: {ويبقى وجه ربك
ذو الجلاك والإكرام {27} الرحمن.
لا بد للإنسان أن يتوجه بعمله أو دعائه لأحد، قد يكون واحدًا من البشر أو أي شيء من المخلوقات،
وإما أن يكون لله وحده، وحال أكثر الناس أنهم على شرك، أي يتوجهون في أعمالهم إلى الله وإلى غيره.
فعندما يفنى كل من على الأرض؛ فأي وجه يبقى يتوجه إليه بالدعاء؟ّ
لم يبق إلا وجه واحد .. هو وجه الله تعالى.
والباقي هو الذي يظل بعد من كان معه،
وقد ذهب كل من كان يتوجه إليه غير الله تعالى.
وقد قال تعالى: {وجه ربك} .. ولم يقل وجه الله؛
لأن السياق ليس في العبادة، وإنما هو في الحديث عن يومٍ يفر المرء من كل الناس ومن أقربهم إليه؛ من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه،
والحاجة قائمة لربوبية، في طلب الحفظ والرعاية والنماء والزيادة؛ لإبقاء العطاء وإطالة العمر.
فمن يبقى معه بعد الفرار من كل شيء؟ ... لا أحد ..
فيظل بعد هذا الفرار وحيدًا لا يسأل عن غير نفسه.
فقال تعالى : {ويبقى وجه ربك}، أي رب المخاطب،
وكأنه ليس هناك غير المخاطب،
وليس رب الناس ولا رب العالمين،
فالكل يومئذ متوجه إلى الله تعالى ..
توجهًا فرديًا إلى الله.... ولا شيء غير الله.
والكل مقصود بالخطاب.
فعندما يتوجه المتوجه إلى الله تعالى بالعمل وبالدعاء،
لا يقصد بفعله طلب ذات الله تعالى،
فهل يريد عين الذات ... أم ذات بغير صفات ..؟؟؟!!!
إنما يقصد ما تتصف به الذات الإلهية من الرضا، والعطاء،
والحماية، والأمن، والثبات، والأجر، والثواب،
وغير ذلك مما يطلبه ويحتاجه العامل والداعي.
هذا لو كان بالإمكان رؤية ذات الله أو الوصول إليها،
فكيف إذا كانت ذات الله لا تدركها الأبصار!.
: {ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فله أجره عند ربه {112} البقرة.
: {ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى {22} لقمان.
: {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله {115} البقرة.
: {والذين صبروا ابتغاء وجه الله ربهم وأقاموا الصلاة .. أولئك لهم عقبى الدار{22} الرعد
: {إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى {20} ولسوف يرضى {21} الليل.
والخوض في مكانة الوجه من الجسد ... وإنابة البعض عن الكل ...
يجر إلى الجهالة والضلالة ..
ومنه الاستشهاد بأن الله له وجه ... أو نفي الوجه ... في مقارنة باطلة ..
والأعظم من ذلك ... أن يقارن الله عز وجل بنا .. نحن البشر الذين هم خلقه ..
مقارنة المجهول بالمعلوم .... وهذا من أعظم سوء الأدب مع الله ..
فنقول إن الله له وجه ... ولكن ليس كوجوهنا ...
وقد يقول القائل على نفس القياس؛
إن للنهار وجه .. ولكن ليس كوجوهنا ... مستشهدًا بقوله تعالى؛
: {آمنوا وجه النهار واكفروا آخره {72} آل عمران.
وللشهادة وجه ولكن ليس كوجوهنا ...
: {ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها{108} المائدة
وكذلك للأرنب وجه ولكن ليس كوجوهنا ... وهلم جرا ...
والأسلم أن تقول: إن الله تعالى وصف نفسه بأن له وجهًا،
وهو كما وصف نفسه .. ..ولا تزد على ذلك ... ولا تقارن ...
بل وأعظم من ذلك ... أن يحول الحديث ويقلب؛
من الحديث عن فعل الله تعالى،
إلى الحديث عن ذات الله،
في هذا الموضع وفي غيره ..
والأول مطلوب بما بلغ به الله تعالى عن نفسه وأفعاله ...
والثاني منهي عنه وممنوع وغير مقدور عليه .. فليس كمثله شيء.
والوجه من الألفاظ المشتركة، كوجه الله، ووجه الإنسان، ووجه النهار، ووجه الشهادة، وغير ذلك مما لم يذكر في القرآن،
وتسمية الوجه جاء من الإقبال إلى شيء أو إقباله عليه لا يحيد عنه إلى غيره، ولا يكون معه شيء آخر؛
فوجه النهار؛ هو وقت إقبال الشمس بضيائها، من الشرق، وتستمر في سيرها في فلكها من الشرق إلى الغرب، لا تحيد عن ذلك؛ فلا تغيب في شمال أو جنوب.
ووجه الشهادة، أن تظل مقبولة، ويعمل بها، لا ينقضها ولا يبطلها شهادة أخرى.
ووجه الإنسان هو الذي يقبل به على الأشياء ليراها، أو على الدرب ليستمر سيره فيه، أو على الجهة التي له فيها مطلب، ويبتغي عملا أو منفعة،
وهو الذي يقبل عليه الآخرين، في طلب حاجاتهم عنده،
لأن وجه الإنسان فيه العينان اللتان بهما يدرك ما حوله من الوجود، ويتم بذلك التعامل معه، فيتجه بوجهه إليه، ويأتي غيره متوجهًا إليه.
فلم تأت تسمية الوجه؛ لأنه من لحم ودم، ولا من شكله، ولا من موضعه من الجسد، ولكن من صفته، في الإقبال منه وإليه، وهي صفة لا تختص بشيء أو ذات واحده، فهو لفظ مشترك، والتعامل معه بصفته، لا بشيء آخر.
وما يقدم عليه الإنسان يطلب من ورائه منفعة مادية أو معنوية؛ من بشر فردًا كان أو جمعًا، أو من الله وحده، فيحصر المرء مطلبه للشيء ويحصر سيره إليه؛ وهي وجهته، التي يتجه إليها، ولا يلتفت لغيرها، وهي الوجه الذي اختاره.
والله تعالى يقبل عليه لما عنده من الأمن والعطاء؟، وهو سبحانه يقبل على الناس ليعلم أعمالهم، وما فعلوا بأوامره ونواهيه. فعندما تتجه وتقبل على الله بعملك، هو سبحانه وتعالى يقبل عليك كذلك،
: {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله تعالى {115} البقرة.
فلا يفهم في هذه الآية أن المراد بوجه الله تعالى ذاته، فلو توجه أربعة كل واحد منهما إلى إحدى الجهات الأربعة، وكل واحد أمامه وجه الله ... فأين سيكونون هم ؟!
سيكون داخل ذات الله أو داخل وجهه .. فهل بهذا الفهم الخاطئ محاطون بوجه الله؟... تعالى الله عن كل وصف لذاته.... بل هو يقبل عليك كما أن تقبل بعملك إليه، ولا يغيب علمه بما تفعله، ولن يضيع عملك عنده أينما توجهت.
وبأي صفة لله تعالى يرجوه بها الإنسان في ذلك الحدث الرهيب والموقف العظيم؛
بصفته أنه ذو الجلال والإكرام؛
: {ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام}
وبأي صفة لله عز وجل يرجوه الداعي؟
ما معنى ذو الجلال ؟
وما معنى ذو الإكرام ؟
في الفقرة التالية حتى لا يطول الشرح في فقرة واحدة
المفضلات