اللاهثون خلف الجراد

كاظم فنجان الحمامي

الناس حول العالم لا يحترمون الفاسد. ولا يدعمون الفاشل، ولا يؤيدون المخادع، ولا يناصرون الكاذب. لكنهم يمنحون ثقتهم للأوفياء والمخلصين والمبدعين وأصحاب المشاريع التطويرية المنتجة، والمواقف الوطنية العظيمة. فالشعوب الواعية لا تؤمن بالحلول الترقيعية، ولا بأنصاف الحلول، ولا تنخدع بالعبارات المنمقة، ولا تشغلها الوعود التسويفية الملفقة، ولا تقف حائرة بين أنصار الحق وبين المتظاهرين بمناصرة الحق.
نحن نعلم إن الذين يسرقون أصوات الفقراء، هم الذين يسرقون قوتهم، وهم الذين يكتمون أنفاسهم، ويحرمونهم من أبسط استحقاقاتهم في العيش الرغيد. لكن المشكلة في أولئك الذين ساروا خلف أسراب الجراد، وتطوعوا لنصرة الفاشلين، وجندوا أنفسهم لتأييد الفاسدين، فتسببوا في تعطيل شؤوننا، وتضييع أحلامنا. والمشكلة الأكبر عندما تنبعث زوابع التأييد الأعمى من حناجر المخدوعين، فيمتطون صهوة العناد حصاناً جامحاً، يصولون به فوق خرائب الدمار الشامل، ويكتسحون بعنادهم من يحاول الوقوف في طريقهم، فالمشفرون عقلياً لا يريدون أن يتفهموا خطورة المنزلق الذي أوصلتنا إليه تجارب الفاشلين، ولا يريدون أن يتعلموا الدرس من كبواتهم المتكررة، ولا ندري حتى الآن إن كانوا يحتملون تكرار لدغات الأفاعي من الجحر نفسه ؟. أم إنهم سيستيقظون في يوم من الأيام، ويعودون إلى رشدهم قبيل انقشاع سحب الجراد، وزوالها بعد خراب البصرة، وربما بعد خراب العراق كله بتقسيمه إلى مقاطعات مفصلة ببلدوزرات القوى الغاشمة.
نتألم ونحزن وننزعج ونندهش، ونصاب بصدمة ما بعدها صدمة كلما سمعنا أو شاهدنا شريحة من الفقراء، يمجدون سياسياً بعينه. يذودون بالدفاع عنه. يضحون بما تبقى لديهم من حطام الدنيا من أجل ضمان تسيده عليهم. يفدونه بأرواحهم على الرغم من تجاهله لظروفهم المعيشية البائسة، وعلى الرغم من فشله الذريع في تحسين أحوالهم، وتقصيره الفادح في انتشالهم من مخالب الجهل والتخلف.
بماذا تفسرون هذا الإصرار العجيب على إخضاع المُجرَّب لسلسلة من التجارب المعروفة بنتائجها السلبية ؟، وما الذي يُجبر شبابنا على تكبيل أقدامهم بسلاسل الرق والعبودية ؟. وهل لتمجيد الصنمية علاقة بهذا السلوك المرفوض ؟. أم إن غياب الوعي الجماهيرية هو الذي سمح بتسلل أسراب الجراد إلى مضارب الفئات الغافلة ؟.
في مواسم الانتخابات تتصاعد أصوات الذين اعترفوا عشرات المرات بفشلهم فتتصاعد معها أصداء الأصوات المؤيدة لهم، وتتعالى نداءات الذين اعترفوا عشرات المرات بتقصيرهم، فيهرع المؤيدون من كل حدب وصوب، وهكذا تتوحد الأصوات المخدوعة والنداءات المغشوشة، ثم تنطلق مدوية عبر أبواق التضليل، لتفتح صفحات جديدة في سجلات المراوغة والخداع في بلد لا مكان فيه للجراد والبعوض.