صراعنا داخلي و "دمقرطة" الإعلام، الثقافة و السياسة في الجزائر مطلب شرعي
"الاستبداد الإعلامي" في الجزائر و مقولة "الثقة في الوثيقة"
(السياسة و الثقافة في زمن "اللامبالاة" تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية نموذجا)


ربما أصبح قطاع الصحافة مشكلة يستحيل فهمها لأن القائمين عليه يتنكرون للصحفي ، لا لشيء إلا لأن هذا الأخير يستعمل في خطابه أسلوبا "اعتراضيا" كنوع من الثورة و التمرّد على فكرة "التبعية" و هي في الحقيقة إشكالية لا ترتبط بمهنة الصحافة وحدها، بل هذه الجرثومة داءٌ مسّ كل مؤسسات الدولة السياسية منها و الاقتصادية قبل أن تنتقل إلى قطاع الثقافة، فصراعنا داخلي و لا علاقة له بالآخر، و الغريب أن هذا الصراع الذي كان رجولي ارتبط هذه المرة بتاء التأنيث
سال حبر كثير و بألوان عديدة حول مهنة المتاعب، و المشاكل التي يتخبط فيها الصحفي ، الذي قلما نجده ينقل مشاكل الناس إلى المسؤولين و يكشف العيوب الموجودة في المشاريع و قضايا الفساد و الرشوة و يدفع ضريبة الحرف الذي يكتبه، و لكن لا أحد يشعر بآلامه، حتى المقربين منه من المسؤولين على القطاع و حتى داخل المؤسسة التي يتعامل معها الصحفي، و لأول مرة منذ بدء التعددية الإعلامية يخرج صحافيين عن صمتهم، و يطرقون باب "المعارضة" تنديدا بالأوضاع التي يعيشها الصحفي في الجزائر، و العقبات التي تواجهه و هو يغطي الحدث الإعلامي، لغياب إمكانيات العمل، ليس ضروري هنا ذكر هذه العقبات لأن المسؤولين على القطاع على دراية بها، و يعرفونها كما يعرفون أسماءهم و مقرات سكناهم، لأنهم عاشوها قبل أن يؤسسوا جريدة لهم أو قبل ان يحظوا بترقيات نقلتهم إلى حيث توجد النجوم، و لكن البعض من المسؤولين بدلا من أن ينشروا العدل و المساواة، و يجسدون مبدأ الديمقراطية الإعلامية راحوا يمارسون على رفاق المهنة "الاستبداد الإعلامي"، وكأنه يعيش عهد "الرق"، و يمكن الوقوف على الراتب الشهري للصحفي العامل في القطاع الخاص و الذي يتراوح راتبه الشهري بين 10 و 15 ألف دينار ، دون الحديث عن حرماه من التغطية الأمنية و حقوق أخرى مشروعه مثل الحق في الحصول على البطاقة الوطنية للصحفي، حيث تمنح هذه البطاقة للصحفي " المهني" و الذي له أقدمية تفوق 10 سنوات عمل دون انقطاع.
و لا يمكن لأي كان أن يتنكر للوضع الذي عاشه الصحافيون في مرحلة العشرية السوداء فيها قدموا تضحيات بشجاعة وبسالة فسجنوا وتعرضوا للمضايقات، و كانوا ينتظرون صدور القانون الجديد ليرد لهم الاعتبار، ليفاجأ البعض منهم بالشروط التعجيزية التي وضعتها الوزارة، حيث يشترط أن يقدم طالب البطاقة نسخة من "عقد العمل" المبرم مع المؤسسة التي يتعامل معها، مطبقة في ذلك الشعار الجزائري : " الثقة في الوثيقة"، كان ذلك على حساب الكفاءة و المهنية و الأقدمية، التي لم تجد لها مقعدا أمام المحسوبية و الجهوية التي خلقت لها مكانا بقوة في هذه اللعبة، و بقي الصحفي آو المراسل الصحفي بين نارين محرقتين، إما أن يستمر و يتنازل عن حقوقه الشرعية، و إنما أن ينسحب، و بين الخيار الأول و الثاني فضل فريق أن يتبنى فكرة " المعارضة"، من خلال الخروج إلى الشارع في مسيرات سلمية، للمطالبة بحقوقهم الشرعية، فأن ينتقل مراسل إلى منصب مسؤول عن مؤسسة إعلامية بل إلى منصب وزير يشرف على قطاع حساس بأكمله شيء مُشَرِّفٌ جدًّا للصحفي و المراسل الصحفي في الجزائر، لكن المؤسف جدًّا أن يتنكر المسؤولون في قطاع الصحافة إلى معاناة الصحفيين و المراسلين الصحفيين الذين هم في أبجديات الصحافة صحافيين يعملون خارج قسم التحرير، بعد التضحيات التي قدموها لخدمة الخبر و تنوير الرأي العام و نقل هموم المواطن و انشغالاته إلى المسؤولين، و لسنا هنا لعرض المشاكل التي يتخبط فيها أصحاب مهنة المتاعب، لأن المسؤولين فوق أدرى بها من الوزير نفسه، نزولا إلى مدير المؤسسة و رئيس التحرير و ربما إلى رؤساء الأقسام و هذا حديث آخر لا يمكن حصره هنا.
الصراع هو صراع داخلي طبعا، ولا علاقة له بالآخر الذي يرقبنا من بعيد و من وراء البحار و ينتظر اللحظة لتدميرنا، و الأسباب كثيرة و متنوعة يصعب حصرها كلها في مقال، و لكن يمكن اختزالها في عبارة واحدة و هي أن أطراف سَيَّسَتْ الثقافة و غفلت عن مسألة مهمة جدا ألا و هي تثقيف السياسة، و يأخذنا هذا الحديث إلى الصراع الذي حدث مؤخرا بين زعيمة حزب العمال لويزة حنون و وزيرة الثقافة نادية لعبيدي، و التي أحدثت جدلا عبر وسائل الإعلام بعدما وصلت القضية إلى العدالة، و قيل ما قيل في هذه "الحرب النسوية"، البعض قال أن وزيرة الثقافة سيّست الثقافة حيث طغى الطابع السياسي على تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية، ذلك لأسباب عديدة، أهمها أن لا تكون قسنطينة عاصمة للثقافة "الأمازيغية" و هذا ربما لكي لا تستيقظ فتنة نائمة، هي في الحقيقة لم تنم، ولكن كانت و ما تزال في فترة نقاهة، و تفادي وقوع الربيع الأمازيغي في مدينة يرقد تحت ترابها الملك النوميدي "ماسينيسا" لاسيما وضريحه موجود إلى اليوم بمدينة الخروب.
فيما قال البعض الآخر أن الحرب بين حنون و لعبيدي لا تخرج عن حدود "الغيرة" LA JALOUSIE ، لأن لويزة حنون كان لها طموح في أن تحصل على حقيبة وزارية، و أن وجود نساء على رأس وزارات لم يعجبها لكونها خارج اللعبة، و أن معارضتها للنظام قضى عليها في أن تصبح هي الأخرى وزيرة ، قد يمنح لها قطاع "المحروقات" و هي التي ظلت تدافع عنه في كل خطاباتها السياسية، و تعيد له هيبته العظمى بعد قضية شكيب خليل ، و لعل لويزة حنون أرادت بتدخلها في الشأن الثقافي أن تطبق الفلسفة الاشتراكية الشيوعية التي أحدثت حربا إن صح القول بين ثقافة "الجماهير" و ثقافة "النخبة"، و قد سبق و أن كتب ماكدونالد في هذا الشأن بأن ثقافة الجماهير مفروضة من فوق يضعها الفنيون المستأجرون لرجال الأعمال، فسادة " الكيتش" يستغلون الاحتياجات الثقافية للجماهير من أجل تحقيق الأرباح لا غير و هذا يعتبر تهديدا للحضارة ، لأن الجماهير كانت مرادفة للحشود و الغوغاء و قد كتب فرويد عن هذه الظاهرة في جانبها النفسي.
لويزة حنون بتدخلها استعادت تعليمات الحركات الشيوعية التي قالت : " إن الساكسفون ليس آلة موسيقية حقيقية، و الجاز و الموسيقى الشعبية كلها ليست على وجه اليقين سوى تعبيرا " رأسماليا"، في حين يرى البعض أن الطبقة العاملة لا تجسد فقط نظاما اقتصاديا و اجتماعيا أرقى بل "ثقافة" أرقى كذلك، و إن كان الشجار بين النساء في زمن ليس ببعيد يكون بواسطة الضرب و الجرح العمدي و هي ظاهرة تزداد انتشارا حاليا في الوسط الإجرامي، غير أن بين المثقفين استعمل فيها "القلم" و يتجاوز هذا الشجار أحيانا حد القذف و تبادل التهم، و للإشارة فقط فإن هذا الصراع ليس وليد الساعة، فهو قديم متجدد، لكنه هذه المرة جاء بنكهة مميزة ، بين أديبة و مؤرخ، ( المؤرخ الدكتور عبد الله حمادي و الأديبة زهور ونيسي) و الاثنان يحظيان بمكانة رفيعة في الوسط الثقافي، و من الصعب أن ترتفع كفة على أخرى ، بيد أن الحق وجب أن يكون هو السيّد، فأهل الأدب لهم الشعر و القصة و الرواية، و أهل التاريخ لهم التأريخ، و لا عيب أن يكون الشاعر أو القاص أو الروائي قارئا للتاريخ ، كما أن الصراع يؤكد على أن إشكالية "التخصص" في الجزائر معقدة ، جعلت الكثير يتدخلون في أمور و قضايا خارج تخصصهم، بحيث نجد كل واحد يدلوا بدلوه، و يمكن القول أن الصراع الذي حدث في تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربي هو "نخبوي" ، فالسياسة و الثقافة في الجزائر، أصبحت لا قيمة لها في زمن "الرداءة"، و في زمن " اللامبالاة" أضحت فيها "النخبوية" غير مقبولة ، و أصبح التلاعب بالكلمات اللغة المسيطرة في الساحتين الثقافية و السياسية، و لكل أسلوب خطابي يميزه عن الآخر، و ربما هذا الأسلوب الخطابي أعماهم عن رؤية الكثير مما يحدث بالفعل.
علجية عيش