" جران العود " والزواج الثاني

الدكتور عثمان قدري مكانسي


هو جِران العَود الحارث بن عامر . لقب عامرٌ جرانَ العَود لأنه كان قد اتخذ جلداً من جران ( عنق ) العَود، وهو ( الجمل المسنّ ) ليضرب به امرأتيه !.

وهو من أهل النصف الثاني من القرن السادس الميلادي ، ولعله أدرك السنوات الأولى من القرن السابع .. وذكر الأماكن التي وردت في أشعاره تدل على أنه من أهل العالية في الشمال الغربي من نجد ، قريباً من الحجاز .

يبدو أنه قد تزوج مراراً وأنه قد جمع بين امرأتين ، ولم يكن – على ما يبدو – سعيداًفي زواجه قط . ومع ذلك فقد جرب حظه مرة أخرى ، وكانت السن قد تقدمت به .. وهو شاعر فصيح العبارة ، لطيف المعاني ،مرح خفيف الروح يخلط الهزل بالجد شعره سهل عذب ، وفنونه الغزل والوصف .

وفي هذه القصيدة التي أوردتها لهذا الشاعر يصف ما لقيه من متاعب في زواجه ، بعد أن كان أُغرم بجمال مرأة ، ودفع لآلها مهراً كبيراً ، ثم تزوجها على امرأة كانت عنده ، فلقي منهما ما لقيه ! ... وفي القصيدة شيء من المرح كثير، ودعابة ينشرح لها قلوب الواقعين فيما وقع فيه الشاعر، ومن يود أن يقع فيه ولمّا يفعل !.

ألا لا يغُرّنّ امراً نوفليّةٌ = على الرأس ، بعدي ، أو ترائبُ وُضّحُ -1

ولا فاحمٌ يُسقى الدّهانَ كأنه = أساودُ يَزهاها لعينيكَ أبطُحُ -2

وأذنابُ خيلٍ عُلِّقت في عقيصة = تَرى قُرطَها من تحتها يتطوّحُ -3

فإن الفتى المغرورَ يعطي تِلادَه = ويعطي الثنا من مالِه ، ثم يُفضحُ -4

ويغدو بمسحاحٍ كأنّ عظامَها = محاجنُ أعراها اللحاءُ المشبِّحُ -5

فتلك التي حكّمْتُ في المال أهلَها = وما كلُّ مبتاعٍ من الناس يربحُ -6

لقد كان لي عن ضَرّتين – عدِمتُني - = وعمّا ألاقي منهما متزَحزَحُ -7

هما الغولُ والسِّعلاةُ ، حلقِيَ منهما = مخَدّشُ ما بين التراقي مُجَرَّحُ -8

تُداورُني في البيت حتى تَكُبَّني = وعينِيَ من نحو الهِراوةِ تَلمَحُ -9

وقد عوّدَتْني الوقذَ ثم تجرُّني = إلى الماء مَغشِيّاً عليّ أُرَنَّحُ -10

ولم أرَ كالموقوذِ تُرجى حياتُه= إذا لم يَرُعْه الماءُ ساعةَ يُنضَحُ -11

أقول لنفسي : أين كانت؟ وقد أرى = رجالاً قياماً ، والنساءُ تُسبِّحُ -12

خذا نصفَ مالي واترُكا ليَ نصفَه = وبِيْنا بذمٍّ ، فالتعزُّبُ أرْوَحُ -13

ألاقي الخنا والبَرْحَ من أم حازمٍ= وما كنت ألقى من رُزَيْنةَ أبرحُ -14

تُصَبُّرُ عينيها وتعصِب رأسها = وتغدو غُدُوَّ الذئب والبوُمُ يضبَحُ -15

ترى رأسَها في كل مَبدىً ومَحضَرٍ= شعاليلَ لم يُمْشَطْ ولا هو يَسْرَحُ -16

وإنْ سَرّحَتْه كان مثلَ عقاربٍ= تشولُ بأذنابٍ قِصارٍ وتَرمَحُ -17

ولمّا التقَيْنا غُدوَةً طالَ بيننا = سبابٌ وقذفٌ بالحجارة مِطْرَحُ -18

أُجَلّي إليها من بعيدٍ ، وأتّقي = حجارتَها حقّاً ولا أتَمَزَّحُ -19

عَمَدْتُ لِعَوْدٍ فالتَحَيتُ جِرانَه = ولَلْكيْسُ أمضى في الأمور وأنْجَحُ -20

خذا حَذَراً يا خُلّتيّ فإنني = رأيتُ جِرانَ العَوْد قد كان يصلُحُ -21
*******

1- نوفلية : غطاء تضعه المرأة على رأسها ليبدو شعرها أكبر حجماً وأعلى ارتفاعاً.

التريبة : جانب الصدر . وضح : بيض . يجب أن لا يغتر الإنسان بالجمال الصناعي .

2- الأساود : حيات سوداء . الأبطح : بطن الوادي . شعر فاحم يلتوي كالحيات السوداوات

3- الضفائر كثيفة طويلة كذنب الحصان .

4- الثنا عكس التلاد ، والتلاد القديم . يدفع الجاهل كل ماله للمرأة التي يغتر بها .

5- المرأة المسحاح : السريعة المشي ، وهذا عيب في المرأة . المحجن : العصا المعقوف . والمشبح : المقشر . .. تبدو المرأة دون زينة على حقيقتها جلداً وعظاماً فقط.

8- السعلاة : أنثى الغول .

9- تناوره الأولى حتى تكبه على وجهه ، ثم تضربه بالعصا الغليظة !.

10- 11- فإذا غاب عن الوعي رشت عليه الماء ليصحو .

12- تسبح : تعجب . يتعجب الرجال والنساء مما تفعل به زوجتاه .

13- يعرض عليهما نصف ماله إذا طلّقهما فحياة العزوبية أهون من بقائه معهما .

14- الخنا : قبيح الكلام . البرح : الأذى . يرى منهما السب والأذى .

15- تصبير العينين : صبغ ما حولهما . وضبح البوم : نعيبه : لا تتركانه ليلاً ولا نهاراً شتماً وسباً وإيذاءً .

16- المبدى : البادية . المحضر : المدن . الشعلول : الشعر المنفوش . لا تهتمان بزينتهما أبداً

17- فإن سرحت إحداهما شعرها رفعته كذنب العقرب تضرب به من خلفها .

20- 21- الخلة : الزوجة ... ليتقي شرهما عمد إلى عنق البعير فسلخه ، واتخذه سوطاُ يؤدبهما به ، وهذا ما يفعله العاقل مع زوجتيه الناشزتين .