قال ابن القيم :" لم يحك الله التطير إلا عن أعداء الرسل كما قالوا لرسلهم ( إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ) وكذلك حكى سبحانه عن قوم فرعون ( وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ )، وقال قوم صالح ( قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ ).

وإن دلّ ذلك فهو يدل دلالة واضحة بأنّ المتطيرين أناس فقدوا عقولهم ورشدهم لفقدهم الإيمان من قلوبهم ، والتطير في الإسلام حرام وقد يفضي إلى الشرك بالله تعالى، عن عبد اللَّهِ بن عَمْرٍو قال : قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( مَن رَدَّتْهُ الطِّيَرَةُ من حَاجَةٍ فَقَدْ أَشْرَكَ ).

والتطير هو التشاؤم بمرئيّ أو مسموع ، أو معلوم. كالتطير بسقوط الكأس واندلاق الماء أو سماع صوت الغراب أوالتشاؤم من بعض النّاس أو الأماكن أو الأوقات!

يقول العز بن عبد السلام : " التطير هو الظن السيء الذي في القلب , والطيرة هي الفعل المرتب على الظن السيء " ا.هـ

فأصحاب القلوب المريضة التي لا تؤمن بقضاء الله وقدره تجدها متشائمة تظن السوء بكل ما لا تهوى. وهي نفوس تستدعي الشفقة عليها والدعاء لها بالشفاء من هذه العاهة.

والبعض منهم يتجرأ مستندًا على نص شرعي بتأويله تأويلا خاطئا ، يحتجون بقوله تعالى في عذاب قوم عاد (( إنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ )) وّ (( فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ )) أنها أيام شؤم لا يصح الزواج فيها، ولا العمل ، ولا ممارسة أي نشاط !!

يقول ابن كثير: في يوم نحس ـ أي: عليهم، قاله الضحاك، وقتادة، والسدي مستمر عليهم نحسه ودماره، لأنه يوم اتصل فيه عذابهم الدنيوي بالأخروي.

وأهم ما يدل على بطلان مزاعمهم وأوهامهم قوله تعالى (( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ )) وروى مسلم بسنده عن مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ قَالَ : ((قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! أُمُورًا كُنَّا نَصْنَعُهَا فِي الجَاهِلِيَّةِ ؛ كُنَّا نَأْتِي الْكُهَّانَ ، قَالَ : فَلاَ تَأْتُوا الْكُهَّانَ . قُلْتُ : كُنَّا نَتَطَيَّرُ ، قَالَ : ذَاكَ شَيْءٌ يَجِدُهُ أَحَدُكُمْ فِي نَفْسِهِ فَلاَ يَصُدَّنَّكُمْ)).

يقول ابن القيَّم : ((قد يجعل اللَّه سبحانه تطيّر العبد وتشاؤمه سببًا لحلول المكروه به ، كما يجعل الثّقة والتوكّل عليه وإفراده بالخوف والرّجاء من أعظم الأسباب الَّتي يدفع به الشرّ المتطيّر به . وسرّ هذا أنّ الطِّيَرَة لما تضمّنت الشِّرك باللَّه تعالى ، والخوف من غيره ، وعدم التوكّل عليه ، والثّقة به كان صاحبها غرضًا لسهام الشرّ والبلاء ، فيتسرع نفوذها فيه ؛ لأنّه لم يتدرّع من التَّوحيد والتوكّل بجنّةٍ واقية ، وكلّ من خاف غير اللَّه سلّط عليه ، كما أنّ من أحبّ مع اللَّه غيره عذّب به ، ومن رجا مع اللَّه غيره خذل من جهته . وهذه أمور تجربتها تكفي عن أدلّتها )).

وأختم مقالي هذا بقصة فيها عبرة وعظة ..
خرج أحد الولاة لبعض مهماته فاستقبله رجل أعور فتطير به وأمر به إلى الحبس فلما رجع أمر بإطلاقه , فقال : سألتك بالله ما كان جرمي الذي حبستني لأجله ؟ فقال : تطيرت بك . فقال : فما أصبت في يومك برؤيتي ؟ فقال : لم ألق إلا خيرا . فقال : أيها الأمير أنا خرجت من منزلي فرأيتك فلقيت في يومي الشر والحبس , وأنت رأيتني فلقيت الخير والسرور فمن أشأمنا ؟ والطيرة بمن كانت ؟ فاستحيا منه الوالي ووصله

جمعي وترتيبي