النعاج على أشكالها تقع

كاظم فنجان الحمامي

لم يتوغل أتراك البهلوان (أردوغان) في ربوع العراق بسبب عشقهم الأناضولي لخمور (بعشيقة)، ولم يزحفوا بأفواجهم المدرعة لممارسة لعبة صراع الأبدان المُزيتة (Yağlı güreş) في أرض لم يعد لهم فيها وجود، ولم يتسلقوا تلال (تل عفر) المعفرة بالدم لينقلوا رفاة ولاتهم المدفونين في مقبرة (الألاي بك)، بالطريقة التي نقلوا بها رفات السلطان (سليمان شاه) من سوريا، ولم تشفع لهم مراوغاتهم الاسطنبولية، التي حاولوا تسويقها إعلامياً لتبرير غزوهم للعراق. فقد ظهر البهلوان (أردوغان) على حقيقته منذ اليوم الذي تولى فيه رئاسة الحكومة التركية، التي دأبت منذ نهاية الحرب العالمية، وحتى يومنا هذا على تخصيص ليرة واحدة من ميزانيتها السنوية لإعمار ولاية الموصل، التي يعدونها من الولايات العثمانية المغتصبة برواية حزب (الاتحاد والترقي) أو برواية (أتاتورك)، آخذين بنظر الاعتبار أن مفردة (ترقي) لا علاقة لها بالرقي والارتقاء، وإنما تعود لمدينة (تراقيا) التي تحولت إلى (تركيا) في معاجم الاستبداد والتسلط.
فالبهلوان (أردوغان) لم يستطع تحمل آلام الضربات الجوية الروسية، التي استهدفت مقار عصاباته الداعشية، ولم يستطع تحمل لهيب الحرائق النفطية، ونيراها التي التهمت مئات الصهاريج المحملة بالبترول المهرب، قُبيل وصولها إلى محطات القرصنة التركية، ولم يستطع تحمل انتصارات الحشد الشعبي العراقي على عصاباته الشريرة، ولم يستطع تحمل أخبار هروب عناصر الدواعش من أوكارها السورية والموصلية، وبالتالي فأنه أدرك أن أمواله التي أغدقها على تسليح التنظيمات الظلامية ستذهب في مهب الريح، في الوقت الذي لم تكن فيه التعزيزات المالية واللوجستية التي يقدمها له عرب البنتاغون بالمستوى، الذي يجعله يواصل تنفيذ مخططات التقسيم والتجزئة في سوريا والعراق، وتبين له أنه سيفقد حصته المتفق عليها مع الحلف الرباعي، الذي جمعه مع الأمريكان والصهاينة وأمراء الدويلات الخليجية المتآمرة على العروبة والإسلام. فقرر التوغل بوحداته القتالية من أجل تحقيق أهدافه التوسعية الموروثة، ومن أجل ضمان تدفق النفط المسروق من حقول العراق، ومن أجل توفير الحماية لفلوله الداعشية المُحاصرة داخل الثكنات الموصلية المهددة بالزوال بين ليلة وضحاها، ومن أجل طمس آثار التورط التركي مع قيادات الدواعش، ومن أجل بناء علاقة مريبة مع إقليم كردستان، وبخاصة مع القيادات الكردية، التي دفعتها غريزتها الجبلية لشطب ديمقراطية (كاوا الحداد) من مستقبل الإقليم.
أردوغان هذا عثماني الهوى، ويسعى لإحياء دولة (الرجل المريض)، التي كانت تبسط نفوذها على الوطن العربي كله بذريعة التمسك بالخلافة الإسلامية، فاقتحم خيمة السيرك السياسي متسلحا بصواريخ (الناتو)، ليدخلها من بوابتها القطرية بعمامة أناضولية متعددة الأبعاد، ويتسلل إليها من المضارب الموغلة في متاهات الفقه الدموي.
أما الذين تآمروا علينا من المحسوبين على العراق، والذين ساروا بمحض إرادتهم القبجاقية من أجل إعادة أمجاد دولة (الخروف الأسود)، أو دولة (الخروف الأبيض)، فلا مكان لهم بيننا بعد الآن. ويتعين عليهم البقاء مع الخراف والأغنام الخانعة، فالنعاج على أشكالها تقع.