من هو أكبر المتآمرين على سوريا؟

الدكتور فيصل القاسم

ليس هناك نظام في العالم تاجر بنظرية المؤامرة كما تاجر بها النظام السوري، فلو أحصينا عدد المرات التي وردت فيها كلمة "مؤامرة" في الخطابات الإعلامية والسياسية والحزبية البعثية السورية، لربما تجاوز عددها مئات الألوف، إن لم نقل أكثر. لقد كان النظام يعتبر أبسط التصرفات التي يقوم بها السوريون العاديون والتي لا تروق له، كان يعتبرها مؤامرات ضد "نظام الصمود والتصدي والممانعة والمقاومة". وأتذكر أن طفلاً صغيراً في منطقتنا لا يتجاوز عمره خمسة سنوات كان يركب دراجة أطفال في أحد الطرق ذات يوم، لكنه فقد السيطرة على الدراجة فاصطدمت بلوحة على جانب الشارع كانت عليها صورة لحافظ الأسد، فتمزق جزء بسيط من الصورة. لكن المشكلة لم تنته هنا، بل كانت بداية مأساة حقيقة لعائلة الطفل. فقد قامت المخابرات باستدعاء والد الطفل، وبدأت تحقق معه لأيام وليال. وبعد أن حققت معه المخابرات في المحافظة تم تحويله إلى دمشق كي يستمر التحقيق في الإدارات المخابراتية العليا لشهور. وكان المحقق دائماً يسأل والد الطفل عما إذا كان الأمر مؤامرة حاكها الوالد، واستخدم فيها الطفل والدراجة لإلحاق الأذى بصورة "القائد الخالد" حافظ الأسد، بينما كان الوالد يصر دائماً أنها ليست مؤامرة أبداً، وأن الطفل لا يعرف حتى صاحب الصورة التي ارتطمت الدراجة بها. مع ذلك، ظل ضباط المخابرات الذي حققوا مع الوالد لشهور طويلة، ظلوا يتهمونه بتدبير مؤامرة مع الطفل لتشويه صورة "السيد الرئيس".

هذا على الصعيد الداخلي حيث يعتبر نظام المخابرات الفاشي أبسط التصرفات مؤامرات على نظام حكمه. وحدث ولا حرج على الصعيد الخارجي، فهو لا يمل من اتهام القاصي والداني بالتآمر على نظامه. لا بل إنه اعتبر الثورة السورية العظيمة كلها مؤامرة كونية شاركت فيها حتى مخلوقات فضائية، على اعتبار أنها "كونية" وليست أرضية فقط.

هل عرفتم لماذا هذا الهوس الشديد لدى نظام الأسد بالمؤامرات؟ السبب بسيط جداً، لأنه أكثر من تآمر على سوريا والعرب، وهو يحاول دائماً أن يخفي مؤامراته الحقيقية بتوجيه الأنظار إلى المؤامرات السريالية التي يخترعها إعلامه وأقبية مخابراته كستار من الدخان كي يحجب مؤامراته هو. وقد لاحظنا كيف كان يستخدم تهمة العمالة لإسرائيل "عمال على بطال" ضد أي سوري معارض كي يخفي عمالة النظام لإسرائيل التي فضحها رأس النظام نفسه عندما قال للمثل السوري جمال سليمان في بداية الثورة إن إسرائيل طمأنته بأنها لن تسمح أبداً بسقوط النظام، وأنها أعطته الضوء الأخضر كي يفعل ما يريد بكل من يقف في وجهه. ودرات الأيام وبدأنا نكتشف أن صاحب أطول سجل في فبركة المؤامرات الخزعبلاتية هو أكبر متآمر على سوريا. لقد صدع رؤوسنا وهو يشتكي من المؤامرة الكونية على نظامه، فإذ به أكبر المشاركين مع أمريكا وروسيا وإسرائيل وإيران في التآمر على سوريا الشعب والوطن، بدليل أن الجميع بمن فيهم إسرائيل وأمريكا لا تريدان سقوطه، وتعمل على الحفاظ عليه بأسنانها، على عكس ما كان يتشدق به منذ بداية الثورة.

لقد اكتشفنا متأخرين أن المؤامرات التي تتعرض لها سوريا ينفذها نظام الأسد، وليس أطراف خارجية كما يدعي النظام. هل كانت سوريا لتتحول إلى مسرح لمن هب ودب من الشرق والغرب لو كانت فيها قيادة وطنية تعمل لصالح الوطن والشعب، ولا تستعين بالقاصي والداني على الشعب والوطن من أجل مصالحها السلطوية القذرة؟ هل كانت سوريا لتصل إلى هنا لولا أن قائدها المزعوم هو من ينفذ المؤامرات الخارجية القذرة عليها بيديه؟ هل كانت روسيا لتستبيح سوريا وتحرق شعبها لولا أن نظاماً متآمراً استعان بها على بني جلدته؟ هل نظامنا أجنبي، أم إنه مفترض سوري؟ نعيب زماننا والعيب فينا؟ نتهم الخارج بالتآمر علينا، بينما حاكمنا هو من ينفذ المؤامرات علينا. لا يمكن لأي مؤامرة خارجية أن تمر إذا لم يكن لديها طابور خامس في الداخل. وهل هناك أفضل من طابور النظام الذي كان له الفضل الأكبر في إنجاح المؤامرات على سوريا وشعبها؟

عن موقع أورينت نت