إحباط مخطط لا مصادفة
النِّظام ينهار والعرب يدعون لحل سياسي بعد أشهر

الدكتور عزت السيد أحمد

في حِيْنِ أَنَّ الأوساط العالمية كلها تتوقع انهيار النِّظام بَيْنَ عشيَّةٍ وضحاها...
في حِيْنِ أَنَّ وزيري خارجيتي أكبر دولتين في العالم اجتمعا قبل يومين في 17/5/2015م علىٰ عجل للتباحث في تداعيات انهيار نظام الأسد والتخطيط والتوافق علىٰ مرحلة ما بعد الأسد...
في حِيْنِ أَنَّ الصحافة الإسرائيلية منذ أسبوع وهي تبحث في تداعيات ما بعد انهيار نظام الأسد وما يجب عليها فعله لمواجهة المخاطر المحتملة وضرب من تتوقع أن يشكلوا عليها خطراً في المرحلة التالية لسقوط الأسد...
في حِيْنِ أَنَّ النِّظام متفكك ولم يبقى منه شيء ولا أحد يدري كيف سينهار فجأة ليس من دون مقدمات لأنَّ المقدمات كلها تقول إِنَّهُ منهار ومتفكك وما بقاؤه إلا هيكلاً من دون مضمون أو روح أو قدرة علىٰ البقاء...
في حين ذۤلكَ كلِّه تتفضل المملكة العربية السُّعودية علىٰ الثَّورة بالتَّحضير لاجتماع تقاسم السُّلطة مع النِّظام علىٰ أن ينعقد هٰذا الاجتماع التشاوري وليس التَّقاسمي بعد شهرين من الآن، ولا ندري كم من الاجتماعات ستتلوه علىٰ كم من الأشهر ورُبَّما السنوات وفق المخطط السعودي.
غرابة يبدو أنَّها تفوق قدرة العقل علىٰ التَّخيل. وهي كذۤلكَ في حقيقة الأمر من جهة، ولۤكنَّهَا ليست جديدةً ولا غريبة من جهة ثانية علىٰ ضوء ما تتوقع السعودية أنَّها تمسك به من أوراق الثَّورة السُّوريَّة. السعودية تحسب أنَّها تمسك بأكثر من ثمانين بالمئة من أوراق وقيادات الثَّورة السُّوريَّة عندنا فرضت نفسها متحكماً وحيداً بدعم الجيش الحر وتسليحه وغير ذۤلكَ كثير. ولذۤلك تحسب أن إيقاف تقدم الثَّورة وفرض خريطة الطريق التي تحملها بيدها منذ أوائل أيام الثَّورة. ولۤكنَّهَا لم تطرحها، حَتَّىٰ أوجدت الظروف المناسبة للقدرة علىٰ فرضها علىٰ الثَّورة.
هٰذا إذن ليس لعباً علىٰ الطويل. هٰذا ليس ممارسة جديدة علىٰ الإطلاق. منذ بداية الثَّورة لعبت العرب والمجتمع الدولي هٰذه اللعبة مرات عدة. في أواخر عام 2011م وفي حين كان الجميع يترقب انهيار النِّظام وسقوطه دعت الجامعة العربيَّة إلىٰ اجتماع بعد ثلاثة أشهر، وتزامن معها تفكير مجلس الأمن الدولي باجتماع مماثل بعد أشهر... إحباط مخطط لا مصادفة كتبت عنه في حينه.
في أواخر عام 2012م وأوائل عام 2013م كانت بوادر انهيار النِّظام علىٰ أشدها، وكتبت حينها: النِّظام ينهار والمجتمع الدولي يبحث في كيفيات إنقاذه وانتشاله. وكان منها الممارسة الإحباطية والدعوة إلىٰ جنيڤ2 وإيقاف الجبهات، والحديث عن اجتماعات ودعم بعد ستة أشهر... في حين أنَّ الجميع يترقب سقوط النِّظام كانت الدول العربيَّة والأمم المتحدة وأمريكا يتحدثون عن إجراءات بعد ستة أشهر... إحباط مخطط لا مصادفة.
لا أطيل في الشَّواهد، أقفز إلىٰ اليوم. اليوم بعد تقدم هائل للثَّورة المسلحة علىٰ مختلف الجبهات وانهيار جيش النِّظام انهياراً تامًّا، وعجزه عن الصمود في أي جبهة من الجبات، أي جبهة تتقدم إليها الثَّورة المسلحة تنهار خلال أيام قليلة، والثَّورة المسلحة في تقدم من مكان إلىٰ مكان، ولم يعد النِّظام يسير علىٰ أكثر من ربع المساحة السُّورية منها دمشق والساحل بل جزء من الساحل. وكل التوقعات تقول إنَّ بشار الأسد إن لم يكن قد غادر سوريا فهو ممسك بحقائبه لا يمنعه إلا التهديد الخارجي بعدم الخروج والمغادرة... في ظلِّ ذۤلكَ كله تأتي المملكة السعودية العربية لتقول سيبقى بشار الأسد ونظامه وستشاركه الثَّورة في السُّلطة وستبدأ المباحثات بعد شهرين، ولا ندري متى تنتهي المباحثات ولا كيف ستنتهي، مثل جنيڤ2 تماماً؛ فرض علىٰ النِّظام الثَّورة التفاوض من دون ورقة عمل ومن دون ضمانات، ومن نتائج متوقَّعة إلا إمكان استمرار المفاوضات عشر سنوات كما قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لاڤروف... ورُبَّما تنتهي المفاوضات كما انتهت في اليمن بالرعاية ذاتها أي ببقاء النِّظام حاكماً متحكماً بكلِّ شيءٍ أساسيٍّ، والثَّورة والثُّوار وَرَقُ تواليت يستخدم عند إخراج أي قرار إلىٰ بالوعة المرحاض.
وليس هٰذا فحسب، بل إنَّ الإئتلاف الذي يمثل الثَّورة، وبقراراتٍ عربيَّةٍ ودوليَّةٍ يعدُّ ممثلاً للشَّعب السُّوري، بغضِّ النظر عما فيه من إشكالات، تَمَّ تهميشه لصالح معارضةٍ تابعةٍ للنِّظام، ومعارضاتٍ لا أصل لها ولا فصل، ولها توجهات مناهضة للثَّورة... كلها فُرِضَتْ لتكون ممثلاً للثَّورة والشَّعب السُّوري!!! فتخليوا.
هٰذا ليس تحليلاً، هٰذا ليس توقعاً، هٰذا ليس استنتاجاً، هٰذا حقيقة ما يحدث ويدور ويخطط له. وسيذكر التاريخ أنَّ النِّظام الإقليمي العربيكاني هو الذي تحكم بأنفاس الجيش الحر وصار يقتر عليه تقتيراً عندما يحتاج أن يفعل شيئاً، ويمنعه من التَّقدُّم والتَّحرُّك بقطع المدد في اللحظات الحرجة.
سنتان والجيش الحرُّ تحت هٰذه السَّيطرة؛ كلما تحرك في مكان تَمَّ التضييق عليه وخنقه حَتَّىٰ يتوقف علىٰ الرَّغْمِ منه وهو في ذروة الحماس والانتصار والتَّقدُّم. المتابعون للثَّورة السُّورية باهتمام كانوا يرون الوقفات المربكة للتحليل السِّياسي والعسكري والاستراتيجي حَتَّىٰ اعتزل المحللون المحترفون التحليل وبرز أشباه المحللين يتفلسفون ليسدوا الفراغ، اعتزل المحللون المحترفون لأنه وضعوا في مواقف محرجة بسبب الحراك غير المفهوم للجيش الحر علىٰ مختلف الجبات، ما تفتح من جبهة إلا وتنام الجبهات كلها نوماً لا يمكن لأحد تفسيره، وحَتَّىٰ الآن هٰذا السُّلوك قائمٌ. هناك من يريد أن يقول للنِّظام: اطمئن، لا تخف، ركِّز جهودك علىٰ الجبهة المفتوحة وأنت مطمئن.
ومع ذۤلكَ فإن الانتصارات تتالى علىٰ نحو غير متوقع لمن يتحكم بحراك الجيش الحر، ولذۤلك فرضت علىٰ الجبهات الأُخْرَىٰ أن تستلقي وتنام، أو فرضت عليها صراعات داخلية لإشغالها عن التقدم باتجاه النِّظام. ومع ذۤلكَ ذۤلكَ فإنَّ ما حدث ويحدث من انتصاراتٍ مدهشةٍ في الأشهر الأخيرة لم يكن ليخرج عن هٰذا الإيقاع، ثَمَّة وراء الأكمة ما وراءها. تناولت ذۤلكَ بتفصيل في مقال الأمس، وأقول باختصار: إنَّ هٰذا التقدم كله خوفاً من أن تكون الدَّولة الإسلاميَّة هي الأسبق لملئ الفراغ، ولذۤلك تغاضوا عن تقدم الجيش الحر، أو رُبَّما دفعوه لملئ الفراغ الذي لم النِّظام قادراً علىٰ سدِّ ثغرته.
قد يستطيع النِّظام الإقليمي العربيكاني تمرير مخطِّطهم الذي عملوا عليهم علىٰ مدار الثَّورة لإسقاط الثَّورة أو عدم نجاحها وفرض سلطة من العملاء الذين باعوا الله ليتخووزقوا على كراسي السلطة...
قد يستطيعون ذۤلكَ ولۤكنَّهُم لن ينجحوا، ولن يسامحهم الشَّعب السُّوري الذي ذاق منهم مثل ما ذاق من نظام بشار الأسد ولٰكنَّ من دون رصاص وصواريخ وبراميل.
تزعم الأنظمة العربيكانية وفوقها أمريكا أنَّهُم يحمون الأقليات، ويزعمون أنهم يريدون تمرير أو فرض الحل السِّياسي من أجل حماية الأقليات... ويضحكون علىٰ بيادقهم من قيادات الثَّورة بهٰذه المزاعم، وهؤلاء البيادق يحسبون أنَّ أمريكا وعصاها من زعماء العرب حريصون على الأقليات ويسعون لحماية الأقليات... وهٰذه أسطورة الأساطير وخرافة الخرافات.
إنَّ أكبر كذبة تضحك بها أمريكا والغرب على منطقتنا، وبالتوافق والتنسيق مع الأنظمة العربيكانية يضحكون علىٰ الثَّورة السُّوريَّة، هي حماية الأقليات إلا إذا كانت تعني الأقليات غير المسلمة تحديداً لأنَّنا شاهدنا بأعيننا مجازر الأكثرية المسيحية بالأقلية المسلمة في إفريقيا الوسطى، ومجازر الأكثرية البوذية بالأقلية المسلمة في مينمار ولم يتحرك لهم ضمير أو تصريح أو اعتراض، وغيرها من مثلها.
لسنا نحن العرب ولا المسلمين من يشترك عليهم حماية الأقليات، ولا من تفرض عليهم حماية الأقليات، ولا من يحتاج إلىٰ مواعظ في حماية الأقليات... راجعوا التاريخ القريب والبعيد والمتوسط وستجدون أننا نحن آخر من يحتاج إلىٰ دروس ومواعظ في في ذۤلكَ. وإذا نظرما إلىٰ الخريطة الحالية في المنطقة وجدنا أن من يحتاج إلىٰ ضمانات هم الأكثرية، الأكثرية هي التي تتعرض للإبادة وليست الأقليات. ومع ذۤلكَ يريدون ممن تعرض للإبادة والتهجير والتشريد والنهب أن يقدم ضمانات وحماية لقاتله!!!
أمريكا في حقيقة الأمر تريد تفتيت المسلمين تحديداً تحت ذريعة حماية الأقليات. ولا مانع لها من أيِّ مجزرة وإبادة بحقِّ المسلمين إن كانوا أقلية أو أكثرية.
المسألة لا تحتاج إلىٰ برهان والأدلة أسطع من الشَّمس وأوضح من الوضوح، إنها علىٰ أعين الناس جميعاً بالصور والوثائق والمشاهد الحية وأحياناً بالنَّقل المباشر... إِنَّهَا تفوق البداهات قوَّة إقناع. وعندما تكون البداهات تحت الأرجل، والفانتازيا هي الواقع الذي يؤمن به الإنسان ويصدقه واثباً فوق البداهات، فمن الطبيعي أن لا تجد أمامك ما يمت إلىٰ العقل بصلةٍ. ولا يبقى أمامنا إلا نقول: أين قوم لوط يتعلموا الفجور من أهل هٰذا الزَّمان؟ إنَّ الشَّيطان ليعوذ بالله من أناس هٰذا الزَّمان.