التبجُّح المتعجرف: النظام السوري المحتال والصفقة الإيرانية!

بريت ستيفنز - صحيفة (وول ستريت جورنال) الأمريكية

أورينت نت | ترجمة: منصور العمري
يُحكى أن رئيساً أمريكياً يُدعى باراك أوباما اختار الدبلوماسية متعددة الأطراف بدلاً من العمل العسكري من أجل نزع أسلحة الدمار الشامل من نظام شرق أوسطي خطير، سخر النقاد حينها واحتدموا واعترضوا. وبدا أن هذه السياسة نجحت ولم يتبقّ إلا أن نجد أحداً ما ليعترف بفضل أوباما، أو هو ما كان الرئيس الأمريكي يتمنّاه.

أوباما المخدوع يتغنى بالصفقة!
صرح أوباما لصحفية نيويوركر الأمريكية في سبتمبر/أيلول 2013: " عليكم أن تتذكروا أن هذا حدث في نهاية فترتي الرئاسية" بأن يسلم بشار الأسد مخزونات أسلحة الدمار الشامل المخزونات لديه، "ويتضح أننا نحصل على جميع أسلحته الكيماوية، ولكن لا أحد يتحدث عن ذلك في الصحافة. "
لم يكن أوباما ومستشاريه من هلّلوا لأنفسهم وتغنوا بالصفقة مع سوريا وحسب، حيث قالت سوزان رايس في مايو/أيار 2014: " مع نزع 92.5 بالمئة من مخزون الأسد من الكيماوي حققت الولايات المتحدة أكثر مما لو قامت "بعدد من الغارات الجوية التي كان من الممكن تنفيذها". كما تفاخر جون كيري ببراعته الدبلوماسية في خطابه في مارس/آذار 2015: "عقدنا صفقة وتمكنّا من الحصول على جميع الأسلحة الكيماوية من سوريا في خضم الصراع." وقال أوباما مرة أخرى في مؤتمر صحفي في كامب ديفيد في مايو/أيار: "تخلى الأسد عن الأسلحة الكيماوية، وهذا ليس ادعاء من جانبنا، ففي الواقع تم تأكيد ذلك من قبل المنظمة الدولية التي تولّت أمر تدمير هذه الأسلحة ".
لاحظوا هذه التصريحات اليقينية والتبجح المتعجرف، ولكن انظروا الآن إلى الحقائق: "بعد سنة واحدة من احتفال الغرب بإزالة ترسانة سوريا الكيماوية باعتباره نجاح للسياسة الخارجية، خلصت وكالة الاستخبارات الأمريكية إلى أن النظام لم يتخلى عن الأسلحة الكيماوية كما كان من المفترض".
من خلال تقرير فضائحي تفصيلي نشره آدم إينتس ونفتالي بن ديفيد في 23 يوليو/حزيران، كشفا عن تفاصيل عملية نزع السلاح المخادعة في سوريا وهو ما ينبئ عن المكيدة التي سنقع فيها مع إيران.

التفتيش تبعاً لتوجيهات النظام السوري
لنبدأ مع الشروط الرسمية التي تم إجبار المفتشين على العمل من خلالها: تسمح سوريا للمفتشين بإمكانية الدخول إلى مواقع السلاح الكيماوي "المعلن عنها"، وكما هو متوقع من إيران أن تعطي مفتشي الأمم المتحدة حرية الوصول إلى المواقع المعلنة. أما بالنسبة للمواقع الأخرى غير المعلنة، يشترط على المفتشين طلب الدخول إليها بعد أن يقدموا دليلاً على شكوكهم، وإعطاء كثير من الوقت للنظام السوري للتحرك والاخفاء والخداع، وهو تشابه آخر مع اتفاق إيران.

ويعني الاتفاق أن المفتشين كانوا يتحركون دائماً تبعاً لشروط النظام، رغم تظاهر واشنطن بإملاء الشروط. كما أن الاعتبارات العملية ذهبت أبعد من ذلك "لأن النظام السوري كان مسؤولاً عن توفير الأمن للمفتشين، وكان له الصلاحية برفض تحركاتهم"، وذكر التقرير أيضاً أن أحد المفتشين قال: "قرر فريق التفتيش أنه لا يستطيع إثارة غضب المضيف (النظام السوري)، لأن ذلك سوف يفقدهم إمكانية الوصول إلى جميع المواقع."

وبعبارة أخرى، فإن الحاجة السياسية لموافقة الأسد على تسليم مخزونه الكيماوي اعتبرت مسبقاً أن النظام نزيه وذو مصداقية. ومما ساعد الأسد أن وكالة الاستخبارات المركزية كانت شريكاً غير مباشر له، حيث أعلن محللوها أن المخزون الذي أعلن عنه الأسد كان "مطابقاً لم كانوا يعتقدون أن النظام السوري يمتلكه". وكان محللو الاستخبارات في وزارة الدفاع أكثر تشككاً، لكن شكوكهم كانت أقل ملائمة للبيت الابيض حرصاً على ادعاء الانتصار، وبالتالي لم تعلن تلك الشكوك على نطاق واسع.

يمكن أن نتوقع ظهور نمط مماثل في أعقاب صفقة إيران، ستقدّم وكالات الاستخبارات الغربية تقاريراً متفاوتة لصانعي السياسات، ليتم اختيار أي منها وفقاً لتفضيلاتهم السياسية، وسوف تقوم طهران بالمخادعة بطرق غامضة ومتعددة، وستقوم الإدارة الأمريكية بالتقليل من شأن الانتهاكات للحفاظ على الاتفاق الكلي.
مع مرور الوقت، سيصبح الدفاع عن الصفقة جزءاً من محاولة تبريرها، كما في" على الأقل دمّرنا مخزونات سوريا المعلنة من الأسلحة الكيماوية أو: "على الأقل لدينا عيون على المواقع النووية المعلنة في إيران."

نظام الأسد أخفى مرافق الإنتاج الكيماوي في قاطرات شاحنة
ربما أكثر التفاصيل إثارة للاهتمام في تقرير آدم ونفتالي تتعلق بتعقيد البرنامج الكيماوي السوري، حيث كانت مرافق انتاج الأسلحة الكيماوية مخبأة في مقطورات شاحنة ذات 18 عجلة وهو بالضبط النوع الذي شاع أنه تم نقله إلى سوريا من العراق عام 2003. عبّر المفتشون عن إعجابهم بنوعية الذخائر سورية الصنع، وكان النظام قادراً بشكل متقن على إخفاء مرافق البحوث الكيماوية، حتى خلال زيارات ميدانية من قبل المفتشين.

تعترف وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية الآن أن سوريا تحتفظ بكميات كبيرة من الأسلحة الكيماوية الفتاكة، وعندما أعلن السيد أوباما صفقة سوريا، حذر من أنه سيستخدم القوة العسكرية في حال فشل الأسد في الوفاء بوعوده، كان التهديد أجوفاً حينها، ولكنه مضحك الآن، وما يربط خديعة النظام السوري بتلك الإيرانية هو عزم الرئيس الأمريكي على استحضار أوهام سياسية في الداخل الأمريكي على حساب الحقائق الاستراتيجية في الخارج، وهو ضعفه الواضح للجميع إلا لنفسه.