ملتقى إهدن الدّولي للرّسم و النّحت
وجه ثقافي فنّي حضاري... ترقّى من المحلّيّة إلى العالميّة... عميده الفنّان جورج زعتيني الإهدني...

بقلم: حسين أحمد سليم

المُقدّمة:
الأبجديّة الفنّيّة التّشكيليّة نشأت مع الإنسان منذ البدايات، و إستمرّت ممتدّة عبر حقب التّاريخ و أكواره و أدواره و أطواره، لتصلنا في حركات أفعال تطوّراتها، من خلال حضارات سادت ثمّ بادت، فكانت تراثيّة الموروث الحضاري لذاكرة وجدانيّة بشريّة، أرّخت للإنسانيّة نبضات الإنسان الفنّيّة التّشكيليّة، فكانت لغة تجسّدت في العقيدة قبل إمتهانها إنعكاس البعد الآخر، لتجلّى من خلالها حركة الجمال و مشهديات ترفل لها البصيرة قبل البصر، في تفاعل باطنيّ مع الإحساس بالجمال، لخلق الإرتياح النّفسي عروجا في مسارات الخيط الفِضّيّ التّشكيليّ الفنّيّ الممتد بين الأرض و السّماء، المتكوكب سحرا و جمالا بعظمة تجلّيات إبداع الخالق في خلقه المادّيّ و الرّوحيّ من أجل الحياة و الإنسان و الجمال و الإطمئنان...

المقياس:
و لمّا كانت الحضارات تُقاس بفنونها و تشكيلاتها و آدابها و علومها، كان لا بُدّ أن تضع الأمم المُتحضّرة نصب أعينها، ما يمسك بيدها و يمشي بها نحو الرّقيّ الجمالي فنونا و تشكيلا، لتعي دورها الرّيادي في بناء صرح حضارتها على أسس لا بُدّ منها في هذا الزّمن العصريّ، الذي يُعتبر ثورة في كلّ شيء، خاصّة يعد شيوع الشّبكة العالميّة للمعلومات، و التي جعلت من الكرة الأرضيّة قرية صغير، يتفاعل من خلالها حضارة من في الشرق مع من في الرب، و يتلاقى الجميع كلّ يعرض حضارته على الآخرين لتتماذج معالم الحضارات ببعضها البعض مكوّنة معالم حضارة تكامليّة جديدة محاكاة للعصرنة...

الولادة:
من هنا، كانت ولادة سمبوزيوم إهدن الدّولي للرّسم و النّحت، ثمرة تعاون مع أكثر من جهة رسميّة و أهليّة و فنّيّة، و لجنة الفنّ التّشكيلي المُمثّلة في رئيسها الفنّان الدّكتور جورج زعتيني، و الذي أخذ على عاتقه مسؤوليّة تكليفيّة كبرى، مُطلقا شرارة البدء بالتّظاهرات التّشكيليّة الفنّيّة رسما و نحتا، مع ضمان إستمرارها عبر السّنوات الآتية، و هكذا كان، فكانت إهدن في شمال لبنان، صورة لبنان العالمي، بحيث تُوِّجت عاصمة لقاءات المحبّة و الجمال رسما و نحتا و سنويّا منذ التّأسيس، يلتقي على ترابها ثُلّة من الفنّانين و النّحّاتين التّشكيليين، صهرتهم حركة الفنّ التّشكيلي في بوتقة واحدة، منها يتوالد أبجديّة رمزيّة بصريّة، لها جماليّتها و لها حضورها و بقائها... عاكسة صورة حضاريّة لوطننا لبنان، ليغدو عاصمة للحبّ و منارة للجمال...

التّجارب:
تجارب كثيرة لملتقيات فنّيّة تشكيليّة كثيرة، للرّسم و النّحت وُلِدت و بدأت في لبنان، راشانا البصابصة، جونية، عاليه، طرابلس، البترون، صيدا، صور، الخيام، راشيّا، زحلة، رأس المتن، بيروت، مليتا، و إهدن... منها ما إستمر و منها ما توقّف لظروف ما... و كانت تجربة ملتقى إهدن الفنّي التّشكيلي للرّسم و النّحت، واحدة مميّزة من بين تجارب بقيّة الملتقيات الفنّيّة التّشكيليّة في لبنان،و التي أخذت طابعا مختلفا... بحيث أضحت مشاركة الفنّانين فعلا واقعيّا ثقافيّا حضاريّا، يُعبّرون من خلاله عمّا تتفتّق عنه خيالاتهم و وجدانهم من معالم الجمال ، بتجسيد رؤاهم الإفتراضيّة في خلق عمل إبداعيّ إبتكاريّ مباشر، و هم في رحاب بلدة إهدن ينعمون بأجوائها الطّبيعيّة السّاحرة الجمال...

لجنة الفنون:
لجنة الفنون التّشكيليّة لملتقى إهدن الدّولي للرّسم و النّحت، بالتّعاون مع الجهات الفنّيّة المختصّة، و مع فعاليات تشكيليّة عربيّة عديدة، شاءت حركة فعل الدّعم لأبناء و أهالي بلدة إهدن، و عملت على تجميع قدرات فنّيّة من شتّى أنحاء لبنان، و من دول عربيّة عديدة، لخلق التّكامل الفنّي التّشكيلي، أنسنة و لحمة و تآلفا و تعارفا... إستطاعت أن تجعل من ملتقى إهدن ظاهرة ثقافيّة بصريّة مميّزة، بحيث إستطاعة صياغة أوراق الملتقى بدقّة و أسلوب إنساني متكامل، بإحاطة كلّ من شارك و يشارك في رحاب ملتقى إهدن الفنّي التّشكيلي، و أتت الصّياغات الفنّيّة لتتعانق في رحاب بلدة إهدن، بحالة إبداعيّة مميّزة و كأنها حالة من حالات الطّقوس العباديّة... فيما حقّقت لجنة الفنون التّشكيليّة لملتقى إهدن الدّولي، بما ذهبت إليه من خلال دورات الملتقى السّنوي، على الجمع بين المحترفين و الأكّاديميين و المخضرمين و أصحاب الخبرات المُتقدّمة و الطّاقات الشّابّة الواعدة... و هذه اللجنة بقيادة عميدها الدّكتور جورج زعتيني تعمل جاهدة على إيجاد المكان الملائم لإقامة المتحف الإهدني للرّسم و النّحت...

القصّة:
تعود قصّة ملتقى إهدن الدّولي للرّسم و النّحت إلى العام 1998 للميلاد، حين أخذت بلديّة البلدة على عاتقها، و بدفع و تحفيذ و تحريض من الفنان الدّكتور جورج الزعتيني، إقامة هذا الملتقى التّشكيلي الفنيّ السّنويّ، أثناء فصل الصيف، عبر دعوة الفنّانين التّشكيليّين من أنحاء لبنان، ومن تشكليّين و فنّانين عرب و غربيين، لتنفيذ أعمال مُنوّعة من لوحات و منحوتات مقابل تأمين الإقامة لهم في فنادق البلدة، إضافة إلى تناول الوجبات اليوميّة على نفقة البلديّة و بالاتفاق مع الفنادق التي تتقاضى بموجب ذلك عملاً فنيّاً من كلّ فنّان مشارك في الملتقى...

الحفاوة:
يقوم القيّمون على النّشاط الفنّي التّشكيلي في رحاب بلدة إهدن، بتعريف الفنّانين على جغرافيّة المنطقة عبر زيارة سياحيّة لأهم معالمها و زواياها، كالكنيسة المقامة في أعلى البلدة و التي يُمكن منها مشاهدة المحيط المنوّع بتضاريسه و جمالاته و أخضره و منحدراته، التي تؤكّد سحر الطّبيعة، إذ يُمكن أن تُشاهد جزيرة قبرص في حال كان الطّقس صافيا...

الإصرار يُحقّق النّجاح:
حافظت لجنة الفنون بقيادة عميدها الدّكتور الفنّان التّشكيلي جورج زعتيني على ضمان إستمراريّة النّشاط الفنّي التّشكيلي للملتقى السّنوي في رحاب بلدة إهدن، بعدما أوقفت البلديّة تعاونها في إقامة الملتقى، و ذلك منذ ما يُقارب العشر سنوات... فكانت ميزة مبادرة الفنّان الطّليعيّ جورج الزّعتيني بعزمه و موقفه و إصراره على المتابعة و الإستمرار، مهما كلّف الأمر من جهد و بذل و عطاء و مساهمة، و مع ما يتطلّبه الأمر من جهد و تعب و تغطية مادّية على نفقته الخاصّة... فلجأ مُتعمّدا لحلّ مشكلة إقامة الفنّانين التّشكيليين إلى الطّلب من أصحاب بعض البيوت الفخمة و الفبلاّت و المنازل الكبيرة، التي تتوافرفي ظروفها حركة إستقبال الفنّانين... على أن يكون البدل من قبل كلّ فنّأن تشكيلي مشارك، تقديم عملٍ فنيٍّ، لأصحاب هذه المنازل، على أن يحصل الفنّان الزّعتيني بدوره على عمل آخر من الفنّان... بحيث تكون المحصّلة النّهائيّة، ثروة فنّيّة تشكيليّة واسعة، يملكها الفنّان الزّعتيني، الحالم بإقامة مبنى كبير للملتقى، يتّسع لهذه الأعمال كمتحف للفنون التّشكيليّة... فيما يُراوده الأمل غير المنقطع على مبادرات داعمة من الجهات المختصّة، في مشروعه الفنّي التّشكيلي الإفتراضي و الرّؤيويّ و المبدع و الطّليعيّ... و لتحقيق هذا الحلم التّشكيليّ يُفكّر الفنّان الزّعتيني ببيع جزء من الأعمال التي يملكها كي يُسدّد تكاليف بناء هذا المبنى...
بلدة إهدن بأهلها، نموذج مميّز في إهتمامها بالفنّ التّشكيلي و الثّقافة كمكوّنات حياتيّة لهم... إهدن، البلدة التي أنجبت صليبا الدّويهي، الفنّان العالمي، مُكملة مسارها على خطى فنّانها الكبير، بعزم و إصرار تلميذه على إستكمال المسار الفنّي التّشكيلي، الفنّان التّشكيلي الدّكتور جورج الزّعتيني...

جورج الزّعتيني:
الفّنان التّشكيلي الدّكتور جورج الزّعتيني، الذي يعيش عمر نضوجه في سبعينيّاته، إختار الفنّ التّشكيلي ناموساً لعبادته اليوميّة مكرّساً حياته له، و للملتقى الذي أصبح جزءاً من كينونته و مساره الفنّي التّشكيلي... بحيث يتميّز بحيويّة في كينونته، و يتحرّك بين الأمكنة و الفنّانين التّشكيليين، و هو كما الطّير المُغرّد، المنتقل من غصن إلى غصن و من شجرة إلى شجرة، مُنشدا متعة الحياة... رجل ليس كباقي الرّجال مفعمٌ بالنّشاط و الحيويّة بالرّغم من عمره المتقدّم، لكنّ نسغ الفنّ التّشكيلي الذي يسري في عروقه يجعله فوق السّنوات و التّعب و الإرهاق... دائما في غمرة الملتقيات، يتنقّل بين الفنّانين التّشكيليين، ليحمل إليهم ما يحتاجونه من موادّ الرّسم كالألوان و الماء و الرّيش و اللوحات البيضاء، قبل أن تتحوّل إلى لوحة تتماهى بالجمال في موسقة لونيّة، مشاركاً إيّاهم أيضاً بتنفيذ أعمال مباشرة على الأرض، فهو لا يكتفي بتأمين الحاجات بل مشاركة الفنّانين عطاءاتهم و إبداعاتهم...

العرض:
عقب الإنتهاء من صناعة اللوحات و المنحوتات تُعرض الأعمال في الهواء الطّلق في حديقة إهدنيّة، حيث تتماهى اللوحات كلّ على حامل خشبي ثلاثيّ القوائم، و تُؤخذ الصّور التّذكاريّة، و تُوزّع شهادات التّقدير على المشاركين في حفل من قبل الفنّان التّشكيلي الدّكتور جورج الزّعتيني... ليقوم بعدها الزّعتيني بإعداد كتاب الملتقى و نشر الصّور في وسائل الإعلام المتاحة و خاصّة منتديات و مواقع الشّبكة العالميّة للمعلومات...

ملتقى إهدن:
تجربة الملتقى الدّولي للرّسم و النّحت في بلدة إهدن تختلف عن بقيّة الملتقيات في شتّى المناطق الأخرى في لبنان، تلك الملتقيات التي توقف جزء كبير منها عن ممارسة نشاطاته لظروف شتّى، البعض الآخر منها و هو قليل، بقي محافظاً على نشاطه و إن بأقلّ فعاليّة عن السّابق، و ذلك على عكس ما هو مستمرّ في بلدة إهدن... فالنّشاط الفنّي التّشكيلي ما زال مستمرّا و مثابراً على زخمه و قوّة عطائه بفضل الفنّأن التّشكيلي الدّكتور جورج الزّعتيني، مدعوماً بقوّة من أهل بلدته، ممّن يعشقون و يُحبّون الفنّ التّشكيلي و الجمال...جورج الزعتيني، شخصيّة لبنانيّة إهدنيّة جمعت قدرا بين مسحات الجمال و ومضات الفنّ التّشكيلي و ريادة الفنّانين التّشكيليين، بملتقى إهدن الدّولي للرّسم و النّحت...