عقاب الشعوب المفككة

كاظم فنجان الحمامي

علمتنا الحياة أن الاتحاد قوة، والتفكك ضعف. وعلمتنا الأيام أن القرى المتراحمة أشد بأساً من القرى المتخاصمة، وأن القرى العادلة خير من القرى الظالمة، (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ).
وعلمتنا الديانات السماوية أن الله مع الصابرين المؤمنين المتحابين، لكنه لن يرحم المفسدين، ولا العابثين، ويرفع بركاته عن القوم الضالين، فيسلط جام غضبه عليهم حتى يعودوا إلى رشدهم، وحتى يتراحموا ويتحابوا ويتعاضدوا.
يحكى أن أبنة (هولاكو) الزعيم المغولي السفاح، كانت تتبختر في شوارع بغداد، فرأت جمعاً من الناس، يلتفون حول رجل يعلمهم قواعد التلاوة، فأمرت بإحضاره بالقوة، فلما مثل بين يديها، سألته: ألستم المؤمنين بالله ؟.
قال: بلى.
قالت: وهل تزعمون أن الله يؤيدكم بنصره ؟.
قال: بلى.
قالت: ألم ينصرنا عليكم ؟.
قال: بلى.
قالت: ألا يعني ذلك أن الله يحبنا ويكرهكم ؟.
قال: كلا.
قالت: كيف تقول (كلا) وأنت ترانا نحتل بلادكم، وننهب ثرواتكم ونتحكم بكم كيفما نشاء ؟.
قال: هل تعرفين راعي الأغنام ؟.
قالت: كلنا يعرفه.
قال: ألا تعلمين أن قطيعه يضم بعض الكلاب ؟.
قالت: بلى.
قال: ما الذي يفعله إذا تشتت أغنامه، وخرجت عن سيطرته ؟.
قالت: يسلط عليها تلك الكلاب لتعيدها إلى القطيع.
قال: وكم تستمر مطاردة الكلاب للنعاج الشاردة من القطيع ؟.
قالت: ما دامت شاردة.
قال: أنتم المغول كلاب الأرض وضباعها، وطالما بقينا مبعثرين مفككين متناحرين متخاصمين متنافرين، فستطاردوننا وتسعون للنيل منا، حتى نعود إلى تكاتفنا وتلاحمنا وتوادنا وتراحمنا، وحتى نرجع إلى صوابنا، فنتماسك داخل أسوار هذا الوطن الكبير.
انتهت الحكاية، لكننا بحاجة إلى تذكير أنفسنا بهذه الحقيقة المؤلمة، فنقول: هل عرفتم لماذا تسلط علينا الطغاة والغزاة ؟، ولماذا أكلت زرعنا الحشرات ؟، ولماذا أصبحنا لعبة بيد الأغبياء والقتلة ؟، فمتى نعود إلى رشدنا، ونوَّحد صفوفنا من جديد، بإرادة صلبة قوية، ونقف صفاً واحداً في مواجهة غربان الفساد، وجرذان الخراب، وديناصورات الدمار، وتماسيح الطائفية ؟.