المرأة في مجتمع ذكوري..و دورها في بناء مجتمع حضاري

للمرأة يوما تحتفل به و هذا اليوم يوافق الثامن من مارس من كل سنة، و الاحتفال بهذا اليوم يشعرها بوجودها داخل مجتمع يطبعه طابع رجولي أو ذكوري إن صحَّ القول، و جدير في هذا اليوم أن يعاد النظر في ما يتعلق بدور المرأة في المجتمع، من زاوية المعالجة التحليلية النقدية لما حققته المرأة و ما لم تحققه، و ما هو منتظر منها في المستقبل ، كونها اللبنة الأولى في النهوض بالمجتمع و ترقيته و حمايته من كل المخاطر، في ظل "العولمة"، و ما أفرزته التكنولوجية من تغيرات على الحياة البشرية بأبعادها الإنسانية العميقة أو المسكوت عنها، و التقدم الذي حققته في تقريب المسافة بين الأمم، حيث أصبح العالم عبارة عن قرية صغيرة، و من الصعوبة بمكان النهوض بمجتمع حضاري دون إشراك المرأة فيه، لأن الدور الأولي و الأساسي للمرأة يبدأ من الأسرة، فهي التي تدير شؤون البيت، و تسهر على تربية الأجيال، و تقوم بمسؤوليات لا يقوم بها الرجل ، ما يجعلها مؤهلة للتكفل بالمسؤوليات الأخرى، و من هذا الباب أردنا الولوج و المشاركة في هذا اليوم الذي تحتفل به المرأة بمداخلة موسومة بـ: " المرأة في مجتمع ذكوري.. و دورها في بناء مجتمع حضاري"، نحاول من خلالها إبراز رؤية الرجل للمرأة، و ماهي الرهانات التي رفعتها هذه الأخيرة؟
فما نقف عليه اليوم نجد صورة مناقضة لدور المرأة في المجتمع، جعل المرأة تواجه الكثير من الضغوطات، فما تريده المرأة سوى تحقيق إنسانيتها، داخل مجتمع يقر بضرورة وجودها داخله ، و بناء شراكة فكرية تضع اعتبارات جنس الفرد جانبا، فقد اتخذت المرأة في علاقتها مع الرجل في المجال السياسي طابع التكامل و الانسجام في تحقيق التنمية الوطنية، لكن مع اختلاف نظرة الرجل إليها و التي اتسمت في بعض الأحيان بالسلبية غيرت من نظرتها لهذه العلاقة و أعطتها طابع "الندية" كتعبير عن قدرتها في تبني القضايا التي تهم المجتمع ، و إيجاد الحلول لمشاكله و تاريخ المرأة في الجزائر حافل بالنضال و الكفاح و العطاء، لنيل حقوقها المشروعة التي كفلها لها الدستور وكافحت حتى حصلت على حقوقها السياسية فنالت حق الانتخاب والترشح ووصلت إلى أعلى المناصب المهنية و القيادية ، و افتكت لها مقعدا في مراكز صنع القرار.
فهي مربية و طبيبة و مهندسة، و هي أديبة و شاعرة و إعلامية، و وزيرة و قاضية، و قائدة طائرة، و ضابطة في الجيش و في كل الأسلاك الأمنية، و زعيمة حزب و نائبة في المؤسسات التشريعية، و قد تجاوزت المرأة في الجزائر حدود مهمتها كأنثى ، بحيث نجدها اليوم تقود الحافلة و سيارة الأجرة، بل أصبحت امرأة أعمال، تسيّر مؤسسات و دور نشر، و لو أجرينا مقارنة بين الرجال والنساء في الأداء الوظيفي لوجدنا أن أغلب الأماكن في الإدارة تشغلها النساء، و هذا يُعَبِّرُ عن المستوى الذي بلغته المرأة في مختلف مجالات الحياة، بحيث لم يعد وجودها في البيت فقط أو في المدرسة أو العيادة، بل في الحقل و المصنع، و نسمع عن نساء اقتحمن عالم الميكانيك و إصلاح السيارات، و يمكن القول ان المرأة استطاعت في بعض المجتمعات العربية ( تونس) أن تغير من ثقافة المجتمع "الذكوري" الذي ينظر إلى المرأة على أنها خلقت لأشغال البيت و الإنجاب، و لا يُرَاع وجودها ككائن يفكر و يشارك في صنع القرار.
و لكونها تعيش في مجتمع ذكوري فهي تواجه عقبات عديدة ، و تلاقي صعوبات كثيرة وسط عالم من الرّجال، الذين ما زالوا ينظرون إلى المرأة على أنها كائن ضعيف لا يقدر على تحمل المسؤوليات و أعباء الحياة، أو ينظر إليها من زاوية تخدش كرامتها و إنسانيتها، و خير دليل المظاهر السلبية التي نراها في عصرنا الحالي، من تحرش جنسي، و اعتداءات لفظية أو جسدية، حتى داخل الأسرة، بل أصبحت موضع استغلال، خاصة في الظرف الراهن الذي تواجه فيها الشعوب و المجتمعات موجات من العنف و التطرف ، و التي أثرت على الجانب الأمني و الاقتصادي ، اقتحمت المرأة عالم الإجرام من أبوابه الواسعة، بحيث أصبحت تقود شبكات إجرامية، و امتد نشاطها إلى الانخراط في جماعات إرهابية، و قد استخدمت هذه الجماعات النساء في عمليات التفجير، و أصبحنا نسمع عن وجود "انتحاريات"، أَعْطَيْنَ لـ:"الجهاد" مفهومًا خاطئا، حيث أخرجوه عن إطاره الشرعي و القانوني، في حين نجد أخريات فهمنا الحرية و الاستقلالية من زاوية تعكس طبيعة المجتمع التي تعيش فيه المرأة و تمسكه ( أي المجتمع) بالعادات و التقاليد، فمن التدخين إلى تعاطي الشيشة و المخدرات، و اتسمت سلوكات هذه الفئة من النساء بالعنف و العدائية، و الانتقام من المجتمع.
و الحقيقة أن هذه الظواهر تخدش أنوثة المرأة و تفقدها حياءُها، و يمكن القول أن بعض "الكتابات" الدّاعية إلى التخلص من المجتمع "الذكوري" ، ساهمت في خروج المرأة عن الخط المرسوم لها كفاعل أساسي في المجتمع، على أساس أن الرجل مُتَخَوّفٌ من تقدّم المرأة و تفوقها عليه، و قد لا يجد من يخدمه في البيت في حال خروجها للعمل، بل بعض النساء رأين في " التحرر" و "الاستقلالية" التخلص من "عقدة الجسد" بحيث نجد جمعيات ( جمعية فيمن)، ترى في العُرْي على أنه حق طبيعي، و ترى ان جسدها ملكا لها وحدها و لها الحق في التصرف فيه كما تشاء، و ترى أن هذه التقاليد انقرضت، و لم يعد النظام "الأبوي" قائما في مجتمعات فتحت الباب الواسع لحرية المرأة، و ظهور القوانين الخاصة بالأسرة التي ألغت مفهوم "الوليّ" و أعطت للمرأة الحرية في أن تزوج نفسها بنفسها، و بالتالي لا حقّ لأيّ كان أن يحاسبها، بل أضحت تطالب بتقنين هذا الحق.
دور المنتخبة و النائبة في البرلمان
ففي مجتمع ذكوري يرى الرجل نفسه أنه وحده القادر على قيادة المجتمع دون الاعتراف بكيان المرأة و حقوقها و دورها الفعال في المجتمع، سواء في الأسرة أو في ميادين العمل و حتى في ساحات النضال، ما يجعلها ترفع التحدي الكبير لتحقق إنسانيتها ، و نشير هنا أن "القيادة" كمفهوم تقني يختلف عن القيادة في جانبها السياسي، و لهذا وجب النظر إلى المسؤولية السياسية و ما يقع من أحداث مهمة، خاصة في أوقات الاهتياج عندما يكون الاندفاع نحو التغيير الجذري مصحوبا بالنزاع، حيث تكون المسؤولية جماعية في تنظيم الوجود البشري، و نشير هنا إلى دور المرأة المنتخبة و النائبة في البرلمان في تجسيد رغبات الناس و المهمة المنوطة بها في المصادقة على الخطط السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية.
و إذا عدنا إلى مفهوم "القيادة" فهي تختلف عما ذكرناه آنفا، فالقيادة بمفهومها السياسي تعني أن تتبنّى هموم الأمة ، و هذا لا يعني أن تمثل الأمّة في قضية من القضايا، بل تبنيها و تساهم في النهوض بها، و قد تأخذك المسؤولية إلى التضحية من أجل أمنها و سلامتها، و القيادة لها شروط و مواصفات، من بينها أن يكون ممثل الشعب أو القائد، إنسان متفهم متفتح على الآخر ، و أن تكون له ثقافة من التسامح و أسلوب في التحاور و الإقناع، و لكي تكون المرأة قائدة فإن تحديات كبيرة تنتظرها في البناء السياسي و القضاء على كل أشكال الفوضى القائمة، و تفعيل حركة التنمية المستدامة وتحقيق التوازن الاجتماعي.
علجية عيش