بعض المراجع المعتمدة على لسان بعض العلماء الأجلاّء: (أنّه أيّ, العبد الصّالح, العالم, الخضر (ع), يأتي إلى المدينة و لا يدخلها، و أنّه يخرج إليه رجل منها يقول له: أنت الدّجّال الذي أخبر عنك رسولُ الله محمّد (ص)، فيقول الدّجّال لمن معه: أرأيتم إن قتلتُه و أحييته، أتؤمنون أنّي ربّكم، فيقولون: نعم، فيضربه بالسّيف يشقّه نصفين، و يمشي بينهما، ثمّ يُحييه، فيقول له الرّجل: أنا الآن أشدُّ فيك بصيرةً من قبل ذلك، أنت عدوّ الله الدّجّال، فيريد أن يقتله فلا يُسلَّط عليه)...
و روى البعض من العلماء الأجلاّء: أنّه لا بدَّ أنّ العبد الصّالح, العالم, الخَضِر (ع) أتى إلى النّبي محمّد (ص) و آمَن به و لم يَعرِفه الصّحابة... لأنّهم لم يعرفوا جميع من جاء إلى النّبي محمّد (ص)، بل كثير من الّصحابة مَجهولون مغمورون حضروا مع النّبيّ محمّد (ص) في غزواته، و إستُشهد بعضهم، و لم يَعرفهم أحد، و كثير من أحاديث الأحكام تُروى عن رجل من الصّحابة عن النّبي محمّد (ص)... لأنّ الصّحابة كلّهم عدول، و الجهل بأعيانهم أو أحوالهم لا يضرُّ...
و قال الله تعالى في غزوة الأحزاب: ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا﴾, كما ورد في سورة الأحزاب في الآية رقم 9, فقد يكون العبد الصّالح, العالم, الخَضِر (ع) من الجنود التي لم يرها الصّحابة، أو رأوه و لم يَعرِفوه...
و ليس من التّفكّر العقلي الصّحيح, بأنّ العبد الصّالح, العالم, الخَضِر (ع), لم يأتِ إلى النّبي محمّد (ص)، و لم يُجاهد...
و قد ورد في أحاديثِ العبد الصّالح, العالم, الخَضِر (ع) "أنّ العبد الصّالح, العالم, الخَضِر (ع) و النّبي إلياس (ع) يجتمعان بعرفة كلّ عام، و يَحلِق بعضهما لبعض، و يَفترقان عن هذه الكلمات: بسم الله ما شاء الله لا قوّة إلاّ بالله، بسم الله ما شاء الله، لا يسوق الخير إلاّ الله، بسم الله ما شاء الله لا يصرف السّوء إلاّ الله"...
و تزخر المكتبة العربيّة بالكثير من الكتب و المؤلّفات التي تُعنى بسيرة و حياة العبد الصّالح, الخضر (ع)... و منها للحافظ إبن حجر كتاب إسمه: "الزّهر النّضر في نبأ الخَضِر" إستوفى فيه أخباره، و ما يتعلَّق به...