شيشكيان ومغامرات أردوغان

كاظم فنجان الحمامي

فجرت مراسلة قناة آرتي الروسية (جياني شيشكيان Gayane Chichakyan)، قبل بضعة أيام، مفاجأة إعلامية من العيار الثقيل، بسؤال واحد أحرجت به الإدارة الأمريكية في عقر دارها، وجهته إلى الناطق باسم خارجيتها، للتعرف على حقيقة موقف واشنطن من الغزو التركي للعراق. فدخل معها في مواجهة كلامية حادة، بسبب إلحاحها على توجيه السؤال نفسه بصيغ مختلفة، ثم اتهمها بأنها تسأل أسئلة سخيفة جداً لا معنى لها.
أين الخطأ في أسئلة المراسلة الروسية ؟. هل ارتكبت تصرفاً مشيناً بتوجيهها لهذا السؤال المنطقي، الذي عجز عن توجيهه بعض قادة العراق ؟. كان سؤالها في منتهى العقلانية، فهو أما أن يقول لها: (أننا لم نعترض على مغامرات أردوغان)، أو يقول لها: (أن أمريكا تشجب تهوره، وتدين رعونته). أو يقول لها: (لا تعليق عندي الساعة حول هذا الموضوع)، ثم ينتقل بلباقته إلى سؤال آخر. لكنه تصرف بغباء دبلوماسي غير مسبوق، فزجرها بقوة، وأمرها بالتوقف عن توجيه أسئلتها، التي وصفها بالسخيفة. ثم عاد ليحاججها بغضب وانفعال واضح. قال لها: (ألا تخجلي من نفسك وأنت تحومين حول هذه الأسئلة المزعجة لتستفزي بها الإدارة الأمريكية ؟). لقد صدق الذي قال: (اللي بعبه صخل يمعمع). فما بالك بالذين يتأبطون شرور الإرهاب، ويضمرون العداوة للعراق وأهله.
كررت (جياني) سؤالها مرات ومرات، فقالت له: (لماذا لم تعترض أمريكا على التوغل التركي داخل الأراضي العراقية ؟)، فقال لها: (أنا على يقين تام أن حكومتك الروسية لن تسمح لك بطرح مثل هذه الأسئلة عليها، لكنكم أنتم الروس تأتون هنا لتحرجونا بأسئلتكم السخيفة، فتوجهونها إلينا كيفما تشاءون)، فردت عليه بهدوء، وقالت له: (أين هو السؤال السخيف يا سيدي، هل تستطيع أن تدلني عليه، فتضع يدك على جملة واحدة من تلك العبارات التي تراها أنت سخيفة، حتى يتسنى لي تصحيحها ؟). فغادر المؤتمر الصحفي غاضباً منزعجاً، معلناً عن هزيمته المنكرة أمام حشد من المراسلين الأجانب، الذين لم يستطيعوا كتمان ضحكاتهم الساخرة، وهم يرونه يفقد أعصابه، ويسقط بضربة قاضية واحدة. سددتها له مراسلة ذكية، فطرحته أرضاً بسؤال مباشر يستحق المناقشة.
جياني. واسمها الكامل (جياني شيشكيان موران). روسية من أصل أرميني. تعمل في قناة روسيا اليوم، وتجيد اللغات الروسية والأرمينية والإنجليزية. تبوأت المركز الأول في قائمة المراسلات الحسناوات، متقدمة على (31) مراسلة من كافة أرجاء العالم، بيد أنها تفوقت على الكثيرين بجرأتها وصلابتها، وبلاغتها اللغوية في التحاور المباشر مع الإدارة الأمريكية، حتى وصفوها بالمراسلة المجنونة، التي لا تكف عن توجيه ضرباتها القاضية لمن تتحاور معه، وبخاصة عندما يكون ممثلا عن البنتاغون.
ترى ما الذي يمنع جماعتنا من توجيه هذا السؤال لأقطاب العملية السياسية، الذين تشتتوا في مواقفهم (الوطنية)، فوقف فريق منهم مع العراق، ووقفت شلةٌ فاسدة مع البهلوان (أردوغان)، بينما فضل المراوغون اللعب على حبال الانبطاح والتخاذل ؟.