وصية أب مهزوم
* شعــر: هــلال الفــأرع
حِبري وهذا الليلُ،
لا قلمي يرى سطري،
ولا عينايَ تجترحانِ نومًا،
والسّوادُ على السوادِ طغى، وطَفْ
متوحّشٌ هذا الظلامُ،
كأنما انسدلتْ ذؤابتُهُ بعينِي،
أو كأنّ الحبرَ من حَدَقي رشَفْ
حبري وهذا الليلُ،
والحُرّاسُ منتبهونَ جدًّا من وراءِ البابِ،
يلتقطونَ نبضي إنْ هتفْ
ويدي على قلبي،
وكلُّ نوافذِ الزنزانةِ انطفأتْ،
وموجُ الليلِ يصعدُ، ثمّ يصعدُ،
كلّما احترقتْ عيوني فيهِ شَفْ
وأراكَ تأتي،
ثمَّ ألمحُ من بعيدٍ من خِلالِ الخوفِ كَفْ
خذها بنيَّ، ولا تخفْ
ما زال رجْفُ أصابعي فيها،
وحبرُ القلبِ ما أنهى استدارتَهُ، وجَفْ
لا تمتثلْ لخُطاكَ- يا ابني - حينَ تجنحُ عن ظلالِكَ،
وانتبهْ ليديْكَ إذ تتحاورانِ إلى هدفْ
واحذرْ إذا شفتاكَ دمْدَمَتا لبعضِهما وراءَكَ،
أو إذا إحداهُما همَسَتْ إلى الأخرى بدونِكَ،
واحترِسْ،
فلكلِّ همسٍ بين أيديهم مَلَفْ
واعبُرْ بلا صوتٍ،
إذا ما صوتُكَ العالي أشاعَكَ،
ولتكنْ رئتاكَ أكبرَ من شهيقِكَ،
واعتنقْ نبضًا يُجانبُهُ الشّغفْ
وأقمْ سياجًا حولَ قلبِكَ،
فالمحارةُ لا تعيشُ بلا صدَفْ
واقصِد إذا ما نمتَ في الأحلامِ يا ابني،
إنّ فيها نَوْلَ مِقصلةِ النُّطفْ
واقعُد إذا فتحَ الوقوفُ عليك بابَ الريحِ،
أو لم يرضَ كِبرُك بانحنائكَ،
فالرصاصةُ حينَ يَسْتهِمُ الزّنادُ،
تكونُ حصَّةَ من وَقفْ
عِشْ صامتًا،
إنّ الحياةَ طويلةٌ خلفَ الحديدِ،
وكن وحيدًا إنْ عشقتَ،
ولا تكنْ في الموعدِ المضروبِ،
بكّرْ، أو تأخّرْ،
إنهم في الموعِدِ المضروب يا ولدي طَرَفْ
لا تنخدعْ بحمامةٍ رفّتْ بأجنحةٍ ثلاثٍ،
تلكَ تحملُ ما تبقّى من رياشِ هديلِها،
لمّا تطاولَ، ثمَّ رَفْ
إن كان لاسمِك شُبهةٌ،
ابحثْ عن اسمٍ لا خلافَ عليه،
لا معنًى لهُ،
أو يكرهُ الأمواتُ أن يتذكّروهُ،
ولا يقودُ إلى الأسفْ
لا تسألنَّ عن الغد الآتي،
فكلُّ غدٍ أتى ومضى،
وليس لديك إلا ما سلفْ
وإذا ابتُليتَ،
تنفّسِ الصُّعَداءَ حين تمرُّ من بلواكَ دونَ كرامةٍ،
فكرامةُ الإنسان في البلوى صَلفْ
ستكونُ أشرفَ ما تكونُ إذا وقفتَ كبالعِ السّكينِ،
دعكَ مِنَ التّشرُّفِ،
ليس يدفعُ عنك شيئًا ما تسمّيهِ الشَّرفْ
هذا خطابي،
لا تساوِرْكَ الشّكوكُ،
ففيهِ أخفيتُ الذي عنهُ اختلفْ !
المفضلات