حين رأت بثينة شعبان الأسد في المنام: أكذب كتاب في التاريخ السوري!

محمد منصور- أورينت نت

كنت أظن أن كتاب (مرآة حياتي) للعماد اول مصطفى طلاس وزير دفاع حافظ الأسد طيلة فترة حكمه تقريباً، هو أكذب كتاب في التاريخ السوري المعاصر... كون العماد قد ترك لخياله العنان في تشكيل حياته ومرآتها كما يشتهي، لا كما هي في الواقع، الذي يعرف فيه السوريون جيداً، أن العماد أول كان مجرد واجهة لا تحل ولا تربط، ولا تعرف من مهام وزير الدفاع... سوى حمل هذا الكم من النياشين التي كانت مثار سخرية السوريين، وربما مثار سخرية حافظ الأسد نفسه!
لكنني وقعت في الحقيقة على كتاب أكثر كذباً من (مرآة حياتي) بمرات... وهو يستحق بجدارة أن يكون أكذب كتاب في التاريخ السوري المعاصر، بحيث لا أعتقد أنه يمكن لأحد أن ينافسه في ذلك التصنيف الفاحش، إلا إذا قرر بشار الأسد بنفسه أن ينصرف إلى تأليف الكتب!

الكتاب هو (عشرة أعوام مع حافظ الأسد 1990-2000) لمستشارة بشار الأسد بثينة شعبان، الصادر هذا العام (2015) عن (مركز دراسات الوحدة العربية) في بيروت، لصاحبه خير الدين حسيب... والذي تعامل مع الكتاب بجدية بالغة، حين وصفه بأنه: "يجمع بين رواية المذكّرات وتوثيق المادَّة التاريخية لمرحلةٍ شديدة الحساسيّة في الحياة العربية المعاصرة، وهي مرحلة محادثات السلام العربية - الإسرائيلية في العقد الأخير من القرن الماضي". ثم ذهب إلى القول بأن: "مركز دراسات الوحدة العربية إذْ يقدِّم هذا الكتاب إلى القارئ العربي فهو على يقين أنه سيثير نقاشاً سياسياً وتاريخياً مهماً، كونه الرواية الأولى عن محادثات السلام التي تكتبها شخصية سورية من الداخل".

"أكذب من بثينة شعبان"!
والواقع أن هذا المركز الخارج من غيابات أهل الكهف، والمنزوي في حارة نسيها الزمن، لم يتابع أكاذيب مؤلفة الكتاب الفاضحة في وسائل الإعلام خلال الأعوام الأربعة الماضية من الثورة ضد حكم وريث الأسد الطائفي، والتي كان أشنعها روايتها عن مجزرة الكيماوي التي ارتكبها نظام الأسد في غوطتي دمشق في آب / أغسطس عام 2013.

فقد خرجت الدكتورة بثينة شعبان، بتصريح أصاب السوريين بالذهول حين قالت في الرابع من أيلول / سبتمبر 2013 على شاشة (سكاي نيوز) الإنكليزية، بأن: "المعارضة قامت بخطف الأطفال والرجال من قرى اللاذقية وأحضرتهم إلى غوطة دمشق، وقامت بوضعهم في مكان واحد واستخدمت ضدهم الأسلحة الكيماوية"، مدعية أن ضحايا المجزرة هم من الطائفة العلوية!

وعدا عن أن هذا الادعاء كذبته كل الجهات الحقوقية وغير الحقوقية في العالم، وسخرت معظم وسائل الإعلام منه.. فقد تساءل السوريون الذين يعرفون جغرافيا بلادهم بسخرية وتهكم: كيف يمكن للعصابات المسلحة أن تختطف أكثر من (1700) طفلا ورجلا من الساحل، ثم تمضي بهم أكثر من أربعمائة كيلو متر، متجاوزة كل مناطق القتال والحواجز، نحو منطقة تحاصرها قوات الأسد حصاراً مطبقاً وتمنع عن سكانها الغذاء... كي تجمعهم وتقتلهم بالكيماوي هناك؟!!

بعد هذه الرواية سرى بين السوريين تعبيراً هجائياً يقول: "أكذب من بثينة شعبان" للدلالة على حجم الوقاحة التي وصلت إليها هذه المرأة... فكيف يمكن أن يتعامل أحد بعد الآن على أن كتابها وثيقة تاريخية هامة؟! وفي أي المغاسل والحمامات سيستخدم السوريون يوماً صفحات هذه الوثيقة الهامة فيما لو وقعت تحت أيديهم بالمجان ولم يدفعوا 16 دولارا أمريكيا ثمن الكتاب؟!

تساؤل لايمكن لأحد أن يجيب عليه إلا حين يعرف حجم الأكاذيب ابتدعها خيال بثينة شعبان الطائفي الفاجر، لتلميع صورة الديكتاتور حافظ الأسد، بدءا من المقدمة التي روت فيها قصتها مع اللقاء به وهي طالبة على أبواب الجامعة عام 1971، وحتى اللحظة التي جاءها بالمنام بعد وفاته وقال لها: " يا بثينة لماذا لم تكتبي حتى الآن عن المرحلة التي عملت فيها معي؟!!!"
نعم جاءها في المنام..
وسألته: "ما نوع الكتاب الذي يجب أن أكبته؟" فأجابها – والكلام لها - : "يكفي كتاب من أربعة فصول" وأوضح أن هذه الفصول يجب أن تركز على سورية والغرب، وعلاقته بالغرب، ودوره في عملية السلام، وأخيراً: حافظ الأسد وبيل كيلنتون!!!

حافظ الأسد انتخب انتخاباً!
تبدأ بثينة شعبان السطور الأولى من مقدمتها بما يلي:
"في صيف عام 1971، قابلتُ الرئيس حافظ الأسد أول مرة، دون أن يخطر ببالي ذات يوم، بعد أكثر من عشرين عاماً، سأعمل معه خلال السنوات العشر الأخيرة من حياته. كنت فتاة في الثامنة عشرة من العمر من قرية صغيرة قرب (حمص) وقد أتممت امتحانات الشهادة الثانوية، وكنت الأولى على محافظة (حمص) بأكملها، والرابعة على مستوى الجمهورية العربية السورية، وأستعد للذهاب إلى الجامعة، وكان هو رئيس سورية الجديد الجذاب والساحر والقوي، وقد انتخب للمنصب، قبل بضعة أشهر في آذار / مارس 1970 ".

بهذا المستوى الفاضح من الكذب غير المسبوق، تبدأ بثنية شعبان بيع "وثيقتها التاريخية"، فهو لم يأتِ على ظهر دبابة في انقلاب عسكري في 16 تشرين الثاني عام 1970، ولم يسجن رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء الذي كان قبله (الطبيب نور الدين الأتاسي) 23 عاماً في السجن، ولم يخرجه إلا بعد أن تفشى السرطان في جسده، ولم يسجن كذلك أستاذ الذي أعاده للجيش اللواء صلاح جديد الأمين القطري لحزب البعث بضعة وعشرون عاماً بلا محاكمة، قبل أن يخرج به من السجن إلى القبر... ولم تحاصر دبابات الجيش بإمرته القيادة القومية التي كانت في اجتماع طارئ، وتزج بكل أعضائها في السجون، بما فيهم رئيس وزراء سورية في عهد البعث د. يوسف زعيّن الذي أفرج عنه عام 1981 بعد إصابته بمرض عضال...

والأسد لم ينصب نفسه بعد الانقلاب الذي سماه (الحركة التصحيحية) رئيساً للوزراء... ولم يضع رئيس جمهورية صُوَري هو (أحمد الخطيب) ريثما يرتب ما سمي (استفتاء شعبيا) في آذار عام 1971 أكمل فيه انقلابه... بل انتخب انتخاباً، في أكبر كذبة يمكن أن تطلق على تاريخ حافظ الأسد الأسود!

حافظ الأسد أرسلها إلى الجامعة!!
تزعم بثينة شعبان بعد ذلك أن الأسد الذي "جاء بالانتخاب"، أصدر في صيف عام 1971 تشريعاً يقضي بتوفير منح للطبة المتفوقين لتمكينهم من التسجيل في الجامعات الحكومية... وكتبت تقول:
" في صيف عام 1971 أصدر الرئيس الأسد تشريعاً يقضي بتوفير منح للطلبة المتفوقين لتمكينهم من التسجيل في الجامعات الحكومي، لكن التشريع لم يخلُ من بعض المثالب، فبالرغم من أنني نلت أعلى معدل في محافظة حمص وكنت الرابعة على سورية بأكملها، لم أكن مؤهلة لنيل منحة، ومن ثم لك يكن باستطاعتي الدراسة في جامعة دمشق لأن أبي لم يكن قادرا على تحمل نفقاتها، فقررت أن أسعى إلى مقابلة الرئيس وأن أشرح له وجه الخطأ في المرسوم الذي أصدره".

الآكذوبة الكبرى الآن... أن الفقراء لم يكونوا يستطيعون أن يسجلوا في جامعة دمشق... لأن التعليم الجامعي في سورية كان مجانياً منذ عام 1903 تاريخ تأسيس أول كلية جامعية في جمشق وهي كلية الطب... وقد يقال أن الجامعة كانت مهتمة بأنباء المدن، وأن حافظ الأسد اهتم بأبناء الريف باعتباره أول رئيس من منبت فلاحي في التاريخ السوري المعاصر... لكننا نقرأ في تحقيق عن جامعة دمشق نشر في مجلة (الأسبوع العربي) اللبنانية بتاريخ: (3 كانون الأول 1962) قبل انقلاب البعث.. ما يلي:

"لقد رصدت الحكومة مبلغ 17 مليون ليرة سورية للعام الدراسي الجديد ، وقد اقتحم التطور جامعاتنا بمختلف فروعها وخاصة الطب العام وطب الأسنان والعلوم .... وإننا اليوم نسعى جاهدين لتأمين احتياجات الطلاب المتزايدة مع تزايد اعدادهم ... وخصوصاً الطلاب الذين جاؤوا من الأرياف طلباً للتعليم ... فهؤلاء أعدادهم متزايدة بكثرة وهذا من حقهم وخصوصاً أن الدستور السوري نص في مادته الحادية والعشرين الفقرة الخامسة على أن الدولة تعمل على تسهيل سبل التعليم، الذي تتمتع مؤسساته بالاستقلال المداي والإداري. في سبيل ذلك فقد قمنا بإحداث المدينة الجامعية التي تحتوي على مساكن وملاعب ومطاعم ومكاتب، وكل مايلزم الطالب من وسائل الراحة، حتى ينصرف بكليته إلى العلم في جو سليم من الأمراض الاجتماعية والاخلاقية".

وهكذا فالرئيس الانقلابي الذي كان قد تسلم رئاسة الجمورية للتو، ومشغولا بالغدر برفاقه ربما لم يصدر مرسوماً ولا من يحزنون... ووضع التعليم الجامعي قبل البعث والأسد كان في قمة استقلاليته وازدهاره، ومفتوحاً أمام الطلاب الريفين، الذين تحاول بثينة شعبان أن تخترع قصصاً ميلودرامية عن معاناتهم التي جاء حافظ الأسد لينتشلهم منها!

عدّل المرسوم قبل أن تصل لقريتها!
تتحدث بينثة شعبان بعد ذلك عن قصة لقائها بالأسد أثناء زيارته للكلية العسكرية في حمص، وكيف دخلت مبنى الكلية العسكرية وهي فتاة في الثامنة عشرة لا يعرفها أحد، وانطلقت نحوه لمقابلته فتأخذنا إلى أجواء فيلم (خلي بالك من زوزو) لطيبة الذكر سعاد حسني:
"أشار الرئيس الأسد إلى عناصر أمنه أن يبقوا في الخلف، وطلب إلى أن أتقدم نحوه، فجريتُ بسرعة جعلت رأسي يصطدم بصدره ببعض العنف، تملكني الحرج، لكنني لم أشأ أن أفقد تلك اللحظة الثمينة".

ثم تقول إن الأسد طلب منها أن تعود إلى بيتها وأن تنتظر أن يردها شيء من القصر الجمهوري، وبأسرع مما تتصور وردتها الدعوة من مكتب الرئيس، بعد أن اتصل القصر بمدير الناحية طالبا منها الحضور، وجاءت إلى قصر المهاجرين بدمشق، وعندما شرحت له وجه الخلل في المرسوم الذي يعطي المنحة للعشرة الأوائل في الفرع العلمي، والثلاثة الأوائل في الأدبي ولا يعطِ الأول من كل محافظة. قال لها الرئيس ببساطة: "معك حق"... لكن كذب بثينة شعبان يصل إلى درجة غير معقولة حين تكتب فتقول: " أثناء عودتي إلى قريتي في الحافلة، ضبط السائق المذياع على إذاعة دمشق، وكان أول خبر في النشرة الإخبارية هو تعديل الرئيس الأسد مرسومه السابق المتعلق بالمنح المخصصة للمتفوقين الأوائل".

وتضيف بثنية شعبان إنها شعرت بقشعريرة تسري في أوصالها... ولا ندري هل هي قشعريرة المفاجأة، أم رعشة خيال ابتداع هذه الكذبة التي تبدو أقرب للنكتة... إذ من غير المعقول أن يتم الأمر بهذه السرعة إلا إذا كان حافظ الأسد يعمل محررا في نشرة أخبار الإذاعة... عدل المرسوم بنفسه، دون عرضه على الوزير المختص على سبيل الإعلام بالشيء على الأقل، وحرره وأعطاه للمذيع على الفور!

تذكرها بعد عشرين عاماً!
بعد ذلك تقول بثينة شعبان إنها نتيجة لذلك سجلت في جامعة دمشق في ذلك الصيف، ودرست الأدب الإنكليزي، وقامت مع مجموعة من زملائها بزيارة أخرى للقصر الجمهوري لشكر الرئيس الأسد الذي منحهم في مزرعته التي يقرر فيها كل شيء بنفسه، الفرصة لإتمام دراستهم الجامعية... وتنشر صورة لمجموعة من الفتينات مع حافظ الأسد، تقول إنها في عام 1971 وتقول إنها ترتيبها السابعة على اليسار في الصورة... وقد تكون الصورة صحيحة بالطبع، فالأسد زار جامعة دمشق عام 1971 لكن هذا لا ينفي أن كل الأكاذيب التي روتها لا تصدق ولا يصدقها منطق الأشياء!

تمضي بثينة شعبان بعد ذلك، لتقول إنها لم تشاهد الأسد شخصياً، حتى اقترحها فاروق الشرع مترجمة له في لقاء مع الأمريكان عام 1991 لكنها تفاجئنا بكذبة أخرى حين تكتب فتقول:
" حين انتهى الاجتماع، وبعد مغادرة الضيوف الأمريكيين مباشرة، التفت الأسد إلي وقال: "ماذا كان سيحدث لنا لو أننا لم نرسلك إلى الجامعة؟ كنا سنجلس هنا اليوم من دون مترجم" لقد تذكرني! ".
نعم لقد تذكرها بعد عشرين عاماً من لقائه الأول بها... حكمتك يارب!

كيفك يا "صَعصَعة"؟!
ذكرتني هذه الحادثة بطرفة رواها لي مجموعة من الفنانين عقب عرض مسلسل (البركان) من بطولة رشيد عساف 1990 ، فقد أعجب حافظ الأسد بالمسلسل على ما قيل، وقرر استقبال مجموعة من الفنانين، وكان من بين هؤلاء ممثل مغمور، أخذ دورا قصيراً في المسلسل، استطاع أن يحشر نفسه في الزيارة لأنه "بعثي ومقرّب من الأمن"... وقد روى لزملائه أن دهش عندما وصل إليه الدور لمصافحة الأسد... حيث سأله الرئيس: "كيفك يا صعَصَعة" وكان هذا هو اسمه في المسلسل...الذي ربما لم تحفظه أم الممثل نفسه، ولكن عبقرية السيد الرئيس جعلته يتذكر!
لاحاجة لنا بعد ذلك للتدقيق في رواية الكتاب "التوثيقية" عن محادثات حافظ الأسد من أجل السلام في مؤتمر مدريد وما بعدها مع الأمريكيين ووفده مع الاسرائيليين...

ومع أن بثينة شعبان نشرت نص رسائل من جورج بوش الأب وبيل كلينتون، ربما لا تستطيع تحريفها والكذب بها، لكنها بالتأكيد خلقت سياقا من الأكاذيب الذي لا يمكن الوثوق به، من أجل تلميع صورة ديكتاتور جزار، حكم السوريين بالحديد والنار، ومات بعد أن دبر توريث الحكم لابنه في نظام جمهوري... يعرف الجميع كم احترم فيه الأسد القوانين والأنظمة والأعراف... وحقوق البشر قبل ذلك... ولماذا خرج السوريون خلال الثورة على ابنه، وبعد 11 عاماً من رحيله يهتفون: "يلعن روحك يا حافظ"!