تبرز رواية " الغرباء " للروائي المغربي صلاح انياكي أيوب اشتغالا متنوعاً سواء على مستوى مواقف شخوصها من الواقع المعاش بالمغرب إبان فترة ثمانينات القرن الماضي، أو من خلال تقديمها لصور قاتمة جدا، بكشفها عن العمق الإنساني المهزوم، منتقدة أفراد المجتمع بنزوحهم نحو التسليم بالأمر بما هو كائن، دون البحث عن سبل الانعتاق من ربقة القهر، أو مواجهة عنفه، وجبروته. وقد برز ذلك من خلال المواقف التي عبرت عنها شخوص الرواية إزاء قضايا محددة، كالتعليم، والسياسة، والعبودية، والعنف، والتحرش الجنسي، والحرية. هذه الأخيرة ستظل مطلبا مقترنا بتحرير الذات ضمن نسيج من العلاقات المتشابكة والمتضاربة، بين الحب، والخيانة، والكراهية، والإخلاص، وبين الشفافية والانتهازية. وهو ما حول الذات الساردة، الى ذات تعمل على تحرير نفسها من ترسبات ماض ساحق بكل الوسائل من أجل ولادة جديدة، بعد مرورها بالعديد من التجارب الحياتية القاسية جدا.
تقدم الرواية نفسها كرواية سير ذاتية، انطلاقا من صفحة الإهداء الأولى " انا اكتب: معناه أن أنخرط في شكل من أشكال الثورة ... " وكذلك من أول جملة من محكيتها الأولى، بالارتكاز على الفلاش باك، يقول السارد " أذكر فيما أتذكر جيدا أنني ذات عام، وجدتني بين الدروب العتيقة سائحا، متمرداً ومنكسر الخاطر" ص 6.
فالرواية بمحكياتها الأربع ستركز على رسم ملامح العديد من الشخوص الذين أثروا في مسار البطل، كالخالة وزوجها، وليلى، ومليكة، وعزة، وفتاة الجبل، ومارية، وبيلا bella
بالإضافة إلى بعض أصدقاء الطفولة ك: مصطفى، وعبد الغني، ...
بالإضافة إلى رسم ملامح الشخوص، عملت الرواية على تأثيث أحداثها بفضاءات وأمكنة مميزة، كالبادية، والمدرسة، والجامعة، ومدينة أبي الجعد التي شكلت من خلال الرواية وطناً كبيراً سيتم رصد العديد من مكوناتها العمرانية، ومجالها الجغرافي، وبعض من طقوسها الفنية المائزة " اعبيدات الرما"، فالرصد سينطلق من منزل السارد إلى رأس الدرب، ثم الحي، فالغابة، والقرية التي ينتمي إليها السارد.
كما ناقشت الرواية، أشكال الهجرة السرية، وصورة المرأة المهاجرة، والموقف من المثقفين و"العبيد" و" اللصوص" الانتهازيين، والعنف ... لنلمس أن الثورة على الاوضاع وتغيرها سيضحى مطلبا أساسياً تحكم في سيرورة العمل الروائي، فهو يتجاوز الحلم إلى التحول لرسالة كونية.
لقد توسل الروائي صلاح انياكي أيوب لإبراز منظوره، وتصوراته بالعديد من التقنيات ضمن قالب روائي طغى عليه البوح، واللغة الشفافة، عبر توظيف الحوار، والمونولوغ، والميتاسرد، وتضمين الرسائل ( الخطابات)، والحكي الاسترجاعي، والمشهد المسرحي، كتابة عكست بعض مقاطعتها نفساً شعرياً مائزاً.
-1) دلالة المكان في الرواية
يتم رصد الأمكنة داخل الرواية عبر حكي استرجاعي، معلنا عن زمن فاصل بين مرحلتين، انتهاء الاستعمار وبداية الاستقلال، في مغرب مفعم بالعديد من الأحلام، والآمال البراقة، لطفل سيبدأ رحلة الانتقال من البادية نحو المدينة، وانبهاره بعوالم المدرسة، وقيمها الفاضلة يقول السارد " داخل المدرسة لا شيء كان يغري غير أحلام الطلاب السعيدة التي باتت على مرمى حجر من مراقدنا، وزوايا لعبنا، وسرور المعلقة على حبال الفروسية" ص 7
فالمدينة كمجال بما شكلته برمزية من انتصار للحق، والفضيلة، كان نابعاً بالأساس من انبهار السارد بكتاب القراءة لأحمد بوكماخ الذي فتح عينيه على آفاقه الرحبة، بلغته، واقصاصيه، وبلاغته حتى صار يلازمه " بعدما ألفت صحبة هذا الكتاب في أغلب مساءاتي، أصررت على أن أكون طالبا جامعيا في يوم من الأيام " ص 8
في حين سنلمس بوادر إجهاض هذا الحلم بعد الانتقال إلى الدراسة بالجامعة التي وصفها بقتامة كبيرة " أن تكون الجامعة التي غذت فورة أحلامنا الصغيرة، مقبرة موحشة لدفن آخر ساعاتي الجميلة، والثورات الاجمل" ص 10
ولعل هذا التدمر نابع من وقوف السارد على البون الشاسع بين قيم المؤسسة التربوية، وواقع الحال " أدرك أغلبنا أننا نملا بعض فراغات الشطرنج ... وأن الذي سيأتي لاحقا، لن يكون بالضرورة أجمل مما كان " ص 12، وهو الأمر الذي سيتم تأكيد تفاصيله المريرة في ص: 53 ، إبان حديثه عن حياة الطلبة بالجامعة " لم أفهم كيف ينام بعضهم في غرف هي أقرب إلى العراء الموحش، بل أقرب إلى سجون تازمامارت"
في حين يتم الحديث عن المدينة ابتداء من ص: 12 من خلال استرجاع تفاصيل محاولته الثانية للقدوم اليها من البادية " لم يكن يعرف أبداً أن وعد خالته القديم بمرافقته إلى المدينة سيتحقق بهذا الشكل السريع " ص:16 ، وسنلمس صدمة الطفل البدوي، وتحول حبه للمدينة بعد ذلك إلى نوع من الكراهية " وجدنا أنفسنا نجوب الشوارع كالمعتوهين، بعدما أضحت مختلف المدن تلبس نفس الألوان الكئيبة " ص:18، كما يتم الحديث عن تفاصيل رحلته من البادية نحو المدينة في المحكية الثانية ص: 98، ورفقة أصدقاء الدراسة الاعدادية: أبو شنب، ومرزوق، في رحلة أبرزت تفاصيلها معاناة كبيرة للوصول إلى مقهى شعبي لا تتوفر فيه الشروط المناسبة لقضاء ليلة في أحد غرفه العلوية الرديئة ذات فصل حار"
إن موافق السارد من المدينة سيبرز أكثر بمحاولته إثبات بدويته إزاءها بقوة، وكأنه كان يقاوم انسلاخا مفاجئ لهويته " لقد بت أزداد قوة بريفيتي الممتدة إلى أقاصي الشرق العربي ... لم أكن قويا يوماً بزيف المدينة، وادعاءات الطهر التي تملأ محلاتها، وكتبها وأضواء شوارعها المتسخة حد القيء" 122
في حين سيقترن وصف السارد لمدينة ابي الجعد من خلال العودة إلى مرحلة الطفولة، مما يجعل وصف المكان وصفا استرجاعيا " الزقاق الذي فيه أقبرت ودون علمي آخر مسوح ريفيتي الأولى " 128 وهي اللحظة التي سيتطرق فيها إلى وصف البيت القديم " فمازالت نفس الأبواب الخشبية بطلائها الأخضر الداكن.. نفس الحيطان الحجرية.." ص:128. لعل المثير في هذا الالتقاط هو اعتماد زاوية رصد من داخل البيت نحو فضاءه العلوي من وسط باحته " صومعة مسجد مولاي سليمان ( بلونها الترابي)... أعشاب اللقالق" 129، مع ما رافق ذلك من مؤثثات محيطة بالبيت في الخارج " النخلة التي ظلت ذاكرة الزقاق زمنا طويلا .. وأهدتنا .. أحلى بلح، وأجمل المشاهد " 129. كما تمت الإشارة إلى رأس الدرب الذي شكل مكانا للاجتماع " نجتمع .. بجوار أعمدة الإنارة، منا من يجلس على الأرض.. ومنا من يقعد فوق أخشاب النجارين ... " 130"
هذا التبئير المكاني، سبقته الإشارة إلى المحيط الطبيعي القريب من الحي" بين ظلال تلك الغابة، وأغصانها، كنا نقضي أحيانا نهارا كاملا" ص:130 . إن صور الأمكنة داخل الرواية، هي صور مستحضرة بالقوة، نظرا لما برز من خلال مقارنة واقع السارد بماضيه فيها من تضارب، ونفور انعكس كتجليات ومواقف إزاء نفس الحيز المكاني في مرحلة النضج، باعتبارها مكانا موحشا ومقززا أحيانا، وهو ما يقودنا نحو الكشف عن حيثياته في المحور الموالي.
2) - العمق الإنساني المهزوم في رواية الغرباء
تبرز شخوص الرواية العديد من المواقف المثيرة للجدل إزاء قضايا مصيرية مختلفة. فالبطل بعد صدمته الأولى بالجامعة، وكذلك من خلال نسيج علاقاته الإنسانية جعلنا نكون صورة عامة عن طبيعة عمقه الإنساني المهزوم بالقوة داخل وطن ظلت فيه الثورة على الأوضاع محلوم بها على الدوام. كما ظل فيها سؤال التغيير هدفا منشودا، بعد عجز القيم الفاضلة على استعادة بريقها السابق الذي ترسخ في فترة ما عبر المؤسسة التربوية، لتحقيق نوع من المساواة، والعدالة الاجتماعية. من هنا ستبرز العديد من المواقف بدء من الانتهازيين، والمتخاذلين، عبّر عنها بشكل ملموس من خلال رفضه السفر الى فرنسا لمتابعة دراسته " أن نحلم بترف العيش، معناه إعلان الثورة ضد المترفين من الفلاحين القدامى" ص:18 ، وهي بداية تحول جذري في النظر إلى الواقع بفعل التحولات الاجتماعية، والاقتصادية الجديدة في مغرب الاستقلال. يقول السارد " أصبح المزارع البئيس واحدا من الأعيان، في منظر مقرف يدخن غليونه المستعار" ص 18
هذا الطرح بقدر ما يعكس الموقف الذاتي ستؤطره نظرة تشاؤمية من الحياة، والحب، بسبب الانكسارات التي أضحى يعيشها البطل إلى درجة إعلان استسلامه في إحدى اللحظات، إذ يقول السارد" لا بأس أن أكون واحدا من المعذبين على أرض هذا الوطن وفي ذات اللحظة " ص: 23، لكنه استسلام يبرز تضحية من أجل مصلحة وطن محلول به، ما دام الآخرون ينظرون إليه نظرة مغايرة " سيبقى الوطن في عيونهم شكلا للخديعة التي تؤسس لخرائط جديدة من الكلام والسياسة، وهذه الاغاني العارية" ص 25
ولعل هذا الطرح شكل مواقف ستتناسل داخل الرواية إزاء العديد من فئاته حول مفاهيم من قبيل الرجولة، والتخنث كمواقف متمردة من خلال حوار مع عزة يقول" لم أعد اعرف ابدا اني تغيرت بهذا الشكل، وتحول ما بداخلي إلى أشلاء، واحزان إلا وانا واقف وجها لوجه مع عوالمك الزائفة " 44. وهو حوار سيكشف من بين طياته عن الموقف من الحرية، والعبودية، والرجولة " وهل الحرية في أن يصبح المرء أنثى متمردا على حق الطبيعة في أن يكون رجلا" ص: 46، كما برز الموقف من المثقفين الجدد وخيانتهم" من يخونون هم المثقفون الجدد من قراء الجرائد بالتقسيط الذين يناقشون أزمة الوطن عبر شبكة الكلمات المتقاطعة " 87. كما ناقشت الرواية أشكال الهوية والانتماء، من خلال تمسك البطل "بريفيته " في غمرة التمسك بأعطاف وطن لم يمنحه شيئا. وهو موقف يمكن أن نستشفه من خلال حديثه عن السيدة " باريز" باعتبارها المنقد له من الجوع بحكم اشتغال والده كمهاجر بإحدى مناطق الجنوب الفرنسي " السيدة " باريز" هي التي ساعدتني على أن أتبين الفروق الشاسعة بين عذابات الجوع، وخيارات الشبع " ص 55 ، في اشارة الى الحرية كذلك في مقابل التدثر بعبارة العبودية التي تسكن الذات، باعتبار العبيد في بلده متحدون على الخنوع لا ضد الأسياد، وإنما ضد رغبتهم في التحرر. وهو ما جعل تكريس النظرة الدونية إلى الذات لدى بطل الرواية واقعا محتوما " انا مجرد جزء من القطيع المتضرر، انا لا أملك شيئا " 75
ومن بين المفارقات الكبرى التي تشيدها الرواية، هي المواقف السلبية لبطلها إزاء التفاوت الاجتماعي من خلال حواره مع أحد الشخوص الثانويين " المسافر"، حيث اعتبر الفئات المسحوقة أكثر دونية من الحيوان " إنهم لا يحركون ساكنا، حتى الحمير لا تستطيع أن تتجاوز الإساءة اليها، قد ترميك في أول حفرة، أو منحدر يصاف طريقها " ص 81
وهو الموقف الذي أبدى إزاءه المسافر استغرابه الكبير " كان عليه أن يقف ضدي انا لأنه على يقين بأني اسرقه" ص: 82 ، وهو ما يضعنا أمام مواقف غريبة، وأمام فظاعة الواقع العام بالبلاد، ومن فئاته الصامتة التي اعتبرها " بلا ذاكرة، وبلا غد، انهم قطيع من العبيد المقنعين " 82
3) فشل المنظومة التعليمية
تنقل رواية الغريب للروائي المغربي صلاح أنياكي أيوب صور قاتمة عن الواقع التعليمي بالمغرب، من خلال رصدها للفظاعة من رحم الفصول الدراسية بدء بشخص المعلم المدمن على القمار، والتحرش بالفتيات الصغيرات يقول عنه السارد" وحين يصل إلى مقعدها الأخير، يضع يده الكبيرة ما بين كتفيها والنهد الصغير" ص 89 ، وهو يطلب منها أن تعطيه أرقاما لأنها تجلب له الحظ. تصرف كان يثير بعض المتلصصين من الأطفال الذين كانوا يواجهون بعنف كبير من طرف المعلم. يقول السارد عن أحد المتعلمين المعنفين " وما أن ظهر للأطفال المترقبين، بدا منفعلا كمن يستجمع رجولته الصغيرة أمام أقرانه غير عابئ بما فعلته يد المربي بقفاه" ص 90 . إن الرسالة التربوية والتعليمية حسب بطل الرواية ( الغريب ) أضحت خالية من نبلها، وشرفها، وهو يعقد مقارنة بين مربي الامس، واليوم. هذا الأخير الذي أصبح القمار إلى بعض زملائه" أحب إليهم من تقليب صفحات كتاب" 91، لكون معلم اليوم " لم يعد من همه أن يبني العقل، ويملأ الفراغات بالأفكار ( لكونه منشغلا ) بهم آخر، وطموحات أخرى " ص 93 . وهو ما يدخلهم في دائرة العبيد الجدد المقنعين... ومن فئة تمارس الخديعة، وقد عبر البطل عن ذلك متحسرا " تفاجئك الأدخنة في كل الزوايا حيث الكتب، والاقلام تحترق لتدفئ أجساد العراة في بلدي " ص 94
4) الكتابة وآليات الاشتغال داخل الرواية
تميزت الرواية بتعدد اشتغالها المتنوع، وبثراء على مستوى التوظيف، والتضمين، والبناء، وارتكاز على الحوا، والمونولوغ، والنفس الشعري. والاشتغال الميتاسردي، والفلاش باك ضمن حكي استرجاعي وظف كذلك المشهد المسرحي... تعدد انتصر للكتابة السيرذاتية وللكتابة الروائية أولا وأخيرا .
فالحوار بقدر ما عمل على اختزال مساحات من السرد المسترسل، مكن من تقديم مواقف بطل الرواية، واحاسيسه الداخلية، سواء عبر الأسئلة الموجهة لذاته، أو من خلال نقاشاته مع شخوص آخرين داخل نسيج روائي تميز بالسلاسة، والاقتصاد في الحكي، عبر توظيف جمل قصيرة لنتأمل هذه القرينة السردية مثلا :
- لا هذه هي قناعتي اليوم...!
- هو العبث إذن!
- أين وجه الغرابة في أن نعيش لحظة عبث وحيدة في حياتنا الطويلة والمملة هذه؟ " ص 19. وكذلك في ص20 ، حيث يضيف السارد على لسان بطل الرواية الغريب " دائما تحيرني هذه الاحاسيس، فأسائلني كيف تتغير المرأة المفعمة بالمرح، والثورة في لحظات خاطفة وهي على كرسي المقهى البحري، أو بين زوايا الدروب الضيقة (... ) بهذا الشكل يا أنت يتسرب العبث إلى حياتك دون أن تدري". وستجد المواقف العبثية في حياة البطل أكثر غرابة كلما نزح نحو مقارنة ظروفه الحياتية، بالمواقف العامة وتناقضاتها الغريبة سواء حيال القضايا العاطفية أو المواقف الإنسانية الحرجة كالجوع مثلا. بيد أن بعض الحوارات الطويلة ، والاستطرادات، تجعل معالم الخيط السردي ينفلت نوعا ما، وتبهت صورة الشخص المخاطب داخل النص، لو لا بعض الإشارات الطفيفة التي تعيد الحوار إلى سكته الأصلية كما حدث أثناء حوار الغريب مع عزة في ص40 ، حيث تم تكسيره بالحديث عن الأم، بعد ذلك يتم استئنافه من جديد بجملة كانت الوحيدة التي تذكر المتلقي بكونه إزاء محاورة بين شخصين إلى حدود الصفحة 48 " فما أن لامس عرقك اليوم طراوة جسدي تأكدت من أن شيئا ما بداخلك قد انكسر". في حين يبرز تضمين الخطابات والرسائل كتقنية للحديث عن شخوص غادروا صلب الحكاية، ليتم استرجاعاهم، إما بالحديث عنهم، أو بالارتكاز على تضمين خطابات متبادلة، تعيدها لدائرة الحكي الرئيسية بالقوة، ضمانا لاستمرارية تأثيرهم في الأحداث، بل ولتوجيهها من جديد وفق مسار مرغوب فيه، وهو ما نستشفه مثلا من خلال مقتطف من رسالة المرأة التي تخلت عنه فجأة ( فتاة الجبل السمراء) والتي تعبر من خلالها عن ظروفها الحياتية، ووحدتها الكبيرة، وأسباب عدم التزامها معه "
." صدقني أنا أمر بأحرج وأضيف أيام حياتي " ص 20 وهو الموقف الذي سيرد عليه الغريب باستياء عميق معتبرا تصرفها عبثيا، وهي تتزوج برجل آخر، ما جعله يعتبر العشق " ليس هو تلك الخطابات المزينة برسومات الأطفال.. العشق هو التوحد داخل جسد وحيد، مهما تباعدت المسافات.. وغفت أحيانا الجفون " ص 22 ، وهو نفس الخطاب الذي تعبر فيه عن مشاعرها اتجاه الوطن " لقد قررت طواعية الرحيل في اتجاه أوربا، فلم يعد يربطني بهذا الوطن أي خيط مهما كان " ص 107
هذا التوظيف سيبرز كذلك من خلال الرسالة التي تلقاها من ( مارية ) على حين غرة، رسالة متضمنة لمجموعة من الاعترافات من قبيل " أريدك أن تحبني أكثر من مساحات الكراهية التي ملأت من حولي كل تفاصيل دنياي، كنت أريدك أن تحبني بشكل مختلف يوازي الموت أن استطعت إليه سبيلا، وأن تتعلق بي أكثر. وأن لا يتوقف زحفك باتجاهي حتى لو كان مدمرا " ص 60. إن الخطابات المتبادلة ضمنت بمقتطفاتها للمتن الروائي استمرارية، وحافظت على الخط السردي بصفة عامة، كما أنها اتخذت أحيانا ملمح حوار مسرحي نظرا لقصرها، وتواثرها، واسترسالها، وامتداداتها على صفحات بعينها، ما جعلها أشبه بكتابة سيناريستية أحينا أخرى، خصوصا في المحكية الأولى( الفصل الاول) وهي تبرز مواقف الشخوص من الحياة، والتفاوت الطبقي، والحب، والخيانة، والحرية، والثورة... والوطن. وقد بصمت ملامحها بنوع من السخط، وهو ما يعكس طبيعة اللحظة المعيشة والاوضاع القاتمة بالبلاد في مرحلة مفعمة بالتحول، وظهور بوادر لموجات سخط صامتة، واحتجاجات وسط الشباب ( فئة يمثلها الغريب ) مطالبة بالعدالة الاجتماعية بالمقارنة مع فئة أخرى ارتكنت للخنوع والصمت وهي التي تمثل الاغلبية ( العبيد )، وانتقاد شريحة طفيلية استفادت من التحولات المفاجئة "( الاقطاعيون الجدد ) .
إن آليات الاشتغال داخل الرواية بقدر ما افرزت ثراء، أبرزت تنوعا، وبالتالي انتقاء دالا يليق سواء من حيث حدة اللهجة، أو النبرة، والوثيرة حسب المواقف، وهو ما سيكشف عن لغة شاعرية مائزة في بعض المقاطع، التي اقترنت بمطلب الحرية أو الحديث عنها إما نتيجة للصدمة، أو عن طريق الصدفة كما حدث إبان دراسة الغريب في الفترة الاعدادية مع قصيدة " وادي العبيد "، وهو ما جعل القصيدة ذاتها تضحى رهانا آخر يحمي قناعاته من الزيف والخيانة". لقد كان الشعر اتجاهي الرائع، حيث مساحات الزهور تنمو بعيدا عن الزمن وتكبر " ص 28. كما تبرز بعض المقاطع اشتغالا مختلفا سواء على مستوى جمال أسلوبها، أو دقة معانيها، أو تداعي صورها الشعرية المائزة. صور بقدر ما تعددت داخل الرواية، كشفت عن نفسها الشعري المندس بين طيات قتامة، ومرارة. يقول السارد " ص 84" في المحكية الثالثة " وبين كل هؤلاء العبيد واللصوص يبقى زهر البرتقال في بلدي وحده يثير حبات الندى، وحده من ترافقه ملكات النحل، ووحده من يضاجع الفجر لأجل ألا يموت في الظلمة وحيدا، إنه يسارع الزمن لأجل أن يولد الربيع الطلق من جديد "
في حين سنلمس أن لحضور الأنا داخل الرواية إفرازا لكتابة سير ذاتية بارزة المعالم رغم محاولة تدثيرها في الفصول الأخرى، تشكلت عبر الحفر العميق بأسئلة ذاتية حول مسار حياتي، سيعمل فيه على اعادة النظر في الكثير من آرائه، وقراراته السابقة اتجاه كل الأشياء الصغيرة التي شكلت فيما مضى فرحه الريفي البسيط، يقول السارد" هكذا اريد لنا كتابة سيرتنا تارة بلون الورد الذي لم نستمتع بقدومه وتارة بلون الفجر، ما أن سكن الخوف دواخلنا قبل الأوان " ص 45 . كما لم يفت الكاتب من خلال سارده توجيه خطاب مباشر للقارئ ضمن اشتغال ميتاسردي واضح المعالم " لست أدري يا قارئ المستقبل " ص58 ، وقد جاء ذلك في سياق حديثه عن العبودية " إن العبودية كالأفيون تماما، إذ ما بين المتعة والألم يفقد المرء توازنه ليتعالى في اتجاه جاذبية الحلم " ص58. إلى جانب هذا الاشتغال، يبرز الحكي الاسترجاعي من خلال ردوده وتعليقاته على بعض الخطابات، كرسالة مارية التي كشفت عزلتها ووحدتها وقد كان رد الغريب مباشرا للقارئ " منذ وعيت فداحة اختياري، وحجم ما كنت قد تسببت فيه ( لمارية ) آنذاك، بدأ يصيبني قلق خفي بأن لعنة هذه المرأة ستظل تطاردني... كلما مررت بمحاذاة سرب حمام، أتذكر الموعد المعقود منذ سنين مضت، والرسالة التي ظلت تنتظر ردا منذ أعوام خلت" ص61.
سيتم توظيف المشهد المسرحي في المحكية الثالثة ص88 حيث جاء على لسان البطل " وانا أمشي وحيدا، خلصت بأسى عميق إنني لم أعد أصلح لفعل أي شيء مهما كان بسيطا، لقد انهار السقف وما حمل على رؤوسنا جميعا، وانتهينا عرائس من قش وقصب يابس ترقصها متى شاءت أصابع اللصوص وتصفيقات العبيد "
5) شخوص الرواية بين الإحالة والدلالة
تقدم الرواية داخل رحمها صور مجموعة من الشخوص منها المؤثرة، المحايدة، والفاعلة والثانوية، كلها ساهمت في توثر الأحداث، وتأثيث معالم فضاءاتها، سواء عبر التواجد ضمن السياق الحدثي، أو عبر الاستحضار عن طريق الاسترجاع والفلاش باك كمحكي عنها. كما في المحكية الأولى " الخالة وزوجها، عزة، ريحانة، شخوص الجامعة ليلى ومليكة، الأم " في حين يتم الحديث عن أصدقاء الدراسة، وفتاة الجبل، و ( بالا) ومرزوق، وأبو شنب، وعبد الغني، ومصطفى، في المحكيات الأخرى ". سيتم الحديث عن" ليلى " أستاذة الأدب الفرنسي، وهي امرأة ذات وجه جبلي، صوفية الهوى تتحول محكيتها إلى عشق أسمر، يكشف عن المغامرة، والخيانات التي تستمد بيانات الصفح من بارود الحب.. " وهي تقرأ رواية ستندال ( الأحمر والاسود )، ويصف السارد تحول الرواية " إلى ما يشبه الكراس المقدس بين أصابعها المخمورة، حيث يتحول الانتشاء إلى ما يشبه الوجد الصوفي في تقلباته وتماهيه "ص 9. أما مليكة الطالبة بقسم الأدب العربي الفتاة الاسيفية ( الجزائرية الأصل)، فهي مناضلة تبدو بوجهها الصغير وبهيأتها النحيلة كطفلة صغيرة لا مكان " لها على وجه الأرض إلا بين زوايا حلقة الطلاب وطقوسهم الثائرة، كانت لا تهاب صوت النشاز " ص 10. في حين تبرز "الخالة " كسيدة منقدة للغريب، وسببا في ارتحاله من القرية نحو المدينة إبان دهشته الأولى، ليعيش رفقتها، وزوجها السي أحمد، داخل غرفة بأحد البيوت بأبي الجعد. ومن خلالها سيتعرف على معالم المدينة، ونسائها، وسكانها البسطاء.
أما عزة، فبرزت كصوت مهيمن داخل الرواية لها مواقفها، وآراؤها الراقية، لقدرتها على التواصل الندي مع البطل أحيانا، وقد امتدحها هذا الأخير بقوله " انت تتمتعين بسعة أفق يكاد أحيانا يتحول إلى امتداد للتجلي، والرؤيا، في العديد من المرات يتفوق على إشراقات قطيع واسع من الرجال" ص30 ، كما ان علاقته بها، هي علاقة حب وإعجاب. لقد عملت عزة طوال حضورها، في بعض فصول الرواية على تكسير صمت الغريب، أو دحض ادعاءاته، ومواقفه القاتمة اتجاه الوضع القائم، غير أنها ستنسحب فجأة من حياته، وهو الأمر الذي تأسف له كثيرا " لم أكن أعلم أنها خططت لتنمح جسدها بعيدا عني، دفء آخر بين ثلج أوربا، وملاهيها المضاءة بأنوار الشرق " . بعدما استطاعت أن تنزع جزء منه عن طواعية بعد مجاسدة أعدت لها مسبقا، حسب شروطها لتكون ثمرة مستقبلية ( ريحانة )، التي يقول في غنج عنها الغريب " ربما كنت قد سمعت أولى صيحات ( ريحانة ) وهي تبصر النور.. وهي تجري لأول مرة " 38. ستعود هذه الشخصية إلى واجهة الأحداث من جديد، في المحكية الثانية، بعد وفاة أم الغريب، حسب ما نستخلصه من إحدى القرائن السردية " لقد عادت في الزمن الخطأ، فعاد الحب الأول ليقف بين محطتي الزواج والرحيل " ص 65.
فعودة عزة حسب السارد هي عودة للألم، والدمار من جديد لكون لقائه بها سيتم بعد زواجه " لأول مرة لا أريد أن اعترف بشيء يخص حياتي، لا أريد أن يعرف أحد اني أحب أم الأولاد بنفس القدر الذي أحببت فيه ( عزة )، و ( س ) ، و( مارية ) وبنت( الجبل ) " ص 96
في حين ستبرز الأم في المحكية الأولى من خلال الحوار الذي فتحه معها "
- أتدري يا ولدي أن الذين... جدارات المنافي ........ ( ..) ، انتظروا على كل الأرصفة الضيقة أسراب الحمائم ليعلنوا بداية موسم القنص" ص 43، وهو الحوار الذي سنلمس انه غير شيئا ما بداخل الغريب، وقد برز ذلك من خلال السؤال الذي طرحه على نفسه بعد ذلك " هل تغيرت فعلا ؟" ص 44، لنلمس حيثيات هذا السؤال، وجوابه من خلال محاولته سبر اغوار أعماقه، بإعادة النظر في مسار حياته، وتفقد سعادته تجاه كل الأشياء التي كان يعتبرها صغيرة، لكنها كانت فيما مضى تشكل بعضا من جزيئات فرحه الريفي البسيط. كما ستبدأ المحكية الثانية بالخبر المفجع عن وفاتها ( الام)، حيث يقول الغريب " كما تختفي أعز الذكريات، اختفت (... ) كما يختفي من أعلى خيالك وميض قبلة صباحية " ص 6
وقد شكلت الأم داخل الرواية رغم عدم ظهورها بشكل بارز ضمن أحداث الرواية مثلا لكل الاحلام الجميلة في حياة البطل، ومن أجلها سيفكر ثانية في تحقيق أمنيتها بالزواج " لأجل التي رحلت في إحدى ليالي صيف مختلف، تلك التي كانت امي في لحظات الحضور والغياب، لأجلها، كنت أسابق الزمن لعناق امرأة ستظل نصفي الاخر" ص 66.
وكما حدث مع عزة من فشل في الحب، سنلمس نفس الفشل مع " فتاة الجبل " الفتاة السمراء، من خلال مواقفه المشوبة بتردد وحيرة، ما جعله يتحامل على نفسه إزاءها، وظلت خطاباتها ترد عليه بعد تحررها من زوجها كما جاء في إحدى الرسائل ص108 ، لكن أخبارها ستقطع عنه من جديد، وهو ما دفعه إلى النبش في رسائله القديمة اليها، وإعادة قراءتها " ما ورد في ص 110 . إن فتاة الجبل شكلت هي الاخرى بموافقها الصريحة، والصارمة، ازاء الرجل العربي وخيانته عموما صدمة اخرى للبطل، لكنها أعادت له بعضا من توازنه، خصوصا نظرته إلى النساء، والصداقات..، جاء في إحدى الرسائل " انه لا يروم شجرة التوت إلا حين تنضج ثمارها " ص110 .
bella
ستبرز هذه الشخصية، كبائعة هوى داخل الرواية حسب ما نستخلصه من حوارها مع الغريب حول إشكال العلاقة المتضاربة بين لذة الجسد، ومفهوم الحب، وبين الإدمان، والعاطفة، وتمردها على ميكانيكية العلاقة الجسدية، تعكس تناقض شخصيتها بالمقارنة مع واقعية الغريب الذي تنازل إرضاء لها بالإكراه يقول السارد " لا عليك سأحاول أن ارتجل بعض اللحظات العاشقة، انا متأكد أنني لن أفلح في مسعاي.. لعلمك انا أسوأ الممثلين، ص11 " وهو ما شكل نوعا من المواجهة الكاشفة عن عمق الانهزام بالنسبة للبطل الذي دخل مغامرة غير محمودة العواقب، في توقيت سيء جدا. ونلمس وجاهة هذا الطرح من خلال بوحه الشفيف إزاء جسدها " جسد يعبر كل أقاليم التيه، ومرافئ التعقل، هذا السواد الآسر، كان كافيا ليخلص مدارات امرأة قادرة على أن تفلت من بين اليدين في عنفوان زهر البرتقال. .. انا المصلوب على هيكلها الأسمر " 120ص. كما بدت مواقف هذه الشخصية أكثر شاعرية حول الحب، والجنس، وأكثر معرفة بفلسفة الجسد، ولغاته، واحتياجاته، واغراءاته التي لا تقاوم وهي تخاطب الغريب " يكفي أن تعلم للمرة الأخيرة، أن بين الحب والجنس خيط رفيع لا يستطيع الإنسان العادي مثلك أن يتميزه، إنهما يشكلان مدار واحدا يصبح متعددا أحيانا "ص 122 ، وهي المواقف كذلك التي ستحول نسبيا منظور الغريب، ومسار حياته " لقد وهبتني الرغبة في أن أحيا من جديد، وفي أن انتظر المرأة(.. ) من جديد " ص 123. ولعل هذا ما جعل حضورها داخل المتن الروائي اشارة الى الحضور المشرف المفعم بالحرأة، والحياة، والحرية، والرغبة الجنسية التي ظلت مقموعة الى حدود قصوى لدى البطل.
6) صورة الغريب داخل الرواية
يبرز الغريب داخل الرواية كشخص محوري، معتز ببداوته التي ابى أن يتحرر منها رغم نزوحه نحو المدينة ( ابي الحعد) التي تسكنه حد النخاع، فمن أجلها رفض متابعة دراسته بالخارج، كما أن علاقاته المتشابكة مع الشخوص الآخرين، ومواقفه ظلت جد متصلبة، وفي نفس الوقت غير مستقرة كذلك. لقد وجه لنفسه العديد من الانتقادات، كما وجهت له من طرف شخوص آخرين نظرا لتركيبته النفسية، ونظرته السوداوية للواقع " أصبحت تكتب بالأسود كل فصول الحكاية، كل الحكايات التي أصبحت تكتبها سوداء كآخر أحلامك المتعفنة نحو المجهول " ص 21. وهي نظرة انعكست على مواقفه اتجاه وطنه كذلك لحظة إحساس " بالحكرة" " هكذا بدأنا نبني وطننا داخل حدود وطننا الأصلي، وطن بلون البحر، وقهره، بلون الموت حين يصير وجها للعبث المقزز " ص 24 . وهي مواقف ستتكرر بسبب تذمره كذلك إزاء الحب " ملعون هذا الحب الذي قيد معصم العزم بوهم الحب، والخرافة " ص 17. إلى جانب مواقفه من العبودية، ومن العبيد ( الفئة الصامتة )، من المجتمع " إن العبيد ولحسن حظ الأسياد متحدون على الخنوع " ص 75 . فالمجتمع يتكون في نظره الخاص فقط من فئتين، فئة " لم ار طيلة حياتي غير اللصوص والعبيد، فلا ثالث لهما " ص 79. كما يبدو له الواقع مجرد مشهد مسرحي أو مسرحية " تكاد تعاد للمرة الألف، يبرز فيها اللصوص بربط عنق أمام الأضواء ..." في حين يعتبر العبيد من أصحاب الأدوار الدرامية بامتياز " ص 87
-7) الطقوس والاهازيج المميزة لهوية ابي الجعد من خلال رواية الغرباء
يتم توظيف بعض ملامح الثراء المحلي الدال على الهوية، والخصوصية المحلية كمكون من مكونات الهوية الثقافية المغربية، من خلال الإشارة الدالة إلى رقصة " عبيدات الرما" وموسيقاها، وايقاعاتها، ورقصاتها الموغلة دلاليا بعمق في تاريخ الوطن. بحيث يسوق السارد بعضا من دلالات الجسد أثناء الرقص بحيث يتحول" الجسد الصلب، الى غصن راقص، وأشتات من عجين هلامي يتمدد في اشتعال وينقبض " ص 111. وهي رقصة ستفتح عيني البطل على جذوره الموغلة في تربة البادية " لم أكن أعلم أن هؤلاء من طين الأرض التي أوجدتني، ذات تاريخ (... ) هم معجونون من خليط التربة والحصى، وماء البئر " ص111. كما سيقدم منظوره الخاص للرقصة ودلالتها، باعتبارها " صورة لوجع الفلاحين، وصوت العبيد( وهي رقصة مسكونة ) بقلق الرؤيا، وإشراق التجلي " ص 112،
كما سيتم الحفر في الحياة الخاصة لممارسي تلك الطقوس بالكشف عن بساطتهم ، وعقليتهم ، ونفسيتهم ، وكذلك تقديم وقائع حية من سلوكهم اليومي " كنت أقف مندهشا ، وهم يستبشرون بأول العطايا التي تقدم لهم في نهاية كل طقس غنائي ، وهم يغوصون في المطلق عبر ايحاءات راقصة" 112 . ولعل دلالة الرقصات بقدر ماهي ممارسة فنية، وشكل تعبيري، هي أقرب لوجع كبير، وحفظ لذاكرة الصراع بين الفلاحين، والمستبدين من رموز النظام، ورجال المخزن، حفظتها طقوس وعادات وتقاليد فن عبيدات الرما، كما حفظ فن العيطة فصولا من تاريخ البادية المغربية كما في رائعة " خربوشة" وغيرها من الفنون والرقصات " كاحيدوس، واحواش، وكناوة ...
نخلص في الأخير، أن رواية الغرباء تمكنت من توظيف كم هائل من التقنيات منها الواضحة المعالم، ومنها الضمنية لبناء عالمها، الذي قدم صورا قاتمة عن واقع مغرب الثمانينيات من القرن الماضي، لتظل شهادة حية على الفظاعة، وعلى مرحلة التحولات الجارفة القاتلة. التي لانزال نعيش بعضا من تداعياتها إلى اليوم.

حميد ركاطة