س1- كيف يمكن بناء تجربة فلسطينية ؟
أولا: بناء تجربة فلسطينية تستجيب لمتطلبات الصمود:ليلبي احتياجات مرحلية ، ويتناغم مع فلسطين كدولة تحت الانشاء قابلة لإعادة التشكيل.
نظريا : (نقصد بها التنظير للأفكار العملية قبل الاقدام عليها من باب التعبئة المجتمعية)
1. (التفكير) بتوفير ركائز تنمية الصمود والتي تتمثل بـ: التوافق المجتمعي للشعب الفلسطيني على هذه الركائز وقواه الفاعلة وطلائعه المجتمعية بتشكيل جماعات الضغط والمناصرة واللوبي المؤثر في تحقيق عملية الصمود المنشودة.وإعادة ثقافة التضحية والعطاء لمختلف ابناء وطبقات ومناطق الشعب الفلسطيني اولها التخلص من الادران التي علقت في الثقافة المجتمعية بعد اتفاق اوسلوا (تقاسم الكعكة وتوزيع الغنائم بين الفصائل والمتنفذين) تمويل عملية الصمود ، واختيار المصادر غير المشروطة ، في كل أبعادها الاقتصادية والاجتماعية. مأسسة العمل وخلق مؤسسات تعتمد الاجندة الوطنية قبل اي اجندة اخرى اقليمية او دولية.
2. اعادة تصويب عمل النظام السياسي و تغيير سلوك القيادة السياسية والمجتمعية بحيث تبقى بوصلتها نحو الاهداف الوطنية بالانشغال الكامل اليومي والدؤوب نحو أهداف الصمود. وتفعيل ثقافة التحدي وإبقاء جذوته في نفوس الأجيال وديمومتها ، حيث ترى هذه الاجيال المستقبل من خلال واقعها .
3. تحديد احتياجات الصمود وترتيبها حسب الأولويات ووضع معايير ومقاييس تحدد هذه الاحتياجات وأولوياتها .
4. أول هذه المعايير والمقاييس ما هي القيمة المضافة لكل حاجة و ما هي التكلفة البديلة لها؟! بحيث يؤخذ بالحسبان اقصى ما يمكن استثماره واستغلاله للموارد الفلسطينية المتاحة بديناميكية تشغيل تسعى للوصول إلى التشغيل الكامل لهذه الموارد.
5. جدولة نشاطات عملية لمختلف المؤسسات الوطنية في كل من القطاع العام والخاص، ليعملا معا وبتناسق تام، بتحقيق هذه التجربة والمساهمة فيها من خلال توزيع الادوار وتحديد المهمات.بحيث يكون العمل بنائي متراكم ومتكامل.
عمليا:
1. انهاء حالة الانقسام والتشرذم الموجودة بين شقي الوطن وإعادة اللحمة الوطنية والمجتمعية التي تفسخت بفعل الانقسام في غزة.(أو استثمار هذا الانقسام بطريقة ما ). من خلال ابقاء حالة الحوار والنقاش و التفاوض للوصول إلى رؤيا مشتركة والعمل على نقاط التقاطع التي تجمع الكل. برنامج صمود وطني متفق عليه من الجميع.
2. ابراز القيمة الثقافية في العملية التنموية من خلال اعادة الرمزية للقضية الفلسطينية واستقطاب الداعمين والمؤيدين لها من خلال هذه الرمزية، القدس - محط انظار كل الديانات خاصة للمسلمين+بيت لحم للمسيحيين.وكذلك الخليل وكل الأماكن المقدسة- تكن بؤرة استقطاب لأنظار العالم.
3. بدء العمل على تصويب النظام التعليمي، ليصبح نظاما يسهم في إنتاج المعرفة، من خلال إعادة تدريب وتأهيل الكادر الوظيفي الموجود ضمن خطة تطويرية، التشبيك مع المؤسسات المنتجة للكوادر التعليمية (الجامعات الفلسطينية)بحيث تحدد احتياجات السوق من القوى العاملة والخريجين، حيث يشكل خريجو الجامعات النسبة الأكبر في صفوف البطالة، وانتهاج منحى التعليم والتخصص وفق احتياجات السوق الفلسطينية والعربية، في حال أُشبع السوق الفلسطيني من العمالة المتخصصة.
4. تصويب أداء القيادة السياسية ، بكل نشاطاتها والحد من تزايد حالات الفساد الإداري والمالي، بتفعيل القضاء واستقلاله.
5. اعتماد خطة تنموية شاملة – اقتصادية واجتماعية –تشمل كافة المناطق والفئات والقطاعات، وتغيير سياسات الحكومات المتعاقبة الاقتصادية بحيث تنتهج منهج التقشف والحفاظ على المال العام.
6. استثمار الميزات التنافسية المتوفرة في المجتمع الفلسطيني ونقاط القوة وتعظيمها – وتحديد نقاط الضعف وجاوزها، و من نقاط القوة : قدسية الارض من خلال محاكاة الجماهير المتدينة في العالم ، مسلمين ومسيحيين،ويهود معادين للصهيونية، فالأقصى أولى قبلة المسلمين ، والمهد مكان ميلاد المسيح عليه السلام، فليكن شعار السياحة الفلسطينية الدينية – "المسيح فلسطيني".
7. اسناد المهمات الادارية والقيادية بمعيار الكفاءة (الوزارات ) لذوي الاختصاص والخبرة من أكاديميين وخبراء وعلماء وما يتوفر منهم في الشعب الفلسطيني. واعتماد مبدأ تقييم الأداء بالاختبارات والمقاييس الموضوعية والعلمية لأداء هؤلاء القادة و طواقم عملهم.
8. اعادة النظر في كل الاتفاقيات الموقعة مع الاحتلال، وتنفيذ ما يقابله الاحتلال والتمرد على كل ما يتنكر له تأسيسا للانسلاخ المطلق من هذه الاتفاقيات التي كبلت التنمية ألفلسطينية خاصة في الجوانب الحياتية والموارد الطبيعية الفلسطينية كالمياه والكهرباء والأراضي الزراعية وغيرها، و خاصة اتفاقية باريس الاقتصادية.كأحد اهم المعيقات للتنمية الاقتصادية الفلسطينية.لإنهاء" توظيف الخصخصة في القطاعات المختلفة واستغلالها سياسيا في هضم حقوق الشعب الفلسطيني".(بالتصرف:التميمي ، عبد الرحمن،"المؤتمر السنوي العشرون"مجلة آفاق برلماني، منشورات مواطن، المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية – رام الله،عدد 2،مجلد 8،17/تشرين 2/2014، ص(9،10))
ثانيا: تنمية من اجل ألتحرر لبناء تجربة من اجل التحرر لا بد من اعتماد تحقيق ثلاث ركائز اساسية هي محل تقاطع لأي تجربة تنموية، وهي: ركيزة الإرادة السياسية، الركيزة ألاقتصادية الركيزة ألاجتماعية.
ونقطة الارتكاز لهرم التنمية التعلم وإنتاج العلم.وصولا إلى بناء الاقتصاد المعرفي والذي بات أكثر إثراءً للمجتمعات من الاقتصاد الصناعي التقليدي.الذي ستبنى عليه الثورة الصناعية الثالثة(الطاقة البديلة، الاتصالات الرقمية، عولمة النقل والمواصلات)
• الركيزة الاقتصادية : الاجراءات الاقتصادية التي يجب إتباعها من اجل إنشاء تجربة تحررية، بشعار" نبني ذاتنا فيما نحرر أنفسنا".بالخطوات التالية:
1. الاستقلال الاقتصادي وإنهاء ربطه بالاقتصاد الإسرائيلي من خلال عدة إجراءات باتباع سياسات اقتصادية(مالية+ نقدية+ تجارية+ صناعية+زراعية ،،،الخ) شمولية التنمية (أفقيا وعموديا) في مختلف القطاعات والمناطق الجغرافية والفئات المجتمعية، وأول هذه الإجراءات تفعيل القانون واستقلالية القضاء، وإنصاف الفئات والمناطق الريفية و المهمشة، إنشاء المناطق الصناعية، استثمار تعدد وتنوع الجغرافيا الفلسطينية ومناخها وأنواعها من الاغوار و الصحراء والمناطق الجبلية والسهول المتوفرة.
2. الجانب الصناعي والزراعي: توزيع الإنتاج التخصصي كل بما يتمتع به- من عنب الخليل وزيتون سلفيت، وخضروات سهل مرج بن عامر، جنين، ومقالع الحجر في بيت لحم وجماعين- كموارد طبيعية، واستغلال كل المنتجات منها ، بتصديرها للأسواق العربية والإقليمية وحتى العالمية،وإيجاد الصناعات التحويلية للموارد الطبيعية والاستثمار بوسائل الشراكة بين هذه المنتجات وبناء التراكم عليها ، و تنويع محاور الإنتاج للاقتصاد الفلسطيني، والخروج من صفة المجتمع الاستهلاكي إلى المجتمع العامل والمنتج بخلق قيم وثقافة الإنتاج،من خلال التحول من سياسة الإحلال للمستوردات إلى سياسة التصدير، إنهاء حالات ومظاهر الترف والبذخ عند بعض الفئات المجتمعية من خلال السياسات المالية – الضرائب التصاعدية، واعتماد سياسات نقدية – بإصدار عملة فلسطينية – أو إنهاء التعامل بالعملة الإسرائيلية والحد من حالات تسرب رأس المال الفلسطيني إلى الخارج وتشجيع الاستثمار الفلسطيني والعربي والأجنبي من خلال تسهيلات وسياسات ضرائب واضحة ومشجعة.
• الركيزة الاجتماعية : خلق ثقافة اجتماعية تقوم على حرمة الدم الفلسطيني وتحريم وتجريم الانتهاكات له – لتوفير الاستقرار السياسي وتعزيز روح الديمقراطية فعليا من خلال التداول السلمي للسلطة والحكم وتعميم ثقافة قبول الآخر وصهر كل التباينات والاختلافات والمشارب الفكرية والتعددية التنظيمية لصالح العملية التنموية.
-----------------------------------------------------------------------------------
السؤال الثاني: كيف يمكن ترجمة الارادة السياسية إلى خطوات عملية لبناء تجربة تنموية ناجحة؟
• ماذا نقصد بالإرادة السياسية؟ الارادة تعني العزيمة والرغبة مع القدرة على تنفيذ الشئ ليخرج من مكنونات النفس للواقع وهي المميّز للإنسان عن غيره من المخلوقات، السياسية كيفية سياسة الأمور والأحداث وإدارته ليكن التعريف الاجرائي الذي نقصده : " هي النظام السياسي القائم والحاكم وأدواته وإجراءاته، وطريقة إدارته للحكم في البلد، وتنعكس في مرآة جهود ونشاطات وممارسات محددة يقوم بها الأشخاص في السلطة السياسية لتحقيق أغراض اقتصادية واجتماعية ومؤسسية. إن نقص الإرادة السياسية، أو فقدانها/ هو واحد من أهم القيود والمعوقات لعملية التنمية وواحد من الأسباب الرئيسية لفشل كثير من خطط التنمية ". (لا تبتعد الإرادة السياسية عن المعنى الذي يحمله مفهوم الإرادة، إذ تنصرف الإرادة السياسية إلى الأفعال أو بشكل أدق إلى الفعل السياسي الواعي والحر، والذي لا تتدخل فيه إرادات خارجية إملاء أو إكراها أو إغراء، إلا أن تكون الإرادة السياسية انعكاسا لما أطلق عليه روسو الإرادة العامة، فهي –أي الإرادة السياسية- في هذه الحالة، تتمتع بالشرعية والمشروعية، ناهيك عن تمتعها بالصلابة، بمعنى آخر فإن الإرادة السياسية لنظام ما تكتسب روحيتها وواقعيتها وطاقتها عندما ترتكز للإرادة العامة، التي تفهم وفق روسو، بأنها الإرادة الثابتة لجميع أفراد المجتمع، والمستمدة من تاريخه وحاضره وتطلعاته، هي إرادة المجتمع المتمتع بحريته(((.
فالإرادة السياسية اذا ما توفرت في المؤسسة الحاكمة تعني الرشد السياسي والحرية في اتخاذ القرار بإرادة ورؤيا وأهداف تحقق رسالة المؤسسة الحاكمة لتشكل نظام متوازن في علاقاته الداخلية والخارجية، يقود البلد إلى تحقيق التنمية بكل أبعادها وأشكالها وأنواعها ، وغياب الارادة السياسية يعني فقدان الحرية في اتخاذ القرارات عن القيادة السياسية او القوة الحاكمة وتعكس الانتماء للذات والابتعاد عن المجتمع والشعب الذي يحكمه هذا النظام السياسي.
• ومن اجل بناء تجربة تنموية ناجحة تعكس الارادة السياسية يجب ان تقوم المؤسسة الحاكمة(نظام الحكم) بخطوات تدلل على إرادتها السياسية وتحكمها في(( ثلاث أبعاد رئيسية وهي : القدرات المادية(قوة علمية،عسكرية، عدد السكان، الموارد الطبيعية،) القدرات المعنوية(تماسك المجتمع، تجانسه، ثقافته،الروح المعنوية، ايدلوجيته، انفتاحه، رضاه عن السلطة) إدارة المتغبرات المادية والمعنوية (توظيفها لتحقيق أكبر مكاسب ممكنة أو أقل الخسائر، عبر المفاوضات او بناء التحالفات، او استخدام القوة التي تمتلكها، او المزاوجة بين هذه الوسائل)).( )
• تتلخص الخطوات العملية التي يجب ان تمارسها السلطة الحاكمة لتعكس ارادتها السياسية بشكل عام – وتندرج على الحالة الفلسطينية بشئ من الخصوصية بما تمثله الحالة الفلسطينية من مفردات عمل خاصة تبنى على خصوصية الوضع الفلسطيني كدولة في طور الانشاء والبناء وتقع تحت الاحتلال- :
اولا: بشكل عام / تحصين القيادة السياسية – من خطر انحراف البوصلة عن الرؤيا الوطنية والتي يمثلها المشروع الوطني في التنمية لخلق تجربة تنموية مميزة، والاستفادة من التجارب العالمية في هذا المضمار،كما كوريا وايران ورائدتها سينغافورة، وماليزيا، وتركيا واسرائيل وغيرها ،، (حيث اعتمدت الارادة السياسية على الاستقلالية بإجراءاتها وبقراراتها مثال: ماليزيا – لم تكترث بتوصيات او شروط صندوق النقدي والبنك الدوليين في الازمة الآسيوية واعتمدت على تمويل مشاريعها والتعافي منها بتمويل ذاتي وداخلي بعيدا عن القروض وأثبتت نجاعتها / كذلك ايران تحدوا العالم بعقوباته /كذلك اسرائيل ) كل بما يميزها عن غيرها، عملية التحصين (المناعة) هذه نعني بها دوام الرقابة ألمجتمعية مؤسسات تمثل المجتمع – مجلس تشريعي ومؤسسات أهلية ومن خلال ادوات ديمقراطية – المشاورة والحوار قبل اتخاذ القرار.
ثانيا: التحرر والحرية باتخاذ القرار ولا يكون هذا ممكن للقيادة السياسية الا اذا تحررت في محاور التنمية – حرية اقتصادية وحرية مجتمعية لتتوجها الحرية والإرادة السياسية- الحرية بامتلاك رؤيا مستقبلية، وتشكيل بيئة مجتمعية حاضنة قادرة على التكيف مع التطورات المطلوبة للعملية التنموية.ومعايشة ومحاكاة التطورات التقنية واستثمارها بالوجه الذي يخدم العملية التنموية.
ثالثا : سيادة القانون وإدارة المؤسسة، ومنع (التبول اللاإرادي) الجزافية لدى القيادة السياسية. (مجازا- مرجع سابق)وعدم الارتهان لرؤيا فردية تمثل الديكتاتورية كما العالم الثالث، او الدول النامية، فيبقى عمل المؤسسة يقود النظام وليس فرد لا يواصل بناء ما قام به من كان قبله،فصل السلطات الثلاث واستقلال القضاء وسيادة القانون كثقافة مجتمعية تدير النظام، لكبح جماح ممارسات النشاز التي قد تحصل من رؤوس هذه السلطات.
رابعا : امتلاك رؤيا صناعة الحياة حسب الموارد المتاحة وتطويرها وتنميتها وأول هذه الموارد- المورد البشري - من خلال الاستثمار فيها، وتعليمها وتدريبها بكل المتطلبات اللازمة لعملية التنمية . والبدء بإنشاء جيل يحمل اعباء التنمية منذ نعومة أظفاره ومن خلال نظام تعليمي منتج للمعرفة.وإعطاء البحث العلمي والإنفاق عليه الاهمية المناسبة كضمانة ورافعة لاستمرار التنمية واستدامتها.
خامسا: جعل الاحترافية والتخصص معيار التوظيف والإدارة ألمؤسساتية في السلطة التنفيذية.ومحاربة اي شكل من اشكال الفساد في الاداء اليومي وتوزيع السلطات وتحديد المهمات لكل مؤسسة بعلاقة تراكمية تكاملية مع باقي المؤسسات العاملة في الوطن ، وانشاء المؤسسات المتخصصة برعاية التنمية ومتابعة تنفيذ خططها الإستراتيجية والتشغيلية، وتقييم الاداء المتواصل بمعايير واضحة وأهداف محددة. مثل -مجلس التخطيط الصناعي- ماليزيا.
سادسا: التشبيك بين القطاعين الخاص والعام في العملية التنموية وصياغة رسالة المجتمع بخطوات عملية وفعل ونشاط يومي، وإشراك النخب الأكاديمية في صياغة الرسالة وتحديد الرؤيا ووضع الأهداف المستقبلية ، و نقل المجتمع للعيش في ذلك المستقبل، ومحاكاته عمليا. الانفاق بنسب مناسبة في بنود الموازنة العامة، والحد قدر الامكان من الانفاقات الغير انتاجية والتشغيلية ، مثل الحد - قدر الامكان - من انفاقات التسلح و الامن الغير ضرورية وعدم المغالاة فيها- كما دول العالم الثالث- للوصول إلى حالة من الاستقرار السياسي كأحد اهم شروط تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة.
سابعا : العمل على بناء مجتمع متوافق بعقده واتفاقه على اهمية وضرورة التنمية المطلوبة ليشكل حاضنة لفعل الارادة السياسية ،وليكن مشارك في صياغتها ليكون اكثر حافزية في تنفيذ دوره فيها.