موظفون بلا رواتب

كاظم فنجان الحمامي

من عجائب المعالجات الارتجالية وغرائب الشطحات التشريعية في العراق الجديد، إن أحجار وصخور الانهيارات المالية المتسارعة، التي رافقت تدهور أسعار النفط، تناثرت ووقعت كلها فوق رؤوس أصحاب الدخل المحدود، وإن تسونامي القرارات المتوالية، التي فكرت بها الحكومة، في مواجهة بعبع العجز المالي، تمحورت كلها في إعلان الحرب على الموظف البسيط، وحرمانه من مخصصاته المهنية وحوافزه الوظيفية، وخطف آخر فلس من محفظته المثقوبة.
لقد باشرت الحكومة بحملات التقنين والترشيد والتقشف منذ بضعة سنوات، فبدأت بحرمان كبار الموظفين من الحصة التموينية، ثم تبنت قراراتها المتسارعة لتقليل نفقات الأقسام التشغيلية الفاعلة، وفكرت بتسريح موظفي العقود، وعمال الأجور اليومية من الوزارات وشركات التمويل الذاتي، وقررت تعليق التعيينات الجديدة إلى أجل غير مسمى، ثم وضعت سُلَّما جديداً للرواتب فوق ظهر الموظف المثقل بأعباء الأسرة، وتقدمت باقتراح عجيب يقضي بصرف الرواتب الشهرية كل 40 يوماً بدلا من كل شهر بذريعة عدم وجود سيولة كافية لدفع الرواتب، وامتنعت عن تمديد خدمات الموظفين المتميزين المحالين إلى التقاعد، فشملت بقرارها هذا أساتذة الجامعات، وكأنها لا تدرك أهميتهم، ولا تدري بأنهم يمثلون النخبة المنتخبة من الخبرات الوطنية النادرة، وتقدم بعض البرلمانيين قبل سنوات بمشروع يقضي بحجب وتصفير رواتب المعلمين والأساتذة عند تمتعهم بالعطلة الصيفية، ثم وضعت الدولة سياقاً مبتكراً لترويج معاملات التقاعد المبكر، وفكرت بتبني منهجية التقاعد القسري على الذين تجاوزوا عتبة العقد الخامس من العمر. فأحالت المئات من موظفي الشركات التابعة لوزارة الصناعة والمعادن إلى التقاعد الاجباري، وفتحت أبواب الترغيب للتقاعد. الأدهى من ذلك إن الدولة نفسها، وعلى الرغم من تماديها بالضغط على الموظف، هي التي تدعوه من وقت لآخر للتبرع بما تبقى من راتبه لدعم برامجها الاجتماعية وأنشطتها الصحية.
ربما يتفق المحللون على أن الموظف العراقي صار عبئاً ثقيلا على الدولة، وربما يتفقون معنا على أن مشاريع معالجة أزمة البطالة لن ترى النور في عام 2016 ولا في عام 2026 ، فالموظف في نظر الدولة هو الديناصور الخرافي، الذي سيلتهم مواردها ويرهق ميزانيتها. فهل ستشطح بها أفكارها إلى اليوم الذي تقرر فيه خصخصة الوظائف العامة، واستبدال التوظيف بالتعاقد مع موظفين مؤقتين، يؤدون الأعمال المنوطة بهم لمدد محددة، ثم تنقطع صلتهم بالشركات الحكومية، التي يعملون فيها بصفة مؤقتة ؟، وهل ستختفي الوظائف الثابتة من تشكيلات المؤسسات الحكومية ؟، وهل ستصبح متساوية تماماً مع أنظمة العمل في القطاع الخاص ؟، ثم ألا تعني هذه الخطوات (المحتملة) إن الدولة تتجه نحو التخلي عن مبررات وجودها ؟، بمعنى إنها ستقتل نفسها بنفسها، وتنتحر بخناجر حروبها المعلنة على صغار الموظفين. والحديث ذو شجون. . .