حركة النهضة طالبت بوضع ميثاق وطني من أجل الديمقراطية

(أحمد ونيس سفير تونس سابقا: ظاهرة الإسلاميين كمكون سياسي في الدولة فتحت صفحة جديدة)

لم تكن الثورة في تونس صدفة بل أن هناك مسار ثوري إصلاحي تاريخي أسس للثورة و هذا النجاح التونسي سيكون له تأثير على المجال العربي والإسلامي، و يبدوا أن الرئيس الحالي على قناعة بالمشروع الديمقراطي ، فقد كان يريد من صراعه مع حركة النهضة تحقيق التوازن السياسي فكان تأسيس حركة نداء تونس، بحكم أن تونس تحتاج إلى جبهة وطنية إصلاحية تؤمن بالمصالحة الشاملة و لذا فقد آن الأوان لفك عقدة الإسلاميين والعلمانيين واعتبار الكل مدنيين تونسيين، لأن الدولة الوطنية المدنية القائمة على المصالحات هو مشروع الجميع على اعتبار أن الصراع الذي كان قائما كان ذا طابع سلطوي سياسي أكثر من كونه صراعا مبدئيا وفكريا حيث أن الإسلاميين التونسيين أنفسهم كانوا أيضا بورقيبيين وتأثروا بالطرح البورقيبي



تميز المشهد السياسي في تونس منذ انتخاب الباجي قايد السبسي بتوافق بين الحزب الحاكم و الإسلاميين و هي مرحلة استثنائية مرت بها تونس استطاعت أن تبني مسارها الديمقراطي، و تتبنى ثقافة الحوار ، لتهيأ نفسها للدخول نهائيا في "مجموعة الدول الديمقراطية"، وقد كانت هذه السياسة موضع حديث الرأي العام في الداخل و الخارج، كما كانت فرصة لتقييم المسار الديمقراطي الذي تبنته تونس، و هي مبادرة قام بها "مركز دراسة الإسلام والديمقراطية"، في ندوة قيّم فيها العلاقة بين الدولة والإسلاميين منذ فترة بورقيبة حتى الرئيس الباجي قايد السبسي و الوقوف عند خصوصية الاستثناء التونسي ، و يأتي التركيز على شخصية الرئيس الأسبق لحبيب بورقيبة و الباجي قايد السبسي كون العلاقة بين الدولة والإسلاميين منذ قرابة 40 سنة تميزت بالصراع ، حيث أن الإسلاميين نشأوا في رحم الصراع مع الدولة، الأمر الذي تغير بعد ثورة 2011 ، فالعداء في الحقيقة لم يكن بين بورقيبة و الإسلاميين بل بين بورقيبة والإسلام، فالعلاقة بين الإسلاميين مع الدولة كانت متوترة على اعتبار أن النموذج الذي قدموه كان "طوبويا" وقد قامت أدبياتهم على نزع كل مشروعية للدولة وتقديم نفسهم بديلا عنها، كما احتل مؤسس الدولة الحديثة حيزا واسعا في هجوماتهم، غير أن الدولة التونسية حسمت خلافاتها بمنطق الحسم الأمني بعد الاستعداد الذي أبداه الإسلاميون بالقبول بشروط اللعبة الديمقراطية ولكن خلال فترة الشتات قام الإسلاميون بمراجعات أهمها إعادة القراءة للدولة الحديثة واعتبروا أن الدولة لم تعد طرفا معاديا، و لهذا يرى التيار المعارض للنظام البورقيبي فإن سبب وجود الإسلاميين في تلك الفترة هو تطاول السلطة على مقومات الدين وهذا هو جوهر الصراع، في حين يقول التيار الموالي أن بورقيبة لم يغلق الزيتونة بل نقل الجامع إلى جامعة عصرية بطرق حديثة وجديدة وانه لم يحاول اجتثاث القيم الإسلامية في البلاد حتى أنه عاد عند كتابة مجلة الأحوال الشخصية إلى المشايخ.
فاليد التي مدها السبسي لحركة النهضة وجدت ترحابا من رئيسها الشيخ راشد الغنوشي الذي كانت له فرصة لتحويل حزبه إلى حزب وطني هو ملك لجميع التونسيين يقوم على البرامج ، فقد لعب الرئيس الحالي الباجي قايد السبسي دورا مهما من خلال اعترافه بسلمية حركة النهضة، كما أن الاستثناء التونسي ونجاح الثورة يكمن في التصالح بين الدولة و الإسلاميين مثلما أشار إلى ذلك رضوان المصمودي رئيس "مركز دراسة الإسلام والديمقراطية" ، والذي اعتبر العملية حضارية شاملة وليست مجرد تكتيك سياسي، لاسيما و المركز دأب قبل وبعد الثورة على تجسيم هذا المشروع و التنبيه بضرورة تجاوز هذا الصراع التاريخي، و الحديث عن العلاقة بين بورقيبة و الإسلاميين تتطلب العودة إلى فترة حضور الإسلاميين لأول مرة وضرورة الخروج من منطق الضحية والسير في اتجاه القراءة الفعلية وهو ما انطلق الإسلاميون فيه في الحقيقة، رغم أن الدولة في تلك الفترة كانت دولة قمعية لأن المعركة كانت معركة نفي بالإضافة إلى أن كل الحركات قد واجهت القمع خلال فترة بورقيبة بدون استثناء ولكن الجانب الذي يتجاوز النفي السياسي هو الخلاف بين نمطين مجتمعين فقد كان هناك خلاف بين الإسلاميين وبورقيبة في نمط الثقافة وخلاف في المرجعيات، على اعتبار أن الأدبيات الإسلامية كانت متأثرة بحركة إسلامية كانت تريد أن تغير المجتمع وتطرح بدائل أخرى خارج التصورات السياسية والحضارية السائدة، خاصة و أن الخلاف بين الإسلاميين وبورقيبة تمحور حول نظرة البورقيبيين في الاستفادة من كافة التجارب، و طموح النهضويين في بناء مجتمع مسلم ، أي أن الإسلاميين كانوا يدعون إلى ترك كل ما يتعلق بنمط المجتمع الغربي بينما بورقيبة كان يريد الاستفادة من كل النمط الغربي.
و في رأي أحمد ونيس سفير تونس سابقا فإن تونس بظاهرة الإسلاميين كمكون سياسي في الدولة فتحت صفحة جديدة ، بعدما كانت تونس لا تربطها علاقة بين الدين و السياسة، و كان النظام التونسي ينظر إلى الدين على أنه يعيق الإصلاح السياسي والاقتصادي للدولة التونسية الجديدة، خاصة و أن الديمقراطيين الإصلاحيين كانوا يتوقعون أن كل حركة تنتسب للدين هي رجعية على اعتبار أن السياسة تنبني على الجدل والصراع على الحكم، بينما الدين بطبعه يوحد ويؤلف، فظاهرة الإسلاميين كانت أمرا غريبا في الثقافة التونسية ولكن التطور الذي سجلته الساحة بعد انتخابات 2011 جعلهم يتقبلون فكرة وجود الإسلام السياسي، و الحقيقة أن الفاعل الأساسي الذي فرض التعدد في تونس هو التيار الذي نشأ مع الدستوريين داخل الحزب الدستوري، واعتبر أن الحركة الإسلامية لم تكن العامل الاساسي في القضاء على نظام بن علي بل إن المنظمات الحقوقية والقاعدة الشعبية الناقمة هي القوة الحقيقية الفاعلة التي واجهت بن علي والفاسدين والمستفيدين وكانت الخطوة التي فجرت الواقع وأظهرت الحجم الحقيقي للتونسيين، واعتبر أحمد ونيس سفير تونس سابقا أن الحركة الإسلامية لم تكن العامل الأساسي في القضاء على نظام بن علي بل إن المنظمات الحقوقية والقاعدة الشعبية الناقمة هي القوة الحقيقية الفاعلة التي واجهت بن علي والفاسدين والمستفيدين وكانت الخطوة التي فجرت الواقع وأظهرت الحجم الحقيقي للتونسيين، داعيا إلى ضرورة السعي إلى تثبيت ثلاث مراجع هي:السعي إلى الفهم الصحيح للثورة، توضيح المبادئ والقيم التي يعتمدها حزب النهضة بعد المراجعات و اعتراف حركة النهضة بالتخلي عن فكرة الإسلام السياسي إذا كانت حقا قد تخلت عنه.
و فيما يرى آخرون أن الثورة قد طوت صفحة الصراعات وفتحت صفحة جديدة لتصبح بذلك المعادلة بعد الثورة فرض قوانين حركة الواقع و أن المرحلة اليوم هي مرحلة بناء وانتقال من شعار الإسلام هو الحل إلى شعار الإسلاميون جزء من الحل وعلى ضرورة أن تكون الدولة الخيمة التي تضم الجميع ومن بين أركانها الطرف الإسلامي، فالبعض الآخر ما زال متخوفا من عدم خلق إطار مشترك للحوار لأن كل التيارات التي واجهها بورقيبة لم تكن تحمل مشاريع ديمقراطية خلال القرن الـ: 20 ( البعثيون ، الناصريون و الشيوعيون) فالمنطق الانطلاقي كان هو السائد عند الجميع، و الجميع كان مسؤولا في بناء مشروع الدولة المتقدمة والمتطورة والمتأصلة في حضارتها، على اعتبار أن الدولة الوطنية المدنية القائمة على المصالحات هو مشروع الجميع لأن الصراع الذي كان قائما كان ذا طابع سلطوي سياسي أكثر من كونه صراعا مبدئيا وفكريا حيث أن الإسلاميين التونسيين أنفسهم كانوا أيضا بورقيبيين وتأثروا بالطرح البورقيبي، و يمكن القول أن الثورة وفرت فرصة للنهضة للدخول إلى مسالك الدولة في الانتخابات الأخيرة الخاسرة كانت فيها الأجواء تنبئ بعودة الصراع، لولا حكمة الرئيس الحالي الباجي قائد السبسي الذي اختار منهجا مختلفا في التعامل مع الإسلاميين واعترف بهم وأدرجهم في الائتلاف الحكومي رغم الصراع التي كانت بينهم قبل الانتخابات، يبقى السؤال مطروحا إذا ما سيكون نجاح هذا الالتقاء بين الرجلين فرصة هامة على البلاد للتقدم والتطور، فالمطالب التي تقدمت بها حركة النهضة هي وضع ميثاق وطني من أجل الديمقراطية ، في نفس الوقت طالب مفكرون تونسيون و منهم المفكر يوسف الصديق عن حركة النهضة بقيادة راشد الغنوشي بأن تحدد موقفها من مسألة دراسة القرآن بطريقة علمية من اجل ممارسة دوره العلمي بعيدا عن فهم العامة واتهاماتهم.
علجية عيش