خربشات نجمة بنت طالبي
بدايات خلق و إبداع تتراسخ بالممارسات و التّجارب و زيادة ثقافة الوعي و العرفان

بقلم: حسين أحمد سليم

تكتب نجمة بنت طالبي كلمات خواطرها و نصوصها، كما يحلو لها أن تسمّيها و تذهب بعيدًا في توصيفها " خربشات "... نثريّة النّسق ذات طابع فنّي التّشكيل، تميل في بعضها نغماتها المتناسق إلى الشّاعريّة، فيما البعض منها يتماسّ تلامسًا لطيفًا مع فنون الشّعر، و كأنّها فيما حملت بوجدانها، معالم البوح في جرأة كتاباتها، شاءت محاكاة توكيد شخصيّتها الإنسانيّة، و هي تمتطي على صهوات أجنحة محارف الكلمات، لتنسج منها في البعد الآخر ما ترتاح له نفسيّتها و يطمئن له قلبها، و هي تمارس حركات أفعال الإجتهاد في خلق فقهيّة مستحدثة لها خصوصيّتها، ترسم و تشكّل من خلالها لوحة مشهدّيّتها، كنجمة بنت طالبي، التي يتراءى لها بين اليقظة و الغفوة تلك الحقيقة المجلوّة و التي تراود وجدانها، و هي تتأبّط قيثارها ذات الوتر الأوحد، لتعزف موسقاتها ذات الإيقاعيّة الخاصّة، بترانيم أنثويّة نسائيّة لها حنينها الخاصّ، و لها وقعها الذي يرود جلاء الأسماع، ليصل إلى جلاء النّفس، فإذا بالعقل يتقلبن منتعشًا بالحنين لأنثى كاتبة أتت كما غيرها من رحم أمّها، إنّما لها ميزتها الإبداعيّة، بحيث تجتهد بقلبنة عقلها حينًا، لتتجرّأ بالبوح بما يعتلج في طواياها، تشكّل من سيّالاته بعض ما تطمئن له ذاتيّتها، فتأتي كتاباتها على شاكلة خواطر قصيرة، تفوح من محارفها و كلماتها و جملها و تشكيلاتها روائح الطّيب، تتجسّد في ضوع و شذي رحيق نصوص نثريّة تحاكي الإيقاعات الشّعريّة في سبكها و صبّ بعض قوالبها...
دائما تسعى نجمة بنت طالبي في ما حملت وجدانها على ريادته في البعد الخيالي، تحريضا آخر ليتتناهى لها خفق السّيّالات من المدى، و كأنّها الرّذاذ يتهادى حنينا من الفضاءات العلا، ليروي عطش الأرض الظّمأى، التّوّاقة للماء الذي جعل الحقّ منه كلّ شيء حيّ... فتراها ترتدي قناع خفاياها في غفلة من ضحكات بكائها، لترسم على نسائجه وشائج نفسها و إبتساماتها، و هي تشكّل الحقيقة التي عنها تبحث و لو بمجرّد رمز من علامة, تخطّ عناصره قناعة واثقة من نفسها بومض أو قبس من وسامة... محاولة في كلّ ما جنحت إليه على ذِمّة الأقدار، أن تقنع من حولها بفرحها و سرورها و حبورها و إطمئنانها، وهي تخفي جراحاتها النّازفة و عذاباتها التي منها تتضوّر، و ما يعاني منه قلبها الباكي الصّامت، المليء طافحًا بالأسرار، و الذي أرهقته الأوجاع و حطّمته الأقدار... لكنّها أبدًا لم و لن و لا تشعر بضعفها البشريّ، أمام قهر الأيّام و تعاظم المعوقات بوجهها، لأنّها تحمل في روحها إيمان يكتنز بمعالم الصّفاء و النّقاء في كلّ ما به تبوح جرأة و تكتب...
المتتبّع بوعي و المتفحّص بعرفان، لكتابات نجمة بنت طالبي المنشورة في صفحتيها الطّافحتين بخواطرها القصيرة، عبر برمجيات التّواصل الإجتماعي الفيسبوكيّة بالشّبكة العالميّة العنكبوتيّة للمعلومات " الأنترنت "، يستطيع أن يسبر أغوارها بشيء من الخبرة، ليستكشف أنّنجمة بنت طالبي، تحمل ذاتيّتها على الهيام في الأبعاد الممتدّة، و كأنّها تتمثّل الفراشات و العصافير و الأنسام، تحاول أن تقطف من كلّ معلم ماورائيّ ومضةً، و تلتقط من كلّ بارقة في البعد الآخر قبسًا، تعكف في مخزون طواياها الإنسانيّة و بوعيها الباطني و عرفانها الذّاتيّ، على تشكيل رؤاها بعد معالجتها حينًا أو تجاوز معالجتها أحيانًا، لترسم و تُشكّل لوحاتها بأنساق مستحدثة، تغرقها طيبة نفس و قلبٍ برموز معيّنة، و تُلبسها ديثاراتًا و أوشحةً من أوشحتها التّقليديّة التّراثيّة في مجتمع بيئتها، تتماهى بمسحاتٍ من فلسفة تجريديّة أو سرياليّة أو إنطباعيّة أو واقعيّة أو كلاسّيكيّة أو تحمل أسلبة الحداثة العصريّة، فإذا بها تتلامس كتاباتها على تناسقها أو إختلافها، و تتماذج بألوان تتكامل في سياقاتها حينًا و تتنافر في تزاوجها حينًا آخر، و يتوالد فيما بينها المتنافر ما يقارب بين تنافرها، لتعكس مشهديّات جماليّة لافتة لا تلتقطها إلاّ العيون الرّافلة بالجمال في حداقاتها، و لا تعي فقهيّة أبعاد أسرارها إلاّ العقول المُتفكّرة بطوايا رحمة الله و مودّته لها...
تجارب نجمة بنت طالبي الكتابيّة المتنوّعة، و التي شاءت لها أن تتفتّق من زاوية الخواطر القصيرة، النّثريّة بفنونها و الشّاعريّة بموازينها، توزّعت على لوحات تحمل مشهديّات من الوصف المُسهب حينًا و المُختصر حينًا آخر، و لجت في تشكيلها الكاتبة من كوى الرّؤى المعيشيّة و الحياتيّة، و الأساليب الشّعبيّة السّائدة في حركات أفعال تعامل و تواصل النّاس فيما بينهم، و صولاً إلى رؤى فعل النّقد الإجتماعي، و حيًا و إلهامًا و إستقراءً من واقع المجتمع البيئي الذي تعيشه، بكلّ موروثاته و تقاليده و أعرافه و قناعاته و تطلّعاته... هذا و لم تغفل الكاتبة ولوج فنون الغزل اللطيف و الخفيف و الملتزم في نصوصها، تماشيًا مع أخلاقيات و مناقبيات و نظم البيئة المحافظة... و كذلك كان للكاتبة بعض الكتابات التي تناولت جوانب من الفلسفة المبسّطة و أخرى من الحكمة و البعض من الصّوفيّة و بعض الكتابات الحواريّة... و الكثير من الكتابات المتنوّعة التي تنضع بالمودّة و الرّحمة لتتفرّع نضارة بالحبّ الأقدس و العشق الأطهر، إضافة لبعض الكتابات الوطنيّة التي تنمّ عن مدى حبّها لوطنها الجزائر و تعلّقها بهويّتها العربيّة، و التي ساهمت بنشرها لأصدقائها و متتبّعيها، بحيث تجلّت في بعضها و أبدعت، و تستوجب بعضها كتاباة حروفها بماء من ذهب و ليس بحروف ضوئيّة، فيما البعض منها كان يتطلّب التّريّث بنشره، لمراجعته و تنقيحه و تعديله ليأتي أكثر جماليّة في حبكته الفنّيّة و أسلبته الإبداعيّة...
مجمل كتابات نجمة بنت طالبي، يغلب عليها الطّابع القصصي اللافت، و التي إستقته الكاتبة من مجريات الأحداث التي تحدث في مجتمع بيئتها أو مجتمعات أخرى متقاربة مكانًا و زمانًا و تقاليدًا و أعرافًا... و أستطيع أن أقول بكلّ جرأة و بوح شفيف و رأي تكليفي و مسؤول مشفوعًا بنبل في التّوصيف، أنّ ما قرأت من كتابات نجمة بنت طالبي، هو بدايات لافتة و تتّسم بمسحات من جماليات و أفكار و توصيفات، لمشروع كاتبة مستقبليّة، سيكون لها حضورها القوي فيما تحمل من بذور إبداع، و ملامح تجلّيات في مجالات الخواطر القصيرة و الأقاصيص المختصرة و الأقوال الحكميّة و غيرها ممّا يراود وجدانها، إن إلتفت إلى كيفيّة تفعيل أدواتها و تقنيّاتها، و واظبت على إثراء ثقافتها بكشكولات من الألوان الثّقافيّة التي تغني وعيها و عرفانها، و هي قادرة على حركات الأفعال لتحقيق ما تصبو إليه في المدى...
و من خربشات نجمة بنت طالبي إخترنا هذا النّموذج
سأسجنك داخل قلبي، و حارسك سيكون رمشي، فلا تراك إلاّ عيني، و لا أنت ترى غيري...
إن أعجبك قصري، سأزيدك قربي و ودّي، و إن خنتني، سأقلب وجهي...
لا أحب أن أفرض حبّي، فقط أن تحترم مشاعري...
فأنا أشبه النّمر في قوّتي، فلا تستهين أنت بقربي...
و إلا ستبكي الدّهر لبعدي، و سيرافقك طيفي أينما تمضي، و لن تستطيع نسيان إسمي...
خربشات نجمة بنت طالبي