حدثنا نبهان بن يقظان قال: خرجت أتنزّهُ زمنَ نضج الرّمان، اتقاءَ سخفِ الزّمان. ثم إني نزلت بدارٍ ذات أفنان، واتّفقَ أن حلَّ بالبلدة بنو عَلمان. وما أن بلغ القومَ مرامي، وفِعْلي وكلامي. حتى أرسلوا إليّ مِن أهل العبارة والإشاره، مَن يدعوني في الغد إلى الزياره. فقلت: وأين أجد الجماعه، وأيّ ساعه؟ قال: في النادي، قرب الوادي. فوعدتُه خيرا، ثم أكملت سيرا. وفي اليوم الموعود، حضر الوفود. وكنت ممن حضر، لأمر قد قُدر. فرأيت صنفا من البشر، لا عهدَ لي بهم ولا خبر. نساءٌ كاسيات عاريات، مائلات مميلات. إناثٌ مجازَا، ذكورٌ إعجازَا. قد صبغنَ أَوْجُههنّ، وكشفنَ أذرعهنّ. لا مَيْز بين أنثى وذكر، ولا فرْق بين عامِرة وعُمر. ولو أنك أرجعتَ البصر، وأحْققْتَ النظر. ما جلوْتَ الأمْر، ولا ظفِرْتَ بخُبْر. كيف وقد قصصْنَ الشّعْر، وأطلْنَ الظُّفْر؟ ولبِسْن السراويل، القصيرَ منها والطويل؟ ولبعضهنّ قُمصان وتَنانير، قد حزَمْنَ بأطواق كالزنانير. فقلت لأحداهن: من أنتن، وما تُرِدن؟ قالت: هذه جمعيةُ حقوق، بنيناها بدمٍ وعروق. قلت: وما تبغين، وكيف وأين؟ قالت: نبغي التساوي مع البُعول، لا مَيْز بين الإناث والفحول. قلت: تلك فطرة الله، ولا تبديل لخلق الله. قالت: نقتسِمُ الميراث، كما للذّكور للإناث. قلت: ذلك حُكْمٌ فيه حِكَم، أعلِمنا أم لم نَعلم. قالت: إن النساء شقائق الرجال، ولا شيء يُعجزنا ولا مُحال. قلت: وهل تبول الأنثى واقفه؟ صِفي لنا يا واصفه! أم بلغكِ أنّ رجلا أرْضَع، أو حمَلَ ثم وَضَع؟ أيملكُ الرجلُ قلبَ الأم الرَّؤوم، فيمنعُه سقَمُ الوليدِ النَّوْم؟ قالت: بغيُك أكرى، فما ترى؟ قلت: كلٌّ ميسَّرٌ لما خُلق له، ولا يُساوي بين الجنسين إلا أبلَه. أليس قد قيل:
وما التّأنيثُ لاسمِ الشّمسِ عيبٌ ؞؞؞ ولا التذكيرُ فخرٌ للهلالِ
ثم قلت: أوَلكُنّ رجال، وبيوت وأطفال؟ قالت: وما تَخال، قَرارٌ خال؟ لا حسَب، ولا نسَب؟ قلت: حاشاكُنّ، وأحسِني الظنّ! قلت: وأين أهل القوامه، والشأن والزعامه؟ قالت: لا قَوّام عندنا، وأمرُنا شورى بيننا. قلت: الشورى خيْر، ولا ضيْر. لكن الكَدْح، يُورِّث القَدْح. فإذا هو كأُكَال الشّجَر، وسُوس الثّمَر. فمَن يرعى الصِّبْية، ويَسقي بعد جِبْية. وأنتن بين غُدوّ ورواح، كل مساء وصباح؟ قالت: نستعين بالخدَم، وأعوان وحشَم. قلت: ففيكنّ قال القائل:
وما أدْري ولستُ إِخالُ أدري ؞؞؞ أقومٌ آلُ حِصنٍ أم نساءُ
ثم قلت: إن لأزواجكنّ صبرا حتى النخاع، أما ينكحون مثنى وثلاث ورباع؟ قالت: قد أجزْنا واحدَه، وليس فيما زاد فائدَه. قلت: لكِنّ الله أباح، وهو نكاحٌ لا سِفاح. قالت: ومَن يَعدلْ، ولا تَعذِلْ! قلت: هو عدلُ الجيوب، لا القلوب. قالت: تلك خيانه، ومكرٌ وإهانه. قلت: فالثانيةُ راضيةٌ وأبوها راض، لا حاجةَ لقضاءِ قاض. أمْ تَبغِينَ إكثارَ العوانس، وفِسقَ الأوانس؟ ثم قلت: ومن أنابكُنّ، لا أبا لكُنّ؟ قالت: نساءُ البلد، بلا عدد. قلت: فأنتنّ عشرات، أو عَدّ الجمَرات. ولا علمَ لأمّي بجمعكُنّ، ولا أخْتي وخالَتي عرفنَكُنّ.
قال نبهان بن يقظان: ولقد جادَلْننِي وأبْرَمن، وساءَلْنني وأجبْن. فلولا أنهن دبّرنَ أمرهنّ تدبيرَ من طبّ لمن حبّ، لكنني شممتُ ريحَ من تسيّسَ ثم اندسّ. وما وجدتُ عندهنّ علما، ولا تبصُّرا وفهما. وإنما هو تيهٌ واغتراب، وجريٌ وراء سراب. قليلاتُ حكمه، فاقداتُ حِشمه. قد لزِمنَ القشور، وطرَحنَ عظائمَ الأمور. ولَيْتهُنّ ابتغَيْن تعليمَ جاهله، أو تقويمَ مائله. أو تزويجَ عانس، أو إعفافَ مومس. لكنه هذَرٌ في حقوق، وجدلٌ كالعُقوق.
قال نبهان بن يقظان: ولمّا أعياني اللَّجاج، ونهَكني العلاج. سلّمتُ سلامَ مودِّع، دَمِثٍ غيرِ متنطِّع. رعْيا للذِّمام، وخشيةَ الخِصام. ثم تركت جمعَ النساءِ وأنا أتمثَّلُ قولَ القائل:
فإنْ تَسْألوني بالنساءِ فإنّني ؞؞؞ بصيرٌ بأدواءِ النّساءِ طَبيبُ