مدينة القدس والمسجد الأقصى الشريف

************************************************** ************************************************** **********

لقد برأ الله البرايا صنوفاً وضروباً وقسمها فرقاً وشعوباً واختص منها بنى الإنسان بالعقول والألباب والأفهام وفضلهم على الجمادات والأنعام
ليبصروا ويتبصروا وليفقهوا ويتدبروا .
وتدرجت إليهم الأديان وتعاقبت الرسالات إلى أن بعث الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بدين ورسالة الإسلام .
قضى الله لهذه الرسالة أن تكون هى آخر الرسالات فجعلها سبحانه وتعالى رسالة عامة وخالدة وموجهة إلى الناس أجمعين
فى كل زمان ومكان وليست رسالة خاصة بشعب دون شعب ولا بعصر دون عصر .

ولقد اختص الله فى أرضه بقاعاً بعينها بالتشريف والتقديس وبارك فيها وجعلها طاهرة ومقدسة تلك البقاع هى مكة المكرمة والمدينة المنورة والقدس الشريف
فما من بقعة طاهرة بعد مكة المكرمة والمدينة المنورة أفضل من مدينة القدس وما من مسجد بعد المسجد الحرام والمسجد النبوى أفضل من المسجد الأقصى .

مدينة القدس هى زهرة المدائن أرض مباركة ومقدسة بنص كتاب الله . يقول عز وجل :
{ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ }
مدينة القدس هى أرض النبوات وملتقى الأديان والرسالات مدينة عريقة تتميز بخصائص فريدة فى واقعها التنظيمى والمعمارى وفى طابعها الدينى والتاريخى والجغرافى .

كانت مهبطاً للوحى والملائكة وللأنبياء والمرسلين قصدها خليل الله سيدنا إبراهيم ونزل بها سيدنا لوط وسيدنا إسحق وسيدنا يعقوب وسيدنا يوسف وسيدنا موسى
وسيدنا داود وسيدنا سليمان وسيدنا زكريا وسيدنا يحيى وسيدنا عيسى عليهم أفضل صلاة وأزكى سلام .

بوأ الله فيها لسيدنا إبراهيم موضع المسجد الأقصى وبيّن له حدوده ومساحته كما بوأ له موضع المسجد الحرام دلّه عليه الوحى الأمين سيدنا جبريل عليه السلام .
هذه الحدود ليست بمستطيلة الشكل ولامربعة من الجنوب 281 متراً ومن الشمال 310 متراً ومن الشرق 462 متراً ومن الغرب 491 متراً .
توالت وتعاقبت عمارته ولم تتغير حدوده أو مساحته .

( عن أبى ذر الغفارى رضى الله عنه قال قلت يارسول الله أى أول مسجد وضع فى الأرض قال :
المسجد الحرام . قلت ثم أى قال : المسجد الأقصى .. ) رواه الإمام البخارى فى صحيحه .

تولى سيدنا سليمان عليه السلام تجديد بنائه وسأل الله تعالى فيه حكماً يصادف حكمه وملكاً لاينبغى لأحد من بعده وغفران ذنب من يصلى فى حرمه .
( عن عبدالله بن عمرو رضى الله عنه قال : لما فرغ سليمان بن داود من بناء بيت المقدس سأل الله ثلاثاً حكماً يصادف حكمه وملكاً لاينبغى لأحد من بعده
وألا يأتى هذا المسجد أحد لايريد إلا الصلاة فيه إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه فقال النبى صلى الله عليه وسلم :
أما اثنتان فقد أعطيهما وأرجو أن يكون قد أعطى الثالثة ) سنن النسائى وابن ماجه ورواه الإمام أحمد فى مسنده

إليه كان إسراء النبى المصطفى صلى الله عليه وسلم وفيه موضع صلاته بالأنبياء والمرسلين ومن على الصخرة المقدسة كان معراجه بالبراق
إلى السماوات العلى حتى بلغ سدرة المنتهى التى عندها جنة المأوى .

مكث رسول الله وصحابته والمسلمون يتخذون من وجهته قبلة لهم فى الصلاة خلال فترة ومدة إقامتهم بمكة المكرمة وحتى بعد الهجرة النبوية إلى
المدينة المنورة إلى أن نزل أمر الله على نبيه ورسوله صلى الله عليه وسلم فى مسجد القبلتين بتحويل وجهتهم فى الصلاة من المسجد الأقصى
والتولى بها نحو الكعبة المشرفة والمسجد الحرام .

المسجد الأقصى حرم لكل المسلمين فهو ثانى مسجد بعد المسجد الحرام وهو القبلة الأولى وثالث الحرمين الشريفين .
إليه تشد الرحال وفيه تضاعف الصلوات وتعظم القربات والطاعات ويزيد فيه الأجر والثواب .
( عن أبى الدرداء رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة فى المسجد الحرام بمائة ألف صلاة والصلاة فى
مسجدى بألف صلاة والصلاة فى المسجد الأقصى بخمسمائة صلاة ) رواه ابن ماجه والطبرانى .
ويقول عليه الصلاة والسلام : ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدى هذا والمسجد الأقصى ) متفق عليه .

دأب أعداء الدين من اليهود والصليبيين على التهوين من شأنه فى قلوب المسلمين وإيهامهم بعدم قدسيته أو حرمته
وقد والاهم فى ذلك الأفاقين والمنافقين وأشاعوا بأن تسميته " ثالث الحرمين الشريفين " تسمية خاطئة بهدف تثبيط
الهمم عن الدفاع عنه وحمايته إذا ماقام الأعداء باغتصابه وانتهاك حرمته .
...

قدسية المدينة وسحرها لاينتهى فمن أى طريق تسلك ومن أى مسار تتخذ درباً ستجد فيه شاهداً على أثر أو تاريخ .
سخر الله فيها لسيدنا داود الجبال والطير يسبّحن معه بالعشى والإشراق وألَان له الحديد فكان غضاً طرياً فى يديه .
وسخر الله فيها لسيدنا سليمان الريح والجان والشيطان وعلّمه منطق الطير والحيوان .
يوجد بها جبل الزيتون وعلى سفحه الربوة التى صعد منها سيدنا عيسى إلى السماء . ومقام السيدة مريم عليها السلام
وهو على بعد خطوات قليلة من كنيسة الجيسمانية . وهناك عين جارية تسمى عين سلوان ماؤها يخرج من الصخر الصلد .
وبالقرب منها بئر سيدنا أيوب عليه السلام وهو الذى ركض فيه برجله فكان له مغتسل وشراب .
وعلى ثراها وترابها كان مولد ومهد السيدة مريم ونذر أمها زوجة عمران بأن يكون مافى بطنها محرراً لله ( النصارى يسمونها القديسة آن ) .
وعلى ثراها وترابها مولد ومهد ومبعث المسيح عيسى عليه السلام . وفيها كانت دعوته إلى اليهود من بنى قومه بنى إسرائيل بأن يؤمنوا بالله
ووحدانيته وأن يصدقوا بما أنزله الله عليه من الإنجيل .
وعلى أرضها أبرأ لهم نبى الله الأكمه والأبرص وجعل لهم الأعمى بصيراً وأحيا لهم الموتى . وأنزل الله فيها المائدة من السماء إلى الحواريين النصارى
وهم الذين آمنوا بسيدنا عيسى وصدقوه وآزروه ونصروه ( يسمونها العشاء الأخير ) . ويوجد بها طريق الآلام ( وحسب معتقدهم )
هو الطريق الذى سلكه اليهود واقتادوا فيه المسيح لمساءلته ومحاكمته وحبسه وجلده وفيه كانت رحلة عذابه حاملاً لصليبه إلى أن قاموا بقتله وصلبه .
( عدّدوها بأربعة عشرة مرحلة لها أماكن وعلامات محددة فى طريق الآلام بمدينة القدس الشريف ) .
....

وفى مدينة بيت لحم توجد " كنيسة المهد " موضع ولادة سيدنا عيسى عليه السلام .
وبمدينة الناصرة توجد كنيسة البشارة موضع البيت الذى نشأت فيه السيدة مريم ونزل فيه وحى الله الأمين سيدنا جبريل وبشرها بولادة المسيح عيسى عليه السلام .
وبمدينة الخليل " مدينة حبرون قديماً " يوجد الحرم الإبراهيمى مسجد خليل الله إبراهيم عليه السلام وبداخله مغارة تسمى " مغارة المكفيلة "
بها مثوى أنبياء الله سيدنا إبراهيم وزوجته وسيدنا إسحق وزوجته وسيدنا يعقوب وزوجته عليهم جميعاً أفضل صلاة وسلام .
يقول الحافظ بن حجر عن مواضع الأنبياء ومقابرهم :
ولم تعلم مقابرهم بأرضٍ يقيناً غير ما سكن الرسول ....... وفى حبرون ثَمّ غارٍ به رسل كرام والخليل

.................................................. ..................................

************************************************** ************************************************** *
سعيد شويل