مصطفى محمّد عبيد
فنّان تشكيلي لبناني...
حائز على الماجستير في الفنون التّشكيليّة بإختصاص فن الجداريات من الجامعة اللبنانيّة...
مُحِبّ للتّجدّد و الإستنباط... مُتناغم تجريديّا بحروفيات تصوّفيّة... نتاجاته تراثيات و زخرفيّات...

بقلم: حسين أحمد سليم

مقدّمة:
الفنّ التّشكيلي قيمُ جماليّة و مسحات تعبيريّة و رؤى إنفعاليّة، ينبض بها قلب الفنّان التّشكيلي، إحساس أنسنة بالجمال في مُكوّنات طبيعة المكان لومضة زمان... و بالتّالي، تجسيد إبتكار في إبداع صُوريّ تشكيليّ، بموادّ متنوّعة و خامات مُختلفة، ليبقى النّتاج التّشكيلي الفنّي، يُجسّد القيمّ الحضاريّة و الثّقافيّة للأمّة و المجتمع و الوطن...

سِمات:
إذا الفنّان التّشكيلي عقلن قلبه و قلبن عقله إمتطى صهوات الأنسنة، و إذا تفكّر مُتجلّيا في عظمة بدائع صنع الله إطمأنّ لذاته و كينونته، و إذا أراد تحقيق الشّيء الفنّي وصل لما إفترض، و إذا شاء و رسم لوحة أو نقش منحوتة أبدع تشكيلا... هي سِمات تنطبق على الفنّان التّشكيلي الأستاذ مصطفى عبيد، الحائز على الماجستير في الفنون التّشكيليّة في إختصاص فن الجداريات من الجامعة اللبنانيّة، إبن بلدة القلمون السّاحليّة شمال لبنان، الذي مثّلت لوحته "تشاؤم" لبنان في صالون الخريف فب صالة الغران باليه...
فنّان مُرهف الحسّ، يطرب للشّعر، لوحاته تجسيد و تعبير عن قصائد وجدانيّة، تتوحّد فيها النّفس... تجلس إليه فتتلمّس فيه حوافذ كثيرة، تدفع به تشاغفا باطنيّا للخلق و الإبتكار و الإبداع، و تستشعر به حركة روح لا تستكين للعطاء و المساهمة... فهو مثال المُعلّم المعطاء، الذي حمل تكليفة التّربوي، أمانة مؤتمن على حفظ الأمانة، وفّى تكليفه التّعليميّ، كأستاذ جامعي...

لمحة:
مصطفى محمّد عبيد، لبناني عريق، من مواليد بلدة القلمون السّاحليّة، شمال لبنان، لسنة 1956 للميلاد، و هو مُتخرّج من دار المُعلّمين للتّربية الفنّيّة، رسم، في العام 1978 للميلاد. نال شهادة دبلوم دراسات عليا في الرّسم و التّصوير في العام 1983 للميلاد، من معهد الفنون الجميلة، بالجامعة اللبنانيّة، الفرع الثّالث. و حائز على الماجستير في الفنون التّشكيليّة في إختصاص فن الجداريات من الجامعة اللبنانيّة... و الفنّان التّشكيلي عبيد، من مؤسّسي الحركة التّشكيليّة في الشّمال التي تأسّست في العام 1985 للميلاد. و هو أستاذ مادّة التّكنولوجيا في معهد الفنون الجميلة، بالفرع الثّالث للجامعة اللبنانيّة، في طرابلس عاصمة لبنان الثّانية و مركز محافظة الشّمال اللبناني، منذ العام 1986 للميلاد. و أستاذ محاضر في جامعة البّلمند، بكلّيّة العلوم الإنسانيّة، منذ العام 1989 للميلاد، و في الأكّاديميّة اللبنانيّة للفنون الجميلة. إضافة إلى كونه أستاذ التّربية الفنّيّة في مدرسة مار إلياس التّقنيّة في الميناء العام 1984 للميلاد، و أستاذ الفنون التّشكيليّة في مدارس التّعليم الرّسمي الإبتدائي و المُتوسّط منذ العام 1979 للميلاد. له العديد من الكتب الفنّيّة التّدريسيّة، و المؤلّفات التّقنيّة، أقام العديد من المعارض الفرديّة و شارك بالعديد من المعارض الجماعيّة، منذ العام 1978 للميلاد و حتّى الآن. نال العديد من الجوائز و شهادات الشّكر و التّقدير و الميداليات. و له مقتنيات في أكثر من مركز رسمي لبنان و خارجي.

البدايات:
بدأت المسيرة الفنّيّة للفنّان التّشكيلي مصطفى محمّد عبيد منذ تخرّجه من دار الفنون في العام 1978 للميلاد. بحيث كانت تُراوده أحاسيسه الدّاخليّة، المُتفاعلة في طوايا كينونته البشريّة، و تُحفّذه للتّعبير فنّيّا، عمّا يستشعره في بيئة مجتمعه، و ما يتراءى لوجدانه من إشكاليات الوقع الذي كان يمرّ به الوطن... فحمل ألوانه و بدأ يمزجها واثقا من نفسه و فنّه، و راح يُفرغ شُحنات أحاسيسه، مُجسّدا لها في أشكال لونيّة على الورق، و ما أن بلغت عددا لا بأس به من نتاجاته الفنّيّة الأولى، حتّى أقدم بجرأة و أقام له معرضا في بلدته بالقلمون، و هكذا كان معرضه الأوّل في العام 1978 للميلاد، حيث تلقّى التّشجيع من زوّار معرضه...
شارك الفنّان التّشكيلي الأستاذ الجامعي مصطفى محمّد عبيد في عدّة معارض أخرى عقب معرضه الأوّل، حيث بدأت تتبلور مسيرته الفنّيّة بشكل ملموس، سيّما بعد إنتسابه و تخرّجه من معهد الفنون الجميلة في طرابلس. ليُساهم في تأسيس الحركة التّشكيليّة في الشّمال في العام 1985 للميلاد، و ليُشارك في معارضها و معارض فرديّة له أخرى... يتلمّس المتابع لأعمال عبيد الفنّيّة، أنّ نتاجاته التّشكيليّة في مجملها، مُستقاة من الواقع الذي عاشه، فعكسها عبر مرآة رؤاه الفنّيّة التّشكيليّة، و هو ما يُؤكّد أنّ الفنّان التّشكيلي هو إبن بيئته و مجتمعه، و الفنّ الذي يُمارسه الفنّان التّشكيلي هو في خدمة مجتمعه و بيئته و وطنه...

المراحل:
غلب على أعمال المرحلة الأولى للفنّان التّشكيلي الأستاذ مصطفى محمّد عبيد، طابع التّشكيل العربي و المسحات الشّرقيّة العامّة، بمشهديّات و لوحات إسلاميّة التّشكيل. و حملت لوحاته إسقاطات القصص الدّينيّة على الواقع المعاش لبنانيّا، و التي نفّذها بالحبر الصّيني في سنة 1984 للميلاد. حيث عكست أسلوبا له خصوصيّته، التي تفرّد بها الفنّان التّشكيلي عبيد، و التي إستوحى غالبيّتها من المدرسة الحروفيّة و التّشكيل العربي، لتتجلّى بعض لوحاته بالكتابة المختزلة تعبيرا و ترميزا لأحلام ما، و في بعضها الآخر يتبوصل نحو الحرف الصّوفي للتّعبير ، عائدا إلى التّراث العتيد، و النّهل من ينبوع الحروفيات و الزّخرفة، حيث ظهرت البراعة العبيديّة من خلالها، و وسمته بعاشق التّراث...

محنة وطن:
زمن محنة الوطن، التي عاشها الفنّان التّشكيلي عبيد في رحاب العام 1978 للميلاد، و أحسّها مأساة كبرى، عبّر عنها بوجوه حزينة باكية، عكست حال المحنة الأليمة، إستوحى مشهديّاتها من واقع الأحداث اللبنانيّة و المعاناة الإجتماعيّة، مُعتمدا الألوان الحزينة القاتمة، المُستوحاة من المآسي الإجتماعيّة للمواطن في لبنان الوطن. و عرضها في العام 1988 للميلاد. كمساهمة فنّيّة ثقافيّة جادّة على طريق بناء موقف وطني عام، داعيا للحوار و الوفاق و السِّلم و لغد آمن مُشرق و مُزهر...

جداريّة ضخمة:
برزت حركة فعل إبداع الفنّان التّشكيلي عبيد في جداريّته الضّخمة، التي عرضها في طرابلس في العام 1989 للميلاد، و التي تحكي قصّة وطن تمازجت أيّامه بالعذابات و الآلام، زمن السّبعينات من القرن المنصرم، بحيث كانت تضجّ بآهات الحزن و أنين المعاناة. كانت تلك الجداريّة عملا مميّزا، و إبداعا عبيديّا فريدا، زاخرا بالألوان المتناسقة، الحافلة بالعناصر التّشكيليّة، المُعبّرة عن فكرتها و الغنيّة بالمعاني، التي تُجسّد حقيقو واقع مؤلم لوطن يُعاني. هذا العمل العبيدي الفنّي، يرقى لمستوى الخلق و الإبداع، و يكتنز في طيّاته بدلالات هامّة، ترسم شخصيّة الفنّان عبيد، عاكسة مدى إلتزامه بفنّه الهادف، للتّعبير عن رؤاه و أحاسيسه المرهفة، فعل تأكيد على قدرة الفنّ و الفنّان على نسج حكاية فنّيّة بأسلوب أنيق و مُؤثّر...

قراءات:
قراءات نتاجات الفنّان التّشكيلي عبيد في معارضه، تُوحي للمتلقّي و المتابع لحركته الفنّيّة و معارضه، و مراحله التّشكيليّة، أنّه شخصيّة دائمة الحركة الفنّيّة، تعمل جاهدة على النّتاج الفنّي التّشكيلي المُستمرّ، و العطاء الفنّي الذي لا ينضب، و المساهمة اللافتة في رفد المجتمع بكلّ جديد فنّي تشكيلي. و هو ما يسعى إليه بدفع الحركة الفنّيّة لإشاعة و تعميم الذّوق الفنّي. ليغدو في متناول الجميع...

النّهج:
إختطّ الفنّان التّشكيلي عبيد النّهج و الأسلوب لنفسه، و اللذان برزا في معارضه الفنّيّة التّشكيليّة، التي توالت لردح زمني سالف. بحيث جسّد معرضه السّابع في الشّمال، تظاهرة كبرى في مجال اللون و الضّوء، إنعكس إعجابا بريشة الفنّان عبيد، التي أبدعت في كيفيّة التّلاعب بالألوان و الظّلال، في عناصر لوحاته التي تموسقت بين الواقع و اللاواقع. لترسم حرفيّة مُتّقنة، تنبع من أصالة تراثيّة، و تُشكّل موهبة تتألّق بإبداع جليّ...
كبر الفنّان التّشكيلي عبيد بين معرض و معرض، و تطوّر في مستوى تقنيّاته الفنّيّة، بحيث عرف بالخبرة و التّجريب و صقل موهبته علما و معرفة، كيف يغمس ريشته باللون بتولّد الضّوء، و تولد اللوحة العبيديّة و بولادتها تستطيل و تتماهى قامته الفنّيّة، فإذا به أتخيّله يترقّى عروجا فنّيّا و تشكيليّا، عبر الخيط الفنّيّ الإبداعيّ، ليتعملق بنتاجاته التّشكيليّة، بحضور لافت و مميّز لدى جمهور مُتذوّق. و هو في كلّ معرض له، يحمل للمتلقّي الدّهشة و الإعجاب من خلال التّجريد و الإبتكار...

التّجديد:
المراقب لمعارض الفنّان التّشكيلي عبيد، يكتشف أنّه يترك لريشته السّاحرة تنساب مع التّجارب الفنّيّة التّشكيليّة المُبتكرة، ليطلّ على جمهوره بالجديد التّشكيلي، بعيدا عن التّكرار و الإجترار. لتأتي لوحاته في حركة فعل إنعكاس لافت، لمهارات فنّيّة تقنيّة مُتجدّدة، بنشاط متآلف و طاقة مُتّقدة، ترسم روائع فنّان مُخضرم، وعد فأعطى، و على معارضه ينهمر الذّوّاقون لفنّه...

حروفيّات:
الفنّان التّشكيلي مصطفى محمّد عبيد، إبن هذا الشّرق، يسمو ببيئته، و لا يرسم إلاّ على الطّريقة الشّرقيّة في الكثير من نتاجاته، و هو إختار المنهج الحروفي لينتقي منه العناصر التي تُخوّله التّجديد في مقاساته و في جزيئاتع، ليُضيف على تشكيلاته بعض رموزه الإبتكاريّة و الإبداعيّة... و بينه وبين المحارف العربيّة، علاقة حميمة على الصّعيد الفنّي التّشكيلي، بدأت مع تحسّسه جماليّة تجريد الحرف...
إتّخذ الحرف الضّادي نصّا فنّيّا تشكيليّا، للتّعبير به عن قضايا الإنسنة، بحيث يختزله بإجتهاد، و يُجرّده بتقنيّة عالية، و يقوم بتوزيعه ضمن مساحات معيّنة، تتماهى بألوانها المصقولة، ببعد واحد، و زخرفة تنصهر بالمحارف، خدمة تعبيريّة للموضع الإنساني الإجتماعي و الأدبي، وهو ما يبدو جليّا في رحلة التّشخيص و الأنسنة...

الشّخصيّة:
يبحث الفنّن و الأستاذ الجامعي عبيد في أعماق التّراث، مرتكزا على المخزون الأكّاديمي، ليُجرّب في رحلات أبحاثه تقنيّات عديدة، ليكتشف إمكانيات جديدة في حالة التّعاطي الفنّي مع لوحته التّشكيليّة ذات الموضوع الواحد... و في هذا المسار يسعى عبيد إلى تكوين شخصيّته الفنّيّة المُتمايزة و المُستقلّة، مُتوصّلا لأسلوب خاصّ و مُعيّن، مُفتّشا بشفافيّة شاعريّته عن موقعه التّمييزيّ بمفردات تجريديّة تشخيصيّة، بنفس ميتافيزيكي و برؤية مثاليّة... مُستمدّا موضوعاته من الأساطير و الحكايات و التّراثيات، عاملا على تجسيدها في خطوط و أشكال و مساحات في بناء هندسيّ و توزيع إيقاعيّ زخرفي... بحيث يتطلّع الفنّان التّشكيلي مصطفى محمّد عبيد القلموني، إلى مستقبل آت، يُرسي فيه أسس صرح لهيكليّة مدرسة حروفيّة عربيّة من منظور عصري حداثي مع الإحتفاظ بمسحات التّراث الأصيلة...
تأثّر الفنّان التّشكيلي عبيد بالمدرستين، الإنطباعيّة و التّكعيبيّة، و مزج بينهما بتقنيّة و إبداع، و إبتعد عن مسارات المدرسة الأوروبّيّة، مُعبّرا عن أحاسيسه و مشاعره الفنّيّة و التّشكيليّة و عن إنطباعاته كشرقي أصيل. رغم تأثّره بـ بّول سيزان الإنطباعي و بيكاسّو التّكعيبي. فغدت ريشته لسانه و محارفه قصائده. دامجا في رسوماته الحديثة بين التّجريد للطّبيعة بالعنصر الإنساني...