الآن... يا دريد لحام؟!

محمد منصور * – أورينت نت


يقول تقرير وكالة (رويتزز) من دمشق أن الممثل والمخرج دريد لحام: " يحاول اليوم رسم البسمة على وجوه أطفال سورية في زمن الحرب، عارضاً إحدى أغلى مقتنياته الفنية في مزاد خيري لمصلحة تدفئة أطفال بلده. ويطرح الفنان السوري الذي اشتهر بتأدية شخصية «غوار الطوشة» السروال الذي أدى به هذه الشخصية لسنوات طويلة، للبيع في مزاد من أجل توفير الكسوة لأكثر من 300 سوري. وقال لحام (81 سنة) في مقابلة في منزله: "إذا استطاع هذا السروال أن يمنح الدفء لطفل سوري بردان تصبح له قيمة".

ويتابع التقرير أن دريد لحام قد حض في تسجيل مصور نشر على صفحة حملة (دفانا محبتنا) على موقع (فيسبوك)، شخصيات سورية على المشاركة في الحملة، في مقدمها زوجته هالة بيطار وأبناؤه. وقال في التسجيل المصور: (أبحث عن فرصة لأستطيع أن أفعل شيئاً وارتأيت أن أقدم لهم السروال. من أحلى هبات الله للإنسان القدرة على ملامسة قلوب الآخرين. عندما نعطي أحداً كنزة نكون قد لمسنا قلبه وليس جسمه).
أما محرر وكالة رويترز في دمشق فيرى أن: "سروال غوار الطوشة ليس قطعة قماش مرّ عليها الزمن، بل هو أقرب إلى خزانة قصص مذهّبة تطوي بين خيوطها زمناً من الاحتيال والمقالب ومن بدع تلفزيونية".. ويضيف ليحدثنا عما يفعله دريد لحام الآن من أجل أطفال سورية: "من غرفة جدته العتيقة داخل منزله في المزّة في دمشق، استخرج لحام هذا الإرث لتحقيق الهدف الإنساني في زمن الشدّة. وداخل هذه الغرفة مقتنيات يحفظها الفنان السوري المخضرم ويتمسك بأواصرها من الشام إلى مشغرة قرية والدته مريم الضاربة في عمق البقاع اللبناني وفي أعماق طفولته".
وينقل التقرير عن لحام قوله: "هناك من قال لي إن سروالك تراث وتاريخ، فهل من المعقول أن تستغني عنه؟ قلت لهم إذا كنتم تريدون غوار خذوه. ما قيمته أمام طفل بردان؟ لا قيمة له. يصبح صفراً. قطعة قماش".

غريبة حقاً هذه الدراما الإنسانية "الطفولية" التي أراد دريد لحام أن يمثلها، بعد أن ناصر خلال السنوات الأربع، ليس من شرّد أطفال سورية، وعرّضهم للبرد والجوع والنوم في العراء فحسب، بل من قصفهم بالكيماوي وهم نيام في أحضان آبائهم، على بعد بضعة أقل من عشرين كيلو متراً من فيلا دريد لحام في آخر (المزة فيلات).
مئات... نعم مئات من الأطفال لفظوا أنفاسهم اختناقاً أمام عدسات الناشطين، ونقلت كل محطات الأرض صورهم في آب / أغسطس من عام 2013 ولم ينبس دريد لحام بكلمة واحدة... لم يحتج... لم يعبر عن تضامنه... لم يتألم... لم يمتعض... لم يتهم حتى "العصابات المسلحة" بأنها هي من قصفتهم بالكمياوي... بل صمت وكأن هؤلاء ليسوا أطفال سورية.

وعلى مقربة منه، كان أطفال المعضمية التي لا تبعد عن بيته بالسيارة أكثر من عشر دقائق، يتضورون جوعاً من حصار، اعترف النظام علناً وبالقم الملان أنه يفرضه عليهم... لكن دريد لحام لم يشعر أن عليه أن يفعل شيئا. فهو يعرف جيداً أن ثمنه عند هذا النظام – إن أراد أن يقول كلمة حق أو يخالف أمرأً - صفعة على الوجه كالتي تلقاها من ضابط مخابرات في الثمانينات، حين وبخ أحد أبناء المسؤولين الذين كانوا "يشفّطون" ليلا بسيارات الشعب التي خصصت للمسؤولين وأبنائهم، قرب بيته القديم بحي المالكي، فما كان منه إلا أن تلقى صفعة على وجهه من أحد مرافقيه... حدثنا عنها بألم ذات مرة!
لكن دريد لحام لم يُرد أن يقول كلمة حق على أية حال... وخرس كذلك عندما ذبح أطفال الحولة بالسواطير، وطرد سفراء الأسد من دول الاتحاد الأوربي ودول الخليج، بعد أن تثبت الجميع أن المجزرة ارتكبتها مليشيات موالية للأسد، في أيار من عام 2012 ، يومها لم يكن هناك "داعش" أو" النصرة" كي يتذرع لحام وأمثاله بالتكفيريين وبانحراف الثورة، فقط كان هناك "عافش" حيث جيش الوطن ينهب بيوت السوريين بعد تدميرها... ويشتكي من دنائته حتى أبناء المناطق الموالية!

يقول دريد لحام الآن: "أبحث عن فرصة لأستطيع أن أفعل شيئاً" والحق أن "أبا ثائر" الذي ليس له من اسمه نصيب، كان من أوائل من فعلوا شيئا لثورة هذا الشعب، وهو يعرف حق المعرفة على أي نظام ديكتاتوري قمعي كان قد ثار. ففي زمن الثورة السلمية،/ وتحديداً في أيار / مايو من عام 2011 ظهر دريد لحام على قناة (أن بي إن) المملوكة لنبيه بري ليقول بالحرف:
(أعود لأناشد المغرر بهم، خلينا نقول مغرر بكم، وما نقول عنكم مجرمين، وتوبوا إلى الله ولا تصدقوا من يهبكم شقة في الجنة من الآن... لا تصدقوه. بيخلصوا المصاري اللي عطوكن ياهن بعدين رح ترجعوا لنفس الحاجة).
كان هذا في وقت لم تكن فيه الثورة قد تسلحت، ولا الجيش الحر قد أعلن عن تأسيسه، وكان جيش الأسد يحاصر درعا منذ أواخر نيسان / إبريل 2011، وكانت القيامة قد قامت على رأس بعض الفنانين والكتاب الذين وقعوا على بيان خجول يطالب فيه وزارة الصحة – التابعة للنظام – وليس قطر ولا تركيا، أن توصل الحليب إلى أطفال درعا.
طبعا دريد لحام لم يوقع على البيان... ولم يشعر أن عليه أن يفعل شيئاً، لكن ظهر ليناصر النظام، وليتهم المتظاهرين أنهم "مغرر بهم" أي ليست لديهم أية مطالب محقة، والبلد عال العال، والمخابرات لا تعترض مواطناً، ولا تتدخل في حياة أحد، ولا تفعل شيئاً سوى أنها تحاول أن تحمي الوطن من عمليات التجسس الإسرائيلية وتفشل أي اختراق للعدو... وأكثر من ذلك اتهم المتظاهرين بأنهم يتظاهرون من أجل حفنة من المال... أي مجموعة مرتزقة، يتظاهرون من أجل (500) ليرة يعرف دريد لحام أنها قد تكلفهم حياتهم، مع نظام قرر من اللحظة الأولى ألا يستخدم الرصاص المطاطي مع المتظاهرين بل الرصاص الحي!

لم يقف دريد لحام للحظة مع ضميره ليقول: أنا عشت مع هذا النظام وأعرف فساده جيداً... من حق هذا الشعب أن يعيش... من حقه أن يصرخ بأعلى صوته صرخة الماغوط التي ملثتُها في مسرحية (كاس يا وطن): " مو ناقصنا يا أبي إلا شوية كرامة"!
قرر دريد لحام أن يلعب الدور النقيض... الدور الذي يلائم نفسية العبد الذليل التي تحيا داخله، حين يخلع عباءة الفنان، وعباءة المثقف، أو حتى نصف المثقف، كي يبرر لسيده الظالم كل أفعاله ويقول له منذ البداية: معك حق... هؤلاء تكفيريون... وهذه مؤامرة... وهذه المظاهرات مدفوعة الأجر!
هذا الكلام وسواه، هو من سهّل للنظام – مع عوامل أخرى طبعاً- أن يشرّد أطفال سورية، وأن ييتمهم، وأن ييبتوا في العراء... كي يأتي دريد لحام في النهاية ليذرف دموع التماسيح عليهم، ويعرض شروال غوار في المزاد لأجل أن يرسل لهم الدفء!

هل تجرؤ يا سيد دريد أن تقول لنا من قصف بيوت هؤلاء الأطفال؟! من ضربها بالسكود والبراميل المتفجرة، و"أواني الطبخ" كما قال المجرم التافه الذي تناصره ممازحاً في مقابلة تلفزيونية أخيرة؟!
هل قلت كلمة واحدة بحق أطفال (القصير) الذين تفاخر (حزب الله) الذي تربطك به – كشيعي – علاقة جيدة ومشاريع إعلامية، بدخول بلدتهم وقتل أبائهم، وتشريدهم، ثم رفع راية (يالثارات الحسين) على إحدى أعلى مآذن المدينة!
الآن... استفاقت إنسانيتك بعد أن ظهرت بكل الصلف والجبروت لتجرّم متظاهرين خرجوا يطلبون الحرية والكرامة... وقتلوا بوحشية... افتريت عليهم... وسفهّت حقهم بالحياة وأملهم المشروع بالتغيير ... واتهمتهم بأنهم يتظاهرون من أجل حفنة من النقود؟! هل هذا الاتهام مجرد خلاف "ديمقراطي" بالرأي... أم افتراء ووقاحة؟!

أطفال سورية الذين باتوا في العراء بسبب مناصرتك لقاتل آبائهم ومدمر بيوتهم، وحارق قراهم ومدنهم، بحاجة لشوية كرامة.. لن يستطيع أن يعطيها دفؤكَ الذليل لهم... أطفال سورية يعتبرونك اليوم عاراً على ذاكرتهم، وشروال غوار الذي كان ذكرى من زمن جميل... هو الآن بلا قيمة فعلاً!
الأجدى أن تتبرع بمزاده لأطفال وأبناء عشاق البوط العسكري ورافعي شعار "الأسد أو نحرق البلد" الذي لم تعترض على وقاحته يوماً... فذاك الذل يستحق هذا المزاد... وتلك الذاكرة!

* رئيس تحرير (أورينت نت)