العلاقات الإسرائيلية الإيرانية بين ماض مزدهر ومستقبل غامض

آراء ومقالاتعمرو زكريا خليل 18 ساعة منذ047
isran


عمرو زكريا خليل

باحث في الشؤون الإسرائيلية



تشهد مدينة لوزان مباحثات بين إيران والغرب من أجل التوصل إلى اتفاق حول مشروع إيران النووي. في الوقت الذي أعرب فيه بنيامين نتنياهو عن مخاوف إسرائيل من هذا الاتفاق، خشية أن تطور إيران قدراتها النووية وتصبح قوة نووية تهدد الوجود الإسرائيلي.

تُعتبر المسألة النووية الإيرانية هي الشغل الأمني الشاغل للحكومات الإسرائيلية منذ إعلان إيران عن برنامجها النووي، ويُلاحظ الجميع مدى العداء الشديد بين الدولتين. وهذا ما دفعني إلى بحث تاريخ العلاقات الإيرانية الإسرائيلية. وقد لا يعلم الكثيرون أنه على الرغم من هذا العداء الشديد الظاهر بين البلدين إلا أنه كانت بينهما علاقات وطيدة لفترة طويلة. وسأعرض فيما يلي بشكل مختصر للعلاقات الإسرائيلية الإيرانية في الفترة بين 1949-1979.

قبل إعلان قيام دولة إسرائيل (1949) كان لإيران موقفان سلبيان في قضيتين مهمتين:

القضية الأولى: الموقف الإيراني من لجنة الأمم المتحدة بخصوص أرض فلسطين والمعروفة بـ United Nations Special Committee on Palestine اختصارا UNSCOP وهي اللجنة التي تشكلت عام 1947، بعد أن نقلت إنجلترا ملف فلسطين للأمم المتحدة لحل المشكلة الفلسطينية. وكانت 11 دولة ممثلة في هذه اللجنة (أستراليا، كندا، تشيكوسلوفاكيا، هولندا، بيرو، السويد، أورجواي، جواتيمالا، الهند، إيران، يوغوسلافيا). اقترحت الدول الثمانية الأولى تقسيم أرض فلسطين لدولتين: عربية ويهودية. أما إيران والهند (عبر ممثلها المسلم) ويوغوسلافيا، فقد اقترحوا إقامة اتحاد فدرالي في فلسطين مع السماح بهجرات يهودية محدودة.

القضية الثانية: في التصويت في الأممم المتحدة -29 نوفمبر 1947- حول مشروع تقسيم فلسطين؛ حيث صوتت إيران ضد المشروع مع اثني عشر دولة أخرى (منهم ست دول عربية، إلى جانب كل من تركيا وأفغانستان وباكستان، والهند واليونان وكوبا).

رغم إعلان دولة إسرائيل إلا أن إيران لم تتسرع في الاعتراف بها، وإقامة علاقات معها. وفرَّ من فلسطين، في فترة النزاع المسلح 1947-1948، الكثير من الإيرانيين (خاصة البهائيين) ووُضعت أملاكهم تحت الوصايا. فطالبوا بتدخل الحكومة الإيرانية من أجل استعادة أملاكهم؛ فأرسلت إيران إلى إسرائيل (مارس 1949) مبعوثًا غير رسمي، عباس سياكال، الذي أصبح المسؤول عن المطالبة باستعادة ممتلكات الإيرانيين في فلسطين.

بعد أن أشارت إسرائيل لإيران إلى أن تطبيع العلاقات الدبلوماسية بينهما سوف يسرع من تلبية المطالب الإيرانية، حدث بعض التقدم. ففي شهر مارس 1950 أعلنت إيران اعترافها غير الكامل (دي فاكتو[i])، بإسرائيل. وأرسلت إلى إسرائيل ممثل رسمي على مستوى الوزير المفوض يدعى رضا صافينايا، بدرجة "ممثل خاص" وهو التمثيل المتبع في حالة الاعتراف غير الكامل. وكان مقره في القدس في مبنى القنصلية الإيرانية فترة الانتداب البريطاني. وفي المقابل عينت إسرائيل ممثلها في تركيا، إلياهو ساسون، ممثلا غير مقيم في طهران.

في تلك الفترة كان هناك إسرائيليون يعملون على تهجير اليهود من إيران والعراق، وكانوا في نفس الوقت قناة للتواصل بين البلدين.

وفي يوليو 1951 قرر محمد مصدق، رئيس الحكومة الإيرانية آنذاك، إغلاق الممثلية الإيرانية في القدس؛ حيث تمنى أن يساعد ذلك على الحصول على تأييد الدول العربية والإسلاميية والأصوليون الإسلاميون في إيران. أما على المستوى الرسمي فقد برر ذلك بوجود صعوبات مالية. لكن الحكومة الإيرانية لم تحقق مرادها من ذلك. وتوصل شاه إيران, محمد رضا بهلوي, إلى استنتاج أن مصلحة بلده تلزمه توطيد علاقاته مع إسرائيل، لكنه قرر أن تبقى هذه العلاقات سرية، كي لا يثير العالم العربي والإسلامي ضده.

وصل أول ممثل إسرائيلي في إيران، تسفي دوريئيل، في بداية عام 1956، تحت غطاء ممثل شركة تجارية باسم "إيريس" اختصار IRAN-ISRAEL. وخصص له مبنى خاص لكن لم يرفع عليه العلم الإسرائيلي. وسرعان ما تطورت العلاقات بين البلدين وأصبحت إيران أكبر مزود للنفط لإسرائيل، عبر ميناء إيلات. كما استخدمتها إيران كميناء لتصدير النفط الايراني لبعض دول أوروبا. كما زادت الصادرات الاسرائيلية لإيران. وافتتحت شركة طيران "العال" خط طيران مباشر بين إسرائيل وطهران. كما سمحت إيران بمشاركة إسرائيل في المؤتمرات الدولية التي عقدت على أراضيها. وتوطد كذلك التعاون العسكري فيما بينهما.

طلبت إيران من سويسرا، عام 1958، أن تقوم بتمثيل مصالحها في إسرائيل. وفي عام 1960 عُين دبلوماسي إيراني في السفارة السويسرية في إسرائيل. غير أن التغييرات السياسية التي شهدتها المنطقة في تلك الفترة (الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا؛ والانقلاب العسكري في العراق؛ والتدخل العسكري الأمريكي البريطاني في لبنان) أدت إلى تفكير إسرائيل في توطيد علاقاتها مع الدول غير العربية في المنطقة: إيران، تركيا، إثيوبيا. وكانت هذه الدول قلقة من الوحدة بين مصر وسوريا، وكذلك من زيادة النفوذ السوفيتي في المنطقة.

وعلى الرغم من وجود علاقات إسرائيلية إيرانية إلا أن إسرائيل رغبت في أن تكون هذه العلاقات علنية وليست سرية. وبذلت جهودًا كبيرة من أجل إقامة علاقات دبلوماسية كاملة بين البلدين. ونجحت هذه الجهود عندما قرر شاه إيران (مايو 1960) الاستجابة لمطالب إسرائيل، لكنه أراد التمهل في ذلك لدراسة ردود الفعل العربية على ذلك. وفي 24 يوليو 1960 أجاب الشاه، في مؤتمر صحفي عن سؤال حول العلاقات الإيرانية الإيرانية الإسرائيلية؛ حيث قال أن إيران اعترفت بإسرائيل وكان بها ممثلية إيرانية أُغلقت لأسباب مادية؛ غير أن الاعتراف الإيراني بإسرائيل باقٍ. أثارت هذه التصريحات غضب الرئيس جمال عبد الناصر الذي بادر بقطع علاقاته الدبلوماسية مع إيران (استأنفت العلاقات في سبتمبر 1970 بعد فترة قصيرة من وفاة عبد الناصر)،

لكن الدول العربية الأخرى لم تتخذ نفس الخطوة. مما دفع الشاه إلى التراجع عن فكرة تطبيع العلاقات مع إسرائيل كي لا يسيء إلى علاقاته بالدول العربية الأخرى.

بعد سنوات حاولت إسرائيل مجددًا طرح مسألة علنية العلاقات غير أن الردود الإيرانية كانت سلبية. وأخبرهم الإيرانيون بإذا ما كانت إسرائيل ترغب في وجود علاقات دبلوماسية كاملة بدون أي مضمون حقيقي لهذه العلاقات؛ أم وجود علاقات سرية لكن قوية ومتينة؟

وصف بن جوريون، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، العلاقات الاسرائيلية الايرانية في جلسة بالكنيست الاسرائيلي "بعلاقات صداقة غير رسمية، لكنها أيضًا غير خفية… هذه الصداقة موجودة وقائمة، ومبنية على الفائدة المشتركة نتيجة التعاون فيما بينهما."

ويمكن تلخيص التعاون بين البلدين فيما يلي:

الهجرة: كانت إيران دولة ممر للهجرة اليهودية من العراق. حيث منعت العراق هجرة اليهود منها إلى إسرائيل (باستثناء 1950-1951، في العملية المعروفة باسم عزرا ونحميا).
التزود بالنفط: أصبحت إيران كما ذكرنا المزود الرئيس لإسرائيل بالنفط.
التعاون في مساعدة التمرد الكردي ضد الحكومة العراقية: وصل هذا التعاون إلى نهايته عام 1975 بعد أن توصلت كل من إيران والعراق إلى اتفاق فيما بينهما.
النواحي الاقتصادية والتدريب: ساعد ارتفاع أسعار النفط إيران على القيام بعملية تنمية موسعة، شاركت فيها إسرائيل؛ حيث عملت الشركات الإسرائيلية في طهران ومدن أخرى. وأقام في إيران في العام الأخير من حكم الشاه حوالي 500 إسرائيلي. كما كانت هناك مدرسة إسرائيلية للأطفال الإسرائيليين درس فيها حوالي 200 تلميذ.
وصلت الصادرات الإسرائيلية لإيران في نفس العام (1978) إلى أكثر من 225 مليون دولار بما في ذلك الصادرات الأمنية (حوالي 7% من الصادرات الإسرائيلية لنفس العام). ولقد شملت هذه الصادرات: الميكنة الزراعية، التكييفات، الأسمنت، المنسوجات، معدات تحلية المياه، الأجهزة الإلكترونية، أنظمة الاتصالات. ولقد أدت زيادة الصادرات إلى إنشاء خط "تسيم" الملاحي التجاري بين إيلات والموانيء الإيرانية. كما شارك الكثير من الإيرانيين في دورات تدريبية في إسرائيل. كما قام الخبراء الإسرائيليون بزيارة إيران.



غير أن اندلاع الثورة الإيرانية، فبراير 1979، قد أوقف هذه العلاقات. وجعل الثوار الإيرانيون إسرائيل والولايات المتحدة هدفًا للتحريض ضدهما. ولم يكتفوا بذلك بل هاجموا كل من أقام علاقات مع إسرائيل خاصة من الدول العربية؛ فقطعت إيران الخوميني علاقاتها مع مصر واعتبرتها عدوة للإسلام لتوقيعها معاهدة سلام مع إسرائيل. كما جمدت علاقاتها مع منظمة التحرير الفلسطينية وعرفات بعد توقيع الأخير على اتفاقيات أوسلو مع إسرائيل. لكن أكثر تعبير عن عداء إيران الثورة لإسرائيل كان في مساندة حزب الله الشيعي اللبناني، بالتنسيق مع سوريا.

شهدنا في هذا الاستعراض تاريخ العلاقات الإيرانية الإسرائيلية حتى الثورة الإسلامية الإيرانية. والسؤال هو: هل من الممكن أن تعود هذه العلاقات إلى سابق عهدها في حال تغيير نظام الحكم الإسلامي في إيران؟ أم أنها ستصل إلى حد المواجهة العسكرية فيما بينهما؟ هذا ما سيخبرنا به المستقبل.

https://www.ehtelalnews.com/%D8%A7%D...%D9%86-%D9%85/




[i] : dē factō؛ "في العمل"، بحكم [الأمر] الواقع. هو تعبير يعني أن الأمر مطبق على أرض الواقع لكنه ليس بالضرورة مذكورا ومنظما من قبل القانون الساري. والمصطلح المضاد له هو دي يوري