الأسد "نيرون" وصديقه القرد "سرون "

يحكى قديما، أن هناك أسدا ضخما جميلا، ذا جلد ناعم، وفرو بني اللون، ضارب إلى الصفرة، كان يعيش في غابة كثيفة الأشجار مع مجموعة من الحيوانات، و في كل مرة يصطاد حيوانا كالغزال، أو الثعلب فيأكله.
تألمت بقية الحيوانات و أصابها الفزع، و أصبح الكل يعيش مع هذا الأسد في خوف مستمر ماعدا مجموعة من القردة، كانوا يتباهون بذكائهم لأنهم يعيشون فوق أغصان الأشجار، ولا يقدر هذا الأسد الإمساك بهم أو اصطيادهم و إيذاءهم.
كبر الأسد نيرون، و أصبح طاعنا في السن، و لم يعد يقدر على اصطياد أي حيوان في الغابة، فالتجأ إلى العيش وحيدا في مغارة حفظا لماء الوجه، و ما لحقه من إهانة لدى الحيوانات الأخرى، حيث أصبح بسبب عجزه محل تهكم و سخرية، رغم انه ملك الغابة فحز في نفسه، و قرر العيش بعيدا عنهم.
فرحت كل الحيوانات، وأصبحوا يعيشون في سلام و أمان بلا خوف من شره، ماعدا قرد وحيد يدعى سرون، ظل على عهده يحترم ملك غابته الأسد نيرون، و يحن إليه و يجلب له من حين لآخر طعاما.
سعد الأسد نيرون عندما رأى القرد سرون يدق باب بيته، و هو في المغارة، و أذن له بالدخول.
تقدم القرد سرون نحوه، و قال: يا ملك غابتنا، نحن معشر القردة باقون على العهد، نحترمك لأنك لم تضر أحدا منا، و اليوم و قد هرمت، فإننا رغم ذلك لا نسمح لأنفسنا بأن نقلل من احترامنا لك، لذلك جئت أحمل طعاما لك فهل تقبل؟
رد عليه الأسد مبتهجا: شكرا لك أيها القرد سرون، لقد قبلت، لأني منذ مدة لم أجد أي شيء آكله، فكما ترى لقد أصبحت طاعنا في السن، و لم أعد أقدر على اصطياد و لو قطة. إنك حقا نعم الوفي و هكذا الأصدقاء تعرف وقت الشدة.
ضحك القرد سرون، و قدم لصديقه الأسد العجوز الطعام، و قال: صحيح أن هذا طعام قليل، و لا يكفي لملك غابتنا، و لكن سأفعل المستحيل لأجلب لك المزيد من الطعام في المستقبل، فأنت أسد مهاب و ستظل دائما مهابا.
أكل الأسد الطعام الذي قدمه له القرد سرون، ثم بقي يفكر بينه و بين نفسه، و قال: لو أكلت القرد سرون من سيجلب لي الطعام. سأحافظ على صداقته لي لكي أعيش ما تبقى لي من عمر.
كان القرد سرون في كل يوم يأتي له بالطعام، و كان الأسد نيرون يأكل و هو سعيد بصديقه القرد .. و بعد الانتهاء من الأكل نظر لسرون و قال له: أيها القرد لماذا لا تقترب مني أكثر فأنت الآن صديق حميم لي؟
خاف القرد و اضطرب، و قال: و كيف لي أن اقترب منك، و أنت مازلت أسدا متوحشا؟
قال الأسد نيرون: أتخاف مني، و أنا صرت عجوزا.
رد عليه سرون القرد: هذا شأنك يا ملك الغابة، و لكني كقرد أفضل أن أكون بعيدا عنك، و لا أسمح لنفسي بالاقتراب منك ما دمت حيا، فقد تأكلني و تترك الطعام الذي أجلبه لك.
ابتسم الأسد نيرون و همهم ثم قال: يا لك من أحمق، أتخاف مني، و أنا قد هرمت و أصبحت عاجزا هههههه، ثم كيف لي أن آكل صديقا وفيا يفكر في لقمة عيشي؟
ابتسم القرد و قال: لا يمكن أن أثق فيك يا صديقي، فأرجو أن لا تغضب مني.
رد عليه نيرون: و لكن، لماذا لا تثق في؟ و أنت صديقي.
قال القرد سرون: لأنك أســــــــد.
ظن سرون القرد أن الأسد نيرون ما يزال على عادته السيئة، يريد إيذائه ، فخاف و لم يعد يجلب له الطعام.,,,
طالت المدة فغضب الأسد، و احتار و قال في نفسه: ترى ماذا جرى لصديقي سرون؟ إنه لم يعد يجلب لي طعاما فخرج من مغارته، و أخذ يبحث عنه في كل مكان بالغابة و أخيرا وجده على شجرة.
في الأثناء كان الثعلب "قرون" يراقبهما فسمع ما دار بينهما من حديث، و قرر الثعلب إيذاء القرد، و أسرع إلى مغارة الأسد، و اختبأ هناك ينتظر مجيء القرد لصديقه الأسد نيرون.
كان الأسد يتحدث مع صديقه القرد سرون، و كان الثعلب قرون ينصت لما قاله الأسد.
إني أعطيتك الأمان يا صديقي القرد، سأنتظرك بمغارتي، و أرجو أن تجلب لي طعاما فاني على وشك أن أهلك بسبب الجوع.
ذهب الثعلب قرون الماكر إلى المغارة مكان وجود الأسد نيرون، و اختبأ في مكان ينتظر مجيء القرد سرون، و فور وصوله انقض الثعلب على القرد على حين غفلة، و افتك منه الطعام و اندلعت معركة بين الثعلب و القرد.
كان الثعلب يظن أن الأسد لم يعد قويا، و أنه سيكون عاجزا لو هاجم القرد، لكن ظنه لم يكن في محله، فعندما سمع الأسد أن صديقه القرد يواجه معركة شرسة مع الثعلب، وثب عليه و شل حركته وافتك منه القرد سرون، و واصل الأسد العجوز إلى أن قضى على الثعلب الماكر، و جعله وجبة شهية له و نال جزاءه.
وهكذا يا أصدقائي الصغار، عرف القرد سرون أن صديقه الأسد نيرون كان قمة في الوفاء و الإخلاص، رغم أن الأسد حيوان متوحش، وهو رمز للقوة والبأس والسيادة، و قوي، تميز بالوفاء بالعهد، و هو شرفٌ يحمله كل كائن حي على عاتقه، و قيمة أخلاقية عظمى، بها تُدعم الثقة بين الأفراد، وتؤكد أواصر التعاون في المجتمع، وهذا أصل الصدق وعنوان الاستقامة.
رضا سالم الصامت