فضل مصطفى زيادة
صوفي تجريدي و رمزي تعبيري خارج المكان و الزّمان. و لوحاته مشحون بالضّوء المشرق...
من موسوعة الفنّ التّشكيلي اللبناني
بقلم: حسين أحمد سليم
فضل مصطفى زيادة، فنّان تشكيلي لبناني مغامر، جُبل من طينة صياغيّة منفردة، مزيجها روح أنسنة شّفيفة بنسائجها التّشكيليّة، و وشائجها الفنّيّة... عقلن قلبه بوعي الموضوعيّة، و قلبن عقله بعرفان الروّحانيّة، و إطمأنّ الذّات في رحاب كينونته العنفوانيّة... و راح يرسم أشكاله و ألوانه، صافية ممزوجة بالهدوء، لمواضيع تراثيّة، موغلة في القِدم، متحرّكة في ثباتها...
متواضع النّفس، ممتطيا براق معراجه الفنّي تشكيلا، ليؤلّف عالمه المغاير عن التّقليد و الإفتراض و المحاكاة... مُرسيا أسس و قواعد فلسفته الفنّيّة العصريّة، التي حمل نواتها من حِقب الأمس، ميراث تراث عريق، ليبذرها في رِحاب عصرنة الحداثة العصريّة... فإذا بها تنفلق من شرنقتها، لِتقيم صرح فلسفة فنّيّة تشكيليّة لبنانيّة عربيةّ، نسمع فيها أناشيد أخرى، كأنّها مزامير خشوعيّة تتناهى لجلاء شفافيّة بصيرتنا عبر جلاء أسماعنا، ترسم شخصيّة الفنّان التّشكيلي اللبناني فضل مصطفى زيادة. المغامر في رسم الخطوط و الأشكال و الألوان بعصرنة و ألوان شفّافة، تتناغم صياغة و حركة، بتجسيدات هندسيّة غنائيّة فريدة...
زيادة، توصيف ميّزاته في أسرار سماته، تلك التي وسمته فنّانا تشكيليّا مميّزا، مُبتكر الأفكار الموضوعيّة، فلسفيّ الرّؤى التّحليليّة، مُتأمّل الوجدان في بدائع عظمة الخلق، واسع الخيال في حركة فعل رصد الأشياء، تقنيّ التّجسيد في جبلات الموادّ و الألوان، مُبحر في المدى اللامحدود إستقراء آخر، و مُتفكّرا في جوهر الإبداع الآخر، لهذا الوجود العظيم الشّامل، و الغريب العجيب في عظمة بدائع الصّنع و التّشكيل بمجمل محتوياته و مكوّناته. ليبرز في السّياق التّعبيري الصّوفي، بتسطيحات لونيّة و شكليّة في بعض لوحات مراحله الفنيّة...
يُبحر زيادة في الرّؤى الفنّيّة، بلباقة و تأنّ، و اثق النّفس بما تختزن ذاكرته من ثقافة فنّيّة تشكيليّة، إستقاها من تجاربه الفنّيّة الكثيفة، درسا و تمحيصا و عملا، و هو يعيش ذاته كما هي مُطمئنّ النّفس، مرتحلا في مشهديّات روعة ما يتراءى له، و ما يتناهى لخياله من إستقراء ماورائيات هذه الدّنيا، ليبتكر أعماله الفنّيّة، تشكيلا لافتا من جوهر النّقطة الإشراقيّة... فتتجسّد بعد تجلّياتها الوجدانيّة، وامضة بمسحات من الجمال، الذي ترفل له البصائر قبل الأبصار، لتتماهى أمام جلاء بصيرتنا، قبل أبصارنا، عازفة على جلاء أسماعنا، موسقات أشكالها، المُتفتّقة من رحم مربّعاته الثّلاثة المُتداخلة، و هي تعزف ترانيم ألوانها على رؤوس شعيرات ناعمة، حانية الخلق و الإبداع...
الفنّ التّشكيلي، رسالة حملها فضل مصطفى زيادة، أمانة في مسار حياته، رفد بها مجتمعه اللبناني و العربي و مجتمعات أخرى، من خلال ممارسة التّدريس و التّجريب الجامعي الأكّاديمي... فكانت ثروة ثقافيّة حضاريّة، تركت في الوجدان الإنسانيّ الصّاحي، ما يُريح الذّات في كينونتها البشريّة، بحيث تتفاعل النّفس، بالأحاسيس المُتّقدة لسحر الفنّ التّشكيلي رسما، و حاملها يُطيل النّظر متعة أخرى، تتوالد من فعل نسيج و حبكات عناصر لوحة من لوحات فضل مصطفى زيادة، و التي تزدهي بالألوان المتموسقة الأطياف، العازفة على تشكيلاتها الفرح و السّعادة و البهجة... و هو ما يتلمّسه المتابع في لوحات مراحله، المجموعة الصّحراويّة، و التي تزدان بلوحة أهل الكهف الجداريّة، و مجموعة لوحاته الخارجة عن الزّمن... بحيث ترتسم شخصيّة زيادة، كمهندس فنّي بارع، يُركّز على حركة فعل التّناسق في بناء مشهديّاته الفنّيّة، و كأستاذ خبير بليغ في عمليّة الإبداع و متانة التّأليف الفنّي، رابطا بأثيريّة غنائيّاته الفنّيّة بين السّماء و الأرض...
الفنّانون يتبعهم المُفتتنون في سحر شاعريّات الألوان الفنّيّة التّشكيليّة. ففي لوحات فضل مصطفى زيادة، يُفتتن المتلقّي بسيّالات أطياف ألوانها، تلك الألوان المثيرة في جماليات توزيعها على صفحات اللوحات الكبيرة و الواسعة المساحة. و المختلطة في براعة تقنيّات إمتزاجيّاتها، أو تلك المُتفرّدة في وحدة أحاديّاتها... و لتلك الألوان سحرها، المتناسقة في طبيعة مجاوراتها، المتعاشقة في ثورة تنافراتها، المتحاببة في صور تناقضاتها. تلك الألوان ما هي إلاّ سيّالات من الضّوء المُنبعث من سيّالات إشراقيّاتها، راسمة في حزمها الضّوئيّة، أنوار إضاءة حانية لطيفة، تكوكب شاعريّة اللون على أوزان زياديّة. بحيث يعزف زيادة ترانيم الألوان على تقاسيم رؤوس شعيرات ريشته، ليتحسّس المتلقّي، برهافة مشاعره، و جماليّة تذوّقه، و يستوعب فلسفة عناصر مشهديّاته و لوحاته، التي تعكس جماليّة الحياة التي أنعم بها الخالق على مخلوقاته...
القاريء لفنون و تشكيلات فضل مصطفى زيادة، يتلمّس أنّ كلّ لوحة فنّيّة من تشكيلاته، و عبر جميع مراحله و تنويعاته، يتلمّسها أنّها إحتفاليّة فنّيّة، بعرس لونيّ عرائسيّ تجريديّ، تتنامى إنسيابيّا، من نقطة إشراقيّة إفتراضيّة، إلى شكل مربّع مُنمنم صغير واضح، فمربّع آخر منبسط و أكبر و اسع... يُصوّر الإبداع الجماليّة، في مشهديّات تُتوئم بين أديم الأرض و قبّة السّماء، مرتقيا نحوى العقلنة الرّياديّة، و الوجوديّة الحقيقيّة الواقعيّة، إنطلاقا من عالم الوعي الباطني، إلى عالم اللاوعي المنعتق من قيوده، و السّابح بين العالم الشّفيف و العالم التّرابي، ليحقّق تلك الرّفعة و السّموّ و الإرتقاء، تحرّرا من موبقات الأرض البشريّة، و ولوجا إنسيابيّا إلى الأرض الفلكيّة...
و الزّخرفة بتنويعاتها ما هي إلاّ جزيء من النّقطة الإشراقيّة، و كأنّها أيقونات شفيفة في تموضعها النّقطيّ، و النّقطة تتراءى للباصر، و كأنّها في ترتيب و تنسيق عناصرها المُدقّقة الأشكال و الألوان، و كونها في المدلول الفلسفي، محور الوجود برمزيّتها و التي حولها تدور كل العناصر... و كأنّها قد قُدّت من محاسن مشهديّات البعد الآخر، تتماهى منبسطة أمام المشاهد، ليرفل بصره لها، بسعادة بصريّة، و رهافة تنويعيّة، و عناصر متحابّة مُتأبّطة الأشكال، تعكس الكثير من التّساؤلات، حول هذا التّكامل بين جودة التّقنيّة و رسالة الفنّ التّشكيلي التي إئتُمِن عليها الفنّان التّشكيلي الدّكتور فضل مصطفى زيادة، و حملها أمانة مؤتمن عارف بأسرار الإئتمان الفنّي التّشكيلي...
القراءة المُعمّقة في لوحات الفنّان التّشكيلي فضل مصطفى زيادة، تعكس توصيف النّصّ الفنّي التّشكيلي، و الذي يُمكن تعريفه، بأنّ الفنّان زيادة، هو مهندس معماريّ خبير، و رسّام فنّي تقني جدير... يسكب معرفته المُعقلنة التّوازن في لوحته التّشكيليّة المتوازنة، بمعزل عن أيّ شيء آخر، لتأتي ثمرة تفكّر و نضوج، متكاملة مع تنويعات عناصرها الشّكليّة و اللونيّة... ليطِلّ الفنّان زيادة من خلال صياغات لوحاته، بعلاقاته الرّوائيّة الفنّيّة الأسطوريّة، و كأنه راوٍ من أساطين الرّواة، يحمل جرأة فنّيّة تشكيليّة، تتمحور في نتاجاته، لتمنحه توصيف مطرب أصيل، يُغنّي ألوانه على تراتيل تنويعات أشكاله...