آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
صفحة 2 من 5 الأولىالأولى 1 2 3 4 5 الأخيرةالأخيرة
النتائج 21 إلى 40 من 82

الموضوع: سورة الرحمن أشغلت فكري وملأت قلبي

  1. #21
    باحث إسلامي في علوم القرآن واللغة الصورة الرمزية أبو مسلم العرابلي
    تاريخ التسجيل
    26/04/2007
    العمر
    67
    المشاركات
    3,024
    معدل تقييم المستوى
    21

    افتراضي رد: سورة الرحمن سورة أشغلت وملأت فكري وقلبي

    : {بينهما برزخ لا يبغيان {20} الرحمن .
    كل كلمة في الآيات تحتاج إلى دراسة منفردة،
    لمعرفة استعمالها، ولأجل معرفة ارتباطها بالسياق التي هي فيه،
    فبين تستعمل لبيان الارتباط بشيئين مختلفين،
    وليس لبيان شيء فاصل بين اثنين،
    فما بين الأرض والسماء التي تبدأ من وجه الأرض، هو المرتبط بهما معًا؛
    فالأشجار جذورها في داخل الأرض، وفروعها ممتدة في السماء،
    والماء مرة في الأرض ماء، ومرة بخارًا في السماء،
    وكثير من الغازات مرة تكون مركبات في النبات والحيوان، ومرة غازًا في السماء،
    والطير وبعض التراب مرة يكون في السماء ومرة في الأرض،
    والآيات التي ذكرت فيها خلق السماوات والأرض وما بينهما،
    لا يأت فيها ذكر الشمس والقمر،
    ولا الليل والنهار،
    ولا الأفعال: يلج، يخرج، ينزل، يعرج،
    لأن كل ذلك من مسببات انتقال الأشياء بين السماء والأرض،
    ومن يصلح بين اثنين أو زوجين؛
    يجب أن تكون علاقته حسنة مع الاثنين،
    وليس مع واحد منهما.
    أما البرزخ فأعلم أنه شيء نسبي وليس ماديًا،
    يكون فيه المحافظة علة نسبة شيئين؛
    يزيد الأول ويمتد ويكثر، ويتراجع الثاني ويقل،
    ثم يتراجع الأول ويقل، ويزيد الثاني ويكثر ويمتد،
    قال تعالى: {ومن ورائه برزخ إلى يوم يبعثون{}
    فالحياة لا تنتهي بموت الميت بل تظل مستمرة،
    مواليد جدد باستمرار ، ووفيات أخرى باستمرار،
    فتستمر الحياة بهذه السنة الإلهية ..
    ولم يقل تعالى (وهم في برزخ) كما التعامل الحاصل مع هذا اللفظ،
    ثم ركبوا على ذلك فقالوا : الحياة البرزخية،
    ويستشهدون بالآية، اسشتهادًا خاطئًا،
    (ورائه برزخ) غير (هو في برزخ)،
    فالآية تبين انفصال الميت وانقطاعه عن البرزخ،
    وليس هو في برزخ،
    والماء العذب يزيد في شتاء النصف الشمالي من الكرة الأرضية،
    ويتراجع ويقل في صيفها، في دورة سنوية مستمرة،
    وكذلك في النصف الجنوبي،
    والمحافظة على هذه النسبة يمنع من طغيان البحر العذب على البحر المالح ، ولا البحر الماء على البحر العذب.
    وهذا من نعم الله الدائمة فذكر تعالى بآلائه بعدها


  2. #22
    باحث إسلامي في علوم القرآن واللغة الصورة الرمزية أبو مسلم العرابلي
    تاريخ التسجيل
    26/04/2007
    العمر
    67
    المشاركات
    3,024
    معدل تقييم المستوى
    21

    افتراضي رد: سورة الرحمن سورة أشغلت وملأت فكري وقلبي

    من أعظم نعم الله تعالى وما أكثرها، أن خلط البحر العذب بالبحر المالح
    وحافظ على نسبة وجودهما في الأرض بعدل ثابت،
    ولولا ثبت شتاء دائم في نصف الأرض الشمالي،
    وثبت صيف دائم في نصف الأرض الجنوبي،
    لطغى الماء العذب والثلوج على النصف الشمالي،
    ولطغى الماء المالح على النصف الجنوبي،
    ولفسد الحياة وانعدمت على الأرض إلا في قليل منها.

    : {فبأي آلاء ربكما تكذبان {21} الرحمن .


  3. #23
    باحث إسلامي في علوم القرآن واللغة الصورة الرمزية أبو مسلم العرابلي
    تاريخ التسجيل
    26/04/2007
    العمر
    67
    المشاركات
    3,024
    معدل تقييم المستوى
    21

    افتراضي رد: سورة الرحمن سورة أشغلت وملأت فكري وقلبي

    : {يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان {22} الرحمن .
    بعد أن ذكر الله تعالى المشرقين والمغربين، والتقاء مرج البحرين؛ العذب والمالح، يأتي ذكر اللؤلؤ والمرجان.
    منشأ اللؤلؤ والمرجان في مواضع التقاء مرج البحرين، في مياه لا عذبة تصلح للشرب، ولا هي مالحة شديدة الملوحة كمياه البحار المالحة، وأكثر هذا الاختلاط هو بين ينابيع بحرية في وسط الماء المالح تتسرب من مياه الأمطار التي تقع على البر أو تصب في البحر، وبحارة الخليج كانوا يملؤون قربهم من قاع البحر في المواضع التي فيها ينابيع بحرية، وهي نفسها التي يكثر فيها المحار الذي يستخرج منه اللؤلؤ، وهم يعرفونها من كثرة غوصهم بحثًا عن اللؤلؤ.
    والمرجان ينشأ قريبًا من السواحل، ولا ينشأ في أعماق بعيدة عن الشط، وقد سبب لها النشاط المتزايد من الإنسان، وكثرة النفايات التي تلقى في البحار آثارًا سيئة عليها.
    ولما تقدم ذكر المشرقين على المغربين، فقد قدم اللؤلؤ على المرجان؛
    اللؤلؤ يحب مشرق النهار، والمرجان يحب مغرب الشمس وإقبال الليل.
    والأفلام التي تصورها في الليل والنهار تكشف عن ذلك.
    وقد ذكرنا كثرت الثنائيات في هذه السورة؛
    فاللؤلؤ يستخرج من بين لوحي الصدفة،
    والمرجان خليط بين الصخور والكائنات الحية النباتية؛
    فهو صخر في النهار لا تميزه عن الصخور،
    وهو نبات حي متفتح وله أذرع يمدها في الليل.
    وكل من اللؤلؤ والمرجان يتكونان ببطء شديد،
    وقد يشكل المرجان مع تكونه البطيء جزر مرجانية.
    والترابط بين الآيات ترابط عجيب بما قبلها، وبما بعدها، وما بينها.

    التعديل الأخير تم بواسطة أبو مسلم العرابلي ; 06/07/2016 الساعة 05:03 AM

  4. #24
    باحث إسلامي في علوم القرآن واللغة الصورة الرمزية أبو مسلم العرابلي
    تاريخ التسجيل
    26/04/2007
    العمر
    67
    المشاركات
    3,024
    معدل تقييم المستوى
    21

    افتراضي رد: سورة الرحمن سورة أشغلت وملأت فكري وقلبي

    والترابط بين الآيات ترابط عجيب بما قبلها، وبما بعدها، وما بينها.
    فبعد ذكر اللؤلؤ والمرجان، يذكرنا الله تعالى بتدبيره لكل شيء في الأرض، ما كان فوق الأرض وما تحتها، وما كان في الماء وما تحته،
    فانظر كيف خلط الله عز وجل ماء البحرين، وحافظ على النسبة بينهما لئلا تفسد الحياة على الأرض في البر والبحر، وكيف أتى بالماء العذب من أعماق البر وسلكه ينابيع في وسط البحر، وأنشأ في مواضع اختلاطه بالماء المالح؛ اللؤلؤ والمرجان،
    وما الماء العذب في جزيرة البحرين إلا مثالاً على ذلك .... الماء الذي ينزل على نجد يسير في باطن الأرض ويخرج ينابيع في جزيرة البحرين وما حولها في البحر، فكثر اللؤلؤ في مياها لأجل ذلك

    : {فبأي آلاء ربكما تكذبان {23} الرحمن .

    التعديل الأخير تم بواسطة أبو مسلم العرابلي ; 24/05/2016 الساعة 02:44 AM

  5. #25
    باحث إسلامي في علوم القرآن واللغة الصورة الرمزية أبو مسلم العرابلي
    تاريخ التسجيل
    26/04/2007
    العمر
    67
    المشاركات
    3,024
    معدل تقييم المستوى
    21

    افتراضي رد: سورة الرحمن سورة أشغلت وملأت فكري وقلبي

    : {وله الجوار المنشئات كالأعلام {24} الرحمن .

    الجواري هي السفن، وتسميتها بالجواري من الجري، وهو الانتقال من مكان إلى مكان، وهذا هو دأب السفن بالحركة في البحار،
    وقد حذفت ياء الجواري في مواضعها الثلاث؛ في الرحمن، والشورى والتكوير؛ ودلالة إثبات للياء في الرسم القرآني؛ علامة للثبات والاستقرار والانقطاع، وعلامة حذفها؛ الدوام والاستمرار، وهذا هو دأب السفن الجري في البحار، والنجوم في أفلاكها.
    والمنشئات من أنشأ الشيء من غيره؛ فالله تعالى أنشأنا من الأرض؛ من ترابها ومائها، وأنشأ الذرية من الآباء، وأنشأ قومًا آخرين ممن نجا من السابقين، وبعد النشأة الأولى ستكون النشأة الآخرة، والسفن أُنشئت من الأخشاب والمعادن،
    والأعلام : الجبال، وهي من مادة "علم" وهو ما يجعل أساسًا لما يبنى ويعتمد عليه، والسفن تبنى ليعتمد عليها في البحر، وهذا وجه الشبه بينهما.
    والجبال التي فسرت بها الأعلام، يبنى عليها معرفة الأماكن والاتجاهات ومعالم الأرض عليها، وغير ذلك،
    ولم تذكر الأعلام إلا في تشبيه الجواري بها في آيتين، الآية السابقة،
    وفي الشورى : {ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام{32} الشورى.
    والجبال في البحار تنشأ من طفوحات بركانية متتالية في أزمنة ممتدة، وهي في تغيير دائم بالزيادة والنقصان من كثرة ثوران البراكين التي تحدث فيها.


  6. #26
    باحث إسلامي في علوم القرآن واللغة الصورة الرمزية أبو مسلم العرابلي
    تاريخ التسجيل
    26/04/2007
    العمر
    67
    المشاركات
    3,024
    معدل تقييم المستوى
    21

    افتراضي رد: سورة الرحمن سورة أشغلت وملأت فكري وقلبي

    وبعد ذكر المشرقين والمغربين، وذكر البحرين، وذكر ما يخرج من قاع البحرين من اللؤلؤ والمرجان؛ جاء ذكر الجواري التي مكان جريها في البحار فوق وجهها.
    ولما كانت الحركة مرطبة بالغياب والزوال، كان ذكر الجواري وتشبيهها بالأعلام تمهيدًا لذكر نهاية الحياة الدنيا، والتذكير بآلاء الله وقدراته في البر والبحر التي يكذب بها الثقلان ولا يشكرون الله تعالى على نعمائه وتدبيره.
    : {فبأي آلاء ربكما تكذبان {25} الرحمن .


  7. #27
    باحث إسلامي في علوم القرآن واللغة الصورة الرمزية أبو مسلم العرابلي
    تاريخ التسجيل
    26/04/2007
    العمر
    67
    المشاركات
    3,024
    معدل تقييم المستوى
    21

    افتراضي رد: سورة الرحمن سورة أشغلت وملأت فكري وقلبي

    : {كل من عليها فان {26} الرحمن .

    "كُلّ" من مادة "كلل" ، وهي مستعملة في استنفاد الطاقة ، ومن ذلك "كلَّ" من العمل؛ عندما يستنفد طاقته في العمل،
    أو في استنفاد الأشياء، كما في قوله تعالى: {واجعل على كُل جبل منهن جزءًا {261} البقرة. أي حتى تستنفد أجزاء الطيور الأربعة على الجبال، وليس على جميع الجبال ...
    أما أهل اللغة فإنهم يتعاملون مع "كُل" على أنها مرادف "جميع"، وهذا غير صحيح، والشواهد على هذا الاختلاف عديدة في القرآن، ومنها المثال الذي ذكرت،
    والفناء لكل من في الأرض من الإنس والجن، لأن "مَن" هي للعاقل المكلف، ومعهما ضمنًا كل دابة أو نبات؛ لفناء من وجدت لأجله.
    وأغنى ذكر "كُل" عن الإنس والجن؛ لأنهما يحملنا في اسميهما صفتين لا يتناسبان مع ذكر الفناء.
    ولأن "كُل" لا تعني "الجميع" فيستثنى من ذلك الملائكة؛ {ونفخ في الصور فصعق مَن في السماوات والأرض إلا من شاء الله {68} الزمر. والمستثنى "مَن" وهو العاقل المكلف أيضًا، وهم الملائكة.
    ومثل ذلك قوله تعالى: {كُل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة{185} آل عمران،
    فالأنفس التي توفى أجورها هي التي ستذوق الموت، وليس جميع الأنفس ستذوق الموت لأن "كُل" ليست هي "الجميع".
    ولم تسم الأرض باسمها؛ لأن الأرض سميت باسمها لأنها تقبل الماء وتنبت النبات، ويوم قيام الساعة تذهب صفتها التي سميت بها، فاكتفي بالضمير العائد على ذاتها فقط دون صفتها.
    وفان؛ أي هالكون لا يبقى منهم أحد. والفناء يكون للجمع أو الجنس أو الشيء المكون من أشياء، حتى يصلح لفظ الفناء بأنه لم يبق منهم شيء.
    وقد قال تعالى "من عليها" ولم يقل "من فيها
    لأن "على" تستعمل مع الثبات،
    وتستعمل "في" مع الحركة،
    والهالك ثابت على الأرض، كما تثبت الأشياء على الأشياء،
    وكقوله : {ما ترك على ظهرها من دابة{45} فاطر، وكقوله: {ما ترك عليها من دابة{61} النحل.
    أو في ثبات الترابط بين شيئين أو اثنين، كقوله تعالى : {وتوكل على الله{3} الأحزاب.
    أما مع الحركة فتستعمل "في" كما في قوله تعالى : {فامشوا في مناكبها{15} الملك، {وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل{205} البقرة.
    أما استعمال "على" بدلاً من "في" في قوله تعالى: {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونًا{63} الفرقان؛ فلأن المشي من الناس يكون في طلب شيء غير مؤكد ولا ثابت، ولا يسألون عن حكم الله فيه، ومشي المؤمن لشيء يعلم حكمه الله فيه ويلتزم به، وعملهم يثبت لهم ويجرون عليه، وعمل الكفار يذهب هباء منثورًا.
    وأما استعمال "في" في موضع "على" في قوله تعالى: {ولأصلبنكم في جذوع النخل {71} طه، فلأن هذه الفئة المستضعفه من السحرة {وما أكرهتنا عليه من السحر{73} طه هم الكثرة، وتوزيع صلبهم سيكون على جذوع كثيرة أو في بلدان عديدة، فيتطلب مشاهدتهم التنقل والحركة لرؤيتهم، وكذلك هو لا يريد من صلبهم ثباتهم على الجذوع، بل التنكيل بهم ليكونوا عبرة لبقية الناس، ويرون لحومهم وشحومهم تسيل على الجذوع.

    ولك من سيبقى بعد أن يفنى كل من على الأرض ؟ ... في الآية التاليةالإجابة.

    التعديل الأخير تم بواسطة أبو مسلم العرابلي ; 25/05/2016 الساعة 08:03 AM

  8. #28
    باحث إسلامي في علوم القرآن واللغة الصورة الرمزية أبو مسلم العرابلي
    تاريخ التسجيل
    26/04/2007
    العمر
    67
    المشاركات
    3,024
    معدل تقييم المستوى
    21

    افتراضي رد: سورة الرحمن سورة أشغلت وملأت فكري وقلبي

    : {ويبقى وجه ربك
    ذو الجلاك والإكرام {27} الرحمن.

    لا بد للإنسان أن يتوجه بعمله أو دعائه لأحد، قد يكون واحدًا من البشر أو أي شيء من المخلوقات،
    وإما أن يكون لله وحده، وحال أكثر الناس أنهم على شرك، أي يتوجهون في أعمالهم إلى الله وإلى غيره.
    فعندما يفنى كل من على الأرض؛ فأي وجه يبقى يتوجه إليه بالدعاء؟ّ
    لم يبق إلا وجه واحد .. هو وجه الله تعالى.
    والباقي هو الذي يظل بعد من كان معه،
    وقد ذهب كل من كان يتوجه إليه غير الله تعالى.
    وقد قال تعالى: {وجه ربك} .. ولم يقل وجه الله؛
    لأن السياق ليس في العبادة، وإنما هو في الحديث عن يومٍ يفر المرء من كل الناس ومن أقربهم إليه؛ من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه،
    والحاجة قائمة لربوبية، في طلب الحفظ والرعاية والنماء والزيادة؛ لإبقاء العطاء وإطالة العمر.
    فمن يبقى معه بعد الفرار من كل شيء؟ ... لا أحد ..
    فيظل بعد هذا الفرار وحيدًا لا يسأل عن غير نفسه.
    فقال تعالى : {ويبقى وجه ربك}، أي رب المخاطب،
    وكأنه ليس هناك غير المخاطب،
    وليس رب الناس ولا رب العالمين،
    فالكل يومئذ متوجه إلى الله تعالى ..
    توجهًا فرديًا إلى الله.... ولا شيء غير الله.
    والكل مقصود بالخطاب.
    فعندما يتوجه المتوجه إلى الله تعالى بالعمل وبالدعاء،
    لا يقصد بفعله طلب ذات الله تعالى،
    فهل يريد عين الذات ... أم ذات بغير صفات ..؟؟؟!!!
    إنما يقصد ما تتصف به الذات الإلهية من الرضا، والعطاء،
    والحماية، والأمن، والثبات، والأجر، والثواب،
    وغير ذلك مما يطلبه ويحتاجه العامل والداعي.
    هذا لو كان بالإمكان رؤية ذات الله أو الوصول إليها،
    فكيف إذا كانت ذات الله لا تدركها الأبصار!.
    : {ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فله أجره عند ربه {112} البقرة.
    : {ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى {22} لقمان.
    : {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله {115} البقرة.
    : {والذين صبروا ابتغاء وجه الله ربهم وأقاموا الصلاة .. أولئك لهم عقبى الدار{22} الرعد
    : {إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى {20} ولسوف يرضى {21} الليل.

    والخوض في مكانة الوجه من الجسد ... وإنابة البعض عن الكل ...
    يجر إلى الجهالة والضلالة ..
    ومنه الاستشهاد بأن الله له وجه ... أو نفي الوجه ... في مقارنة باطلة ..
    والأعظم من ذلك ... أن يقارن الله عز وجل بنا .. نحن البشر الذين هم خلقه ..
    مقارنة المجهول بالمعلوم .... وهذا من أعظم سوء الأدب مع الله ..
    فنقول إن الله له وجه ... ولكن ليس كوجوهنا ...
    وقد يقول القائل على نفس القياس؛
    إن للنهار وجه .. ولكن ليس كوجوهنا ... مستشهدًا بقوله تعالى؛
    : {آمنوا وجه النهار واكفروا آخره {72} آل عمران.
    وللشهادة وجه ولكن ليس كوجوهنا ...
    : {ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها{108} المائدة
    وكذلك للأرنب وجه ولكن ليس كوجوهنا ... وهلم جرا ...
    والأسلم أن تقول: إن الله تعالى وصف نفسه بأن له وجهًا،
    وهو كما وصف نفسه .. ..ولا تزد على ذلك ... ولا تقارن ...
    بل وأعظم من ذلك ... أن يحول الحديث ويقلب؛
    من الحديث عن فعل الله تعالى،
    إلى الحديث عن ذات الله،
    في هذا الموضع وفي غيره ..
    والأول مطلوب بما بلغ به الله تعالى عن نفسه وأفعاله ...
    والثاني منهي عنه وممنوع وغير مقدور عليه .. فليس كمثله شيء.
    والوجه من الألفاظ المشتركة، كوجه الله، ووجه الإنسان، ووجه النهار، ووجه الشهادة، وغير ذلك مما لم يذكر في القرآن،
    وتسمية الوجه جاء من الإقبال إلى شيء أو إقباله عليه لا يحيد عنه إلى غيره، ولا يكون معه شيء آخر؛
    فوجه النهار؛ هو وقت إقبال الشمس بضيائها، من الشرق، وتستمر في سيرها في فلكها من الشرق إلى الغرب، لا تحيد عن ذلك؛ فلا تغيب في شمال أو جنوب.
    ووجه الشهادة، أن تظل مقبولة، ويعمل بها، لا ينقضها ولا يبطلها شهادة أخرى.
    ووجه الإنسان هو الذي يقبل به على الأشياء ليراها، أو على الدرب ليستمر سيره فيه، أو على الجهة التي له فيها مطلب، ويبتغي عملا أو منفعة،
    وهو الذي يقبل عليه الآخرين، في طلب حاجاتهم عنده،
    لأن وجه الإنسان فيه العينان اللتان بهما يدرك ما حوله من الوجود، ويتم بذلك التعامل معه، فيتجه بوجهه إليه، ويأتي غيره متوجهًا إليه.
    فلم تأت تسمية الوجه؛ لأنه من لحم ودم، ولا من شكله، ولا من موضعه من الجسد، ولكن من صفته، في الإقبال منه وإليه، وهي صفة لا تختص بشيء أو ذات واحده، فهو لفظ مشترك، والتعامل معه بصفته، لا بشيء آخر.
    وما يقدم عليه الإنسان يطلب من ورائه منفعة مادية أو معنوية؛ من بشر فردًا كان أو جمعًا، أو من الله وحده، فيحصر المرء مطلبه للشيء ويحصر سيره إليه؛ وهي وجهته، التي يتجه إليها، ولا يلتفت لغيرها، وهي الوجه الذي اختاره.
    والله تعالى يقبل عليه لما عنده من الأمن والعطاء؟، وهو سبحانه يقبل على الناس ليعلم أعمالهم، وما فعلوا بأوامره ونواهيه. فعندما تتجه وتقبل على الله بعملك، هو سبحانه وتعالى يقبل عليك كذلك،
    : {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله تعالى {115} البقرة.
    فلا يفهم في هذه الآية أن المراد بوجه الله تعالى ذاته، فلو توجه أربعة كل واحد منهما إلى إحدى الجهات الأربعة، وكل واحد أمامه وجه الله ... فأين سيكونون هم ؟!
    سيكون داخل ذات الله أو داخل وجهه .. فهل بهذا الفهم الخاطئ محاطون بوجه الله؟... تعالى الله عن كل وصف لذاته.... بل هو يقبل عليك كما أن تقبل بعملك إليه، ولا يغيب علمه بما تفعله، ولن يضيع عملك عنده أينما توجهت.
    وبأي صفة لله تعالى يرجوه بها الإنسان في ذلك الحدث الرهيب والموقف العظيم؛
    بصفته أنه ذو الجلال والإكرام؛
    : {ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام}

    وبأي صفة لله عز وجل يرجوه الداعي؟
    ما معنى ذو الجلال ؟
    وما معنى ذو الإكرام ؟
    في الفقرة التالية حتى لا يطول الشرح في فقرة واحدة

    التعديل الأخير تم بواسطة أبو مسلم العرابلي ; 31/05/2016 الساعة 05:58 PM

  9. #29
    باحث إسلامي في علوم القرآن واللغة الصورة الرمزية أبو مسلم العرابلي
    تاريخ التسجيل
    26/04/2007
    العمر
    67
    المشاركات
    3,024
    معدل تقييم المستوى
    21

    افتراضي رد: سورة الرحمن أشغلت فكري وملأت قلبي

    "ذو الجلال" تكملة الآية {27} الرحمن.
    لقد أوقفتني هذه الآية طويلا ...
    فكل واحد محاسب على عمله.
    ولا أستطيع أن أمر عليها وعلى الآيات دون دراسة
    فقهية عالية لعظيم ما ذكر فيها
    والمنهج عندي في هندسة اللغة
    أن لك جذر استعماله الخاص الذي يفسر كل المبنيات والمشتقات منه
    فمادة "جلل" مستعملة فيما يجمع ما تحته، لقدرته أو سعة امتداده.

    جَلَّل الشيءُ تجليلاً أَي عَمَّ.
    والمُجَلِّل: السحاب الذي يُجَلِّل
    الأَرض بالمطر أَي يعم.
    وفي حديث الاستسقاء: وابِلاً مُجَلِّلاً أَي
    يُجَلِّل الأَرض بمائه أَو بنباته،
    والجِلُّ من المتاع: القُطُف والأَكسية والبُسُط ونحوه؛ مما يمتد ويغطي ما تحته،
    الجلَّ الأَمر الجَلِيل، الذي زاد وعَظُم عن الأمور العادية؛
    وجُلُّ الدابة وجَلُّها: الذي تُلْبَسه لتُصان به، والجمع جِلال وأَجلال؛
    وجِلال كل شيء: غِطاؤه
    دعا علي: اللهم جَلِّل قَتلة عثمان خِزْياً أَي غَطِّهم به وأَلْبِسْهم إِياه
    كما يتجلل الرجل بالثوب.
    وتجليل الفرس: أَن تُلْبِسه الجُلَّ، وتَجَلَّله أَي عَلاه
    وتجَلَّل فلان بعيره إِذا علا ظهره.
    والجَلُّ والجِلُّ، بالكسر: قَصَب الزرع وسُوقه إِذا حُصِد عنه السُّنبل. فلكثرته يغطي الأرض، أو لجمعه في حزم . وهو بكثرته أضعاف كثيرة.
    والجُلَّة: وعاء يتخذ من الخوص يوضع فيه التمر يكنز فيها.

    وهم يَجْتَلُّون الجِلَّة أَي يلقطون البعر. أي يجمعونها لأنها تتفرق وتنتشر
    والجَلَّة والجِلَّة: البَعَر، وقيل: هو البعر الذي لم ينكسر لأنه ينتشر ويجمع
    وجَلَّ البَعَر يَجُلُّه جَلاًّ: جَمعه والتقطعه بيده.
    واجتلَّ اجتلالاً: التقط الجِلَّة للوقود،
    ومنه سميت الدابة التي تأْكل العذرة الجَلاَّلة،
    والجَلاَّلة: البقرة التي تتبع النجاسات، لأنها توسع دائرة أكلها حتى تأكل البعر والنجاسات،
    وهذه ناقة تَجِلُّ عن الكلال: معناه هي أَجَلُّ من أَن تَكِلّ لصلابتها.
    لها سعة في العمل لقوتها، كأنها تضم العمل إلى العمل

    من جَلل كذا أَي من أَجله؛ أي بسط ووسعت عمله ليكون له

    وأَنت جَلَلْت هذا على نفسك تجُلُّه أَي جَرَرْته يعني جَنَيته؛
    وذلك الاتساع في العمل والتصرف
    والمَجَلَّة: صحيفة يكتب فيها (صحيفة لقمان).
    والمَجَلَّة. الصحيفة فيها الحكمة؛
    و كل كتاب عند العرب مَجَلَّة، لأنه جامع لحكم وأمور كثيرة.
    والجَلِيل: الثُّمام، وهو نبات يخرج من جذره سيقانًا كثيرة،
    والجَلِيل: الياسمين، وقيل: هو الورد أَبيضه وأَحمره وأَصفره،
    وذلك لامتداد فرعه وكثرته، وانتشار رائحته.
    والجَلُّ بالفتح: شراع السفينة، وله انبساط كبير، وجامع للريح الذي يدفع السفينة.
    تَجَلْجَلَت قواعدُ البيت أَي تضعضعت.
    والجَلْجَلة: صوت الرعد وهو صوت مضاعف ويمتد فيسمع من بعد.
    وغيث جِلْجال: شديد الصوت، من كثرته وشدته
    جَلْجَلْت الشيء جَلْجَلَة إِذا حركته بيدك حتى يكون لحركته صوت،
    والتَّجَلْجُل: السُّؤُوخ في الأَرض أَو الحركة والجوَلان.
    وذلك لسعة الحركة يمنة ويسرة وكثرتها
    جَلْجَل الرجلُ إِذا ذهب وجاء.
    وجَلْجَل الشيءَ: خلطه، فاحتاج إلى كثرة الحركة وسعتها في خلطه.
    والجُلْجُل: الجَرَس الصغير، لحركة ما فيه يمن ويسرة.
    الجُلْجُل: ثمرة الكُزْبُرة، وقيل حَبُّ السِّمسم.
    الجُلْجُلان هو السمسم في قشره قبل أَن يحصد.
    يقال لما في جوف التين من الحب الجُلْجُلان؛
    وكلها من سعة الحركة في باطن وعائه.
    وجُلْجُلان القلب: حَبَّته ومُنَّته.
    لحركة واضطراب ما يدور فيه. تشبيهًا بحب السمسم في قشره.
    المُجَلْجَل المنخول المغربل، لأن نخله يحتاج إلى كثرة وسعة الحركة
    وجَلْجَل الفرسُ: صفا صَهِيله ، بالضم: صافي النَّهيق.
    لأن صفاء الصوت يذهب به بعيدًا.
    المُجَلْجِل السيد القوي وإِن لم يكن له حسب ولا شرف
    وهو الجريء الشديد الدافع يريد الجريء يخاطر بنفسه؛
    وهو السيد البعيد الصوت؛
    وكلها من من السعة والامتداد إلى البعيد والسعي في طلبه.
    والجُلْجُل: الأَمر الصغير والعظيم مثل الجَلَل؛
    لأن في كل منهما سعة وحركة عند أصحابه.
    هذا ما نقلته من لسان العرب، وهو المشكل بالحركات،
    والباقي بيانًا لاستعمال جذره،
    وعند الرجوع إلى لسان العرب،
    أول ما تجد أن الجليل هو العظيم،
    وهذا هو من التفسير بالمترادفات،
    ولكل واحد منهما اختصاصه، وبينهما تقاطع في بعض الاستعمال لا كله.

    فمادة "عظم" مستعملة فيما يجمع ما حوله ويكون معتمدُا لهم،
    كحال العظم في الجسم، يجتمع حوله اللحم ويكون معتمدًا له، وكذلك فعل كل عظيم،
    حتى الأجر العظيم والثواب العظيم أصله الحسنة تعمل، فتضاعف عشرة أضعاف، وهي اعتماد هذا العدد الذي قام عليها،

    أما الجليل فهو يبسط قدرته ويحيط ويشمل ما حوله،
    فالوصف بذي الجلال يناسب ذكر الفناء قبله، وحاجة أكثر الناس يوم القيامة، الذين هم من أصحاب النار ومنهم الذي تقوم عليهم الساعة، وهم بحاجة كبيرة أن يمتد عطاء ربهم وعفوه لتشملهم،
    ولا يناسب الموقف ذكر العظمة، لأنهم ليسوا من أهل طاعته، فيقربهم إليهم ويكون الاعتماد عليه.

    التعديل الأخير تم بواسطة أبو مسلم العرابلي ; 10/08/2018 الساعة 02:26 PM

  10. #30
    باحث إسلامي في علوم القرآن واللغة الصورة الرمزية أبو مسلم العرابلي
    تاريخ التسجيل
    26/04/2007
    العمر
    67
    المشاركات
    3,024
    معدل تقييم المستوى
    21

    افتراضي رد: سورة الرحمن أشغلت فكري وملأت قلبي

    { ..... والإكرم {27} الرحمن تكملة للآية

    لقدوقفت طويلا مع مادة "كرم" لأعرف حقيقة استعمالها.
    فمادة "كرم" فيها تكرار، ومردود حسن، ومدح، وبعد عن الذم.
    قيل في الكَريم: الجامع لأَنواع الخير والشرَف والفضائل.
    والكَريم. اسم جامع لكل ما يُحْمَد،
    ويستعمل في الخيل والإبل والشجر وغيرها من الجواهر إذا عنوا العِتْق،
    قال الفراء: العرب تجعل الكريم تابعاً
    لكل شيء نَفَتْ عنه فعلاً تَنْوِي به الذَّم.
    قول الفراء هو أجود الأقوال؛ فقد أدرك أن مع المدح إبعاد للذم،
    ومع العطاء إبعاد للحرمان،

    وللعطاء في الكرم مردود،
    {أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدًا {21} يوسف.
    والمكارمة أن تهدي أحدًا شيئًا ليثيبك عليه،
    فالكرم تكرار العطاء. فالكريم كلما أُخذ منه، عاد فأعطى،
    والكَرْمُ: شجرة العنب، واحدتها كَرْمة؛ وفي كل عام يؤخذ الكثير من فروعها بالتقليم، فتجود أكثر بالعطاء، وينتفع بطيب ثمرها الكثير وورقها.
    وهي كذلك لا شوك فيها يُؤْذي القاطف،
    ويقولون للرجل الكَريم مَكْرَمان إذا وصفوه بالسخاء وسعة الصدر.
    وأَرض مَكْرَمة للنبات إذا كانت جيدة للنبات.
    ولا يَكْرُم الحَب حتى يكون كثير العَصْف (التِّبْن والورق).
    فيمدح الحب عندئذ ولا يذم لاكتماله بأحسن أحواله لارتداد كثرة العصف عليه.
    والكَرَمُ: أَرض مثارة مُنَقَّاةٌ من الحجارة؛ والحجارة مما يعيبها ويفسد العمل فيها.
    كَرُمَ السَّحابُ إذا جاء بالغيث. وكَرَّمَ المَطَرُ وكُرِّم: كَثُرَ ماؤه؛
    والكَرْمُ: القِلادة من الذهب والفضة، وهي من المعادن النفيسة الثابتة التي يمكن أن يعاد صياغتها مرات عديدة لثبات معدنيها من الفساد وتغير الحال.
    والكَرِيمةُ: الرجل الحَسِيب؛ المبرأ من العيوب.
    وتكَرَّمَ فلان عما يَشِينه إذا تَنزَّه وأَكْرَمَ نفْسَه عن الشائنات،
    فقد نال المدح بالسلامة من الذم.
    وأَكْرَمَ الرجلَ وكَرَّمه: أَعْظَمه ونزَّهه؛ فجمع له المدح ونفي الذم معًا.
    ويقال في استجابة الطلب: نَعَمْ وحُبّاً وكَرْامةً،
    فإما أن يكون راجيًا لعطائه، وإما رادًا لجميله،
    وكريمتي الإنسان عيناه، فهما اللتان يطل بهما على الدنيا،
    وتردان عليه أخبار ما حوله مما قرب أو بعد.
    وأَكْرَمَ الرجل: أَتى بأَولاد كِرام. فارتد عليه زواجه بذرية طيبة.
    ووصف يوسف عليه السلام بأنه الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم؛ لأَنه اجتمع له شَرَف النبوة والعِلم والجَمال والعِفَّة وكَرَم الأَخلاق والعَدل ورِياسة الدنيا والدين، فهو نبيٌّ ابن نبيٍّ ابن نبيٍّ ابن نبي رابع؛ أربعة في النبوة.
    والكَرْمةُ: رأْس الفخذ المستدير كأَنه جَوْزة وموضعها الذي تدور فيه من الوَرِك، القلت؛ وذلك لاستجابته للحركة الكثيرة الدائمة فيه بسهولة ولين.
    والكَرامةُ: الطَّبَق الذي يوضع على رأْس الحُبّ (الجرة الكبيرة) والقِدْر.
    لأنه تمام الوعاء والمكمل له الذي يرفع ويرد على الدوام لحفظ ما فيهما.
    الكَريم: من صفات الله وأَسمائه، وهو الكثير الخير الجَوادُ المُعطِي الذي لا يَنْفَدُ عَطاؤه، وهو الكريم المطلق. وبكرم الله تصلح الأمور وتقضى الحاجات.
    قال تعالى : {ومن كفر فإن ربي غني كريم{40} النمل،
    {يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم{6} الذي خلقك فسواك فعدلك{7}في أي صورة ما شاء ركبك{8} الإنفطار
    .
    وكذلك في التنزيل العزيز: {إنِّي أُلْقِيَ إليَّ كتاب كَريم{29} النمل؛
    قال بعضهم: معناه حسن ما فيه، فقد خلا من التهديد والوعيد.
    وقال: {إنه لقرآن كريم {77}في كتاب مكنون{78} الواقعة؛
    أَي قرآن يُحمد؛ لأنه ما فيه جامع للهُدى والبيان والعلم والحِكمة.
    والمخرج من الظلمات إلى النور.
    وقال: {وقل لهما قولاً كَريماً{23} الإسراء؛
    أَي سهلاً ليِّناً، وحسنًا طيبًا لا أذى فيه ولا شدة.
    : {وأَعْتَدْنا لها رِزْقاً كريماً{31} الأحزاب؛
    أي نرد عليها طاعتها برزق حسن طيب واف.
    : {ونُدْخِلْكم مُدْخَلاً كريماً{31} النساء؛
    قالوا: حسَناً وهو الجنة مكافأة على عملهم.
    : {ملك كريم {31} يوسف. كامل في الحسن لا يعاب بشيء.
    : {وجاءكم رسول كريم{17} الدخان،
    :{إنه لقول رسول كريم{40} الحاقة؛

    رسول من البشر أو الملائكة كامل لا يعاب بشيء في أمانة أو خلق.
    : {فبشره بمغفرة وأجر كريم {11} يس،
    أجر واف على عمله بعد الغفران له.
    : {ومقام كريم {26} الدخان، مقام لا يرى صاحبه خيرًا.
    : {كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم {7} الشعراء،
    الزوج المفرد الذي يتممه آخر مثله،
    فيكون سببًا في حسن وكمال وطيب تكونه.
    وقد وصف الله تعالى الملائكة:
    : {كرامًا كاتبين{11} الانفطار. {كرام بررة{16} عبس.
    ملائكة مبرؤون من كل قدح وذم في عملهم.
    : {والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كرامًا {72} الفرقان.
    مبرئون من الوقوع في لغو أو شهادة زور.
    : {في صحف مكرمة {13} عبس.
    صحف مبرأة من كل عيب وباطل.
    : {وقالوا اتخذ الرحمن ولدًا سبحانه بل عباد مكرمون{26} الأنبياء.
    ملائكة كاملون مبرؤون من كل ذم.
    : { إن أكرمكم عند الله أتقاكم {13} الحجرات.
    مردود الخوف من الله تعالى وتحمل مشقة الطاعة،
    والتخلي عن منافع دنيوية تجلبها المعاصي؛
    التكريم بالجنة والمنزلة العالية عند الله تعالى.
    : { كلا بل تكرمون اليتيم {17} الفجر.
    لا يكرمون اليتيم لأنه لا مردود يعود عليهم من إكرامه.
    : {فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن{15} الفجر.
    أي أبعد عنه أذى الحرمان بوافر العطاء له.
    : { قال أرأيتك هذا الذي كرمت عليَّ {62} الإسراء.
    لأنه في تقديم آدم عليه السلام إبعاد إبليس عن المهمة التي كلف بها آدم،
    وجعل الجن تابعين لرسل الإنس.
    : { ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات{70} الإسراء.
    في الحمل في البر والبحر إبعاد لمشقة السير فيهما.
    فدائمًا مع التكريم عطاء وزيادة، وإبعاد للأذى والمنقصة .

    التعديل الأخير تم بواسطة أبو مسلم العرابلي ; 07/06/2016 الساعة 01:18 AM

  11. #31
    باحث إسلامي في علوم القرآن واللغة الصورة الرمزية أبو مسلم العرابلي
    تاريخ التسجيل
    26/04/2007
    العمر
    67
    المشاركات
    3,024
    معدل تقييم المستوى
    21

    افتراضي رد: سورة الرحمن أشغلت فكري وملأت قلبي

    : {فبأي آلاء ربكما تكذبان {28} الرحمن .
    بعد ذكر الفناء للخلق والبقاء للخالق سبحانه ذو الجلال والإكرام؛
    الذي يمد عنايتة إلى من يشاء،
    ويرد الطاعة على صاحبها بالمغفرة والجنة والإحسان،
    يذكر الله تعالى الإنس والجن بأي بسط للقدرة
    من الله في الحفظ أو العطاء يكون التكذيب،
    ويأتي بعد الفناء إعادة الإحياء،
    والكل يومئذ يسأل الله عز وجل .


  12. #32
    باحث إسلامي في علوم القرآن واللغة الصورة الرمزية أبو مسلم العرابلي
    تاريخ التسجيل
    26/04/2007
    العمر
    67
    المشاركات
    3,024
    معدل تقييم المستوى
    21

    افتراضي رد: سورة الرحمن أشغلت فكري وملأت قلبي

    : {يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن {29} الرحمن .
    لما تحدث الله تعالى عن الفناء
    ولم يبق إلا وجه الله تعالى الذي لا يسأل غيره،
    وسؤالهم من حاجة الخلق للخالق،
    يسألونه المغفرة ويسألونه الرزق،
    والحديث عن نهاية الدنيا وبداية الآخرة؛
    فالله تعالى له شأن في الدنيا يستجيب للسائل ؛
    فيعطي ويحرم، ويعز ويذل، وينصر ويهلك،
    لكن في الآخرة له شأن آخر،
    فهو يوم الحساب،
    والكل يسأل،
    ولا استجابة لأصحاب النار.


  13. #33
    باحث إسلامي في علوم القرآن واللغة الصورة الرمزية أبو مسلم العرابلي
    تاريخ التسجيل
    26/04/2007
    العمر
    67
    المشاركات
    3,024
    معدل تقييم المستوى
    21

    افتراضي رد: سورة الرحمن أشغلت فكري وملأت قلبي

    : {فبأي آلاء ربكما تكذبان {30} الرحمن .

    بعد كل بيان لقدرة الله تعالى التي لا تحد
    سواء في عطاء أو في هلاك وفناء
    أو في استجابة وحرمان
    يذكرنا الله تعالى بأي قدرة أو عطاء لله
    يكذب به الإنس والجان .
    وقبل يوم الحساب
    على الإنس والجن استدراك أمرهما بالنجاة


  14. #34
    باحث إسلامي في علوم القرآن واللغة الصورة الرمزية أبو مسلم العرابلي
    تاريخ التسجيل
    26/04/2007
    العمر
    67
    المشاركات
    3,024
    معدل تقييم المستوى
    21

    افتراضي رد: سورة الرحمن أشغلت فكري وملأت قلبي

    : {سنفرغ لكم أيه الثقلان {31} الرحمن .

    ما أكثر ما يحتاج إلى التدبير في الحياة الدنيا، من بسط أرض، ورفع جبال، وسوق سحاب، وإنزال ماء، وإحياء وإماتة، وإنبات نبات، وإحصاء الأعمال صغيرها وكبيرها، وهي من الكثرة ما لا يحصيه إلا الله تعالى، وغير ذلك مما نعلم ولا نعلم، مما عظم خلقه أو دق خلقه كأنه لا وجود له.
    لكن يوم القيامة، لا يبقى بعد البعث إلا المحاسبة على الأعمال،
    فقبل أن يأتي ذلك اليوم ويكون المصير إما دخول الجنة أو دخول النار،
    فيا أيها الثقلان ... الحساب ثقيل، وقبل أن نفرغ لكما، ولا عمل لنا يمئذ غير حسابكم، ولا قدرة لكم يومئذ على فعل شيء ... فافعلوا ما تقدرون عليه اليوم ... إن استطعتم .. للنجاة من الحساب.
    ولماذا سمي الإنس والجن بالثقلين ؟
    ثقل : تراكم وتجمع إلى أن قارب الحد الذي ليس بعده زيادة،
    وثقلت الحامل : زاد حملها ووصلت إلى الحد الذي ليس بعده إلا الولادة.
    وثقلت موازينه : بلغت حسناته الحد الذي رجحت فيه على السيئات.
    وثقلت الساعة في السماوات والأرض : كثرت علامتها إلى الحد الذي قاربت فيه على الظهور.
    وقوله تعالى: {إنا سنلقي عليك قولا ثقيلاً {5} المزمل، ؛
    أي سنزل عليك ونكلفك من التبليغ التي يتراكم ويتجمع إلى حد لا تحتمل طاقتط الزيادة عليه.
    وقوله : {حتى إذا أقلت سحابًا ثقالاً {57} الأعراف.
    أي كثر وتراكم وبلغ الحد الذي ليس بعده إلا نزوله مطرًا.
    وقوله : { ويذرون وراءهم يومًا ثقيلاً {27} الإنسان.
    يومًا يبلغ من الشدة التي ليس بعدها شدة.
    وقوله : {مثقال ذرة {3} سبأ ؛ أي تبلغ المقدار الذي ليس بعده إلا زيادة فائضة عليه.
    وقوله تعالى : {سنفرغ لهم أيها الثقلان {31} الرحمن.
    أي عندما تبلغون العدد الذي يملأ النار من الطالحين، ولا زيادة عليه، على الوعد الذي قطعه الله تعالى على نفسه بملء جنهم من الجنة والناس. ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس الذين تكتمل النار بهم.

    وقد حذفت ألف أيه (أيها)؛ ألف التمييز عن الآخرين، والبعد للمخاطبين، لأنه لا محاسب آخر غيرهم ليتميزوا عنهم، والكل يومئذ قريب ثابت في مكانه، يسمع ما يقال له، ومصغ للأمر الذي يصله، فلا حاجة للألف المدية لأجل ذلك.
    وقد حذفت ألف أيه (أيها) في موضعين آخرين؛
    في قوله تعالى : {وقالوا يا أيه الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون {49} الزخرف.
    فبعد قتل فرعون للسحرة لم يبق ساحر في نظرهم إلا موسى ولا أحد غيره. فحذفت لأجل ذلك الألف الذي تدل على وجود آخر .
    وفي قوله تعالى : {قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ... وتوبوا إلى الله جميعًا أيه المؤمنين لعلكم تفلحون {31} النور.
    فلما كان الخطاب موجه للمؤمنين من الرجال والنساء، لم يبق أحد من المؤمنين خارجًا عن الخطاب، فحذفت الألف لأجل ذلك .
    وقد ثبتت ألف "أيها" في بقية المواضع؛ في (150) موضعًا آخر في القرآن.
    وفي هذه الآية من سورة الرحمن،
    لم يقل تعالى أيها الإنس والجن بل قال أيه الثقلان؛ لماذا ؟

    لقد جاء تسمية الإنس لتأخر خلقهم عن الملائكة والجن، أو لأن بعضهم يأنس ببعض، فلا تأخير يومئذ ولا أنس،
    وجاءت تسمية الجن لخفاء خلقهم فلا يبصرهم الإنس، ويومئذ لا خفاء لهم، وما يخفى على الله منهم من شيء.
    فالتسميتان غير صالحتين لأحوال الآخرة.
    وكل منهما مثقل بما كسبت يداه في دنياه،
    والهم يثقله من رهبة الموقف، وخشية العقاب.

    التعديل الأخير تم بواسطة أبو مسلم العرابلي ; 21/06/2016 الساعة 03:55 AM

  15. #35
    باحث إسلامي في علوم القرآن واللغة الصورة الرمزية أبو مسلم العرابلي
    تاريخ التسجيل
    26/04/2007
    العمر
    67
    المشاركات
    3,024
    معدل تقييم المستوى
    21

    افتراضي رد: سورة الرحمن أشغلت فكري وملأت قلبي

    : {فبأي آلاء ربكما تكذبان {32} الرحمن .
    فكما أن الآلاء من النبات يبقى أخضرًا؛
    إن قل الماء أو كثر،
    وإن اشتد الحر أو اشتد البرد،
    فقدرة الله تعالى لا تتغير ولا تتوقف في موقف رحمة
    أو في موقف حساب وعقاب،
    فبأي قدرة لله يكذب بها الثقلان ؟!


  16. #36
    باحث إسلامي في علوم القرآن واللغة الصورة الرمزية أبو مسلم العرابلي
    تاريخ التسجيل
    26/04/2007
    العمر
    67
    المشاركات
    3,024
    معدل تقييم المستوى
    21

    افتراضي رد: سورة الرحمن أشغلت فكري وملأت قلبي

    : {يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان {33} الرحمن .

    في هذه الآيات مسائل عديدة؛
    المسألة الأولى: هل الخطاب موجه للجن والإنس في الدنيا أم في الآخرة؟
    والصحيح أنه موجه لهم في الدنيا وليس في الآخرة،
    لأنه لما سبق الآية التهديد للثقلين وأن الله تعالى سيفرغ لحسابهم، فمن يريد أن يعمل شيئًا ليهرب من الحساب، فليهرب في الحياة الدنيا قبل مجيء يوم الحساب. وليخرج من الأرض والسماوات ويغادرهما قبل ذلك اليوم؛ لأنه سيعاد إلى بطن الأرض وسيخرج منها للحساب؛ لقوله {ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجًا{18} نوح .
    المسألة الثانية: لماذا الخطاب لمعشر الجن والإنس وليس لآحادهم ؟!
    النفاذ من أقطار السماوات والأرض يحتاج إلى عمل جماعي، ويحتاج إلى أدوات، ويوم القيامة يأتي كل واحد فردًا، لا يملك شيئًا، حتى أنه لا يملك ملابس تستره، ويفر من الجميع، ولا يطيعه أحد، وحتى أعضاؤه التي فيها قوته لا تطيعه وتشهد عليه،
    فكيف يخاطب يوم القيامة بما لا يستطيع، وما لا قدرة له عليه ؟!
    المسألة الثالثة : لماذا قدم الجن على الإنس ؟!
    لأن الجن لهم قدرة أكبر من قدرة الإنس، ولهم قدرة الارتقاء في السماء لاستراق السمع، ومنهم من له قدرة كبيرة، كقدرة الذي استعد أن يأتي بعرش ملكة سبأ، وقد يكون هناك من لهم قدرات أعظم من قدرته،
    ولأن أكثر الجن من الشياطين المستحقين لعذاب الله ... فهم الأحوج لهذا الفرار من غيرهم.
    المسألة الرابعة : أن التحدي كان في أمرين؛ النفاذ من أقطار السماوات، والاتجاه فيه إلى الأعلى، والنقاذ من أقطار الأرض، والاتجاه فيه إلى الأسفل، ولكل واحد منهما أحواله وأدواته.
    المسألة الخامسة: أن النفاذ ممكن لقوله تعالى "فانفذوا" وجعل له شرطًا "إلا بسلطان"
    المسألة السادسة: أن النفاذ هو المرور في الشيء وتعديه لما بعده، وهذا النفاذ يكون في زمن قصير؛ ساعات أو أيام معدودة، ولا يحتاج لمليارات السنين، والله تعالى لا يخاطب الناس ما لا يمكن أن يقدروا عليه في عمرهم القصير وهو الذي قدَّر أعمارهم.
    المسألة السابعة: أن النفاذ من أقطار السماوات ممكن بالسلطان، والنفاذ من أقطار الأرض لا يمكن لأنه سيرسل عليهم شواظ من نار.
    المسألة الثامنة: أن أقطار البلاد هي الحدود التي ما بعدها لا يعد منها، ولا داخل فيها، أي زائدة عليها، والماء الزائد في الشيء هو الذي يقطر، والقوافل تحمل الزائد ليباع في بلاد تحتاجه، وتأتي بالزائد من البلاد الأخرى فتجلبه لمن يحتاجه، ولذلك سميت القوافل التي تحمل هذه الزوائد بالقافلة لأجل ذلك، وليس لتتابعها، ولا لربط مؤخرة الدابة بمقدمة التي تليها.
    المسألة التاسعة: يجب على النافذ أن يحمل من الزائد عنده وليس موجودًا خارج الأقطار، وأهمها الهواء والماء والطعام، وكل مفقود هناك ولا بد منه.
    المسألة العاشرة: يجب على النافذ أن يحمي نفسه، والآلة التي تحمله، وكل ما هو معه، حتى يكون سالمًا، في ذهابه وإيابه.
    المسألة الحادية عشر: يجب أن يخطط للعودة سالمًا كما يخطط للذهاب، وإلا لن يعود إلى الأرض أبدًا.
    المسألة الثانية عشر: أن النفاذ لا يكون بقوة الجسد، بل لا بد من آلة يكون فيها، وقوة دافعة ومحركة لها بقوة،
    المسألة الثالثة عشر: أن النفاذ نوعين؛
    نفاذ يتعدى الشيء وتنقطع علاقته به، كالتي تخرج من جاذبية الأرض وتنطلق بعيدًا في الفضاء ولا ترجع للأرض.
    ونفاذ يتعدى الشيء ويبقى له ارتباط فيه. كدوران الأقمار الصناعية في الفضاء في مدار حول الأرض لاتخرج عن جاذبيتها.
    وكل هذا مقارن بنفاذ السهم من الرمية؛ نفاذ يتجاوزه، ونفاذ يظل عالقًا به.
    المسألة الرابعة عشر: ما هو السلطان الذي يتم به النفاذ؟
    لما كان النفاذ من أشياء مادية، فلا بد من شيء مادي للنفاذ، وليس لحجج وبراهين، وإن تطلب الأمر علوم وقوانين لضبط النفاذ.
    السلطان لغة: جمع سليط، والسليط هو زيت السمسم أو زيت الزيتون الذي يستعمل في الفوانيس، والسليط من مادة "سلط" وهي مستعملة في غلبة القليل الكثير بيسر وسهولة، ومنه تسمية الحاكم بالسلطان؛ لأنه فرد يغلب رعيته التي قد تبلغ مئات الملايين وينفذ أمره فيها بسهولة ولا يرد، وقليل من الزيت تشتعل في الفانوس فتغلب الظلام الكثير، ولذلك سمي الزيت المستعمل كوقود بالسلطان جمع سليط،
    ولذلك يحتاج النفاذ إلى وقود شديد الحرارة والإضاءة، كقوة دافعة، للتمكن من النفاذ، وهذا الذي حصل ... فلم يستطع الإنسان على النفاذ إلى الفضاء الخارجي إلا بهذا السلطان، وهو الذي حدده الله تعالى في هذه الآية.

    اقرأ المزيد عن النفاذ بسلطان وبتفصيل أكثر للآية
    على هذا الرابط في المنتدى نفسه
    http://www.wata.cc/forums/showthread.php?62939-

    التعديل الأخير تم بواسطة أبو مسلم العرابلي ; 08/06/2016 الساعة 03:24 AM

  17. #37
    باحث إسلامي في علوم القرآن واللغة الصورة الرمزية أبو مسلم العرابلي
    تاريخ التسجيل
    26/04/2007
    العمر
    67
    المشاركات
    3,024
    معدل تقييم المستوى
    21

    افتراضي رد: سورة الرحمن أشغلت فكري وملأت قلبي

    : {فبأي آلاء ربكما تكذبان {34} الرحمن .
    لما كان التحدي في النفاذ من شيئين مختلفين،
    وكان النفاذ من أقطار السماوات جائز بسلطان،
    والنفاذ من أقطار الأرض غير جائز؛
    فقد جاءت الآية فاصلة بين النتيجتين،
    وفي كل منهما بيان لقدرة الله تعالى في كل شيء.


  18. #38
    باحث إسلامي في علوم القرآن واللغة الصورة الرمزية أبو مسلم العرابلي
    تاريخ التسجيل
    26/04/2007
    العمر
    67
    المشاركات
    3,024
    معدل تقييم المستوى
    21

    افتراضي رد: سورة الرحمن أشغلت فكري وملأت قلبي

    : {يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران {35} الرحمن .

    لما كان التحدي في أمرين؛
    النفاذ من أقطار السماوات، ويمكن ذلك بالسلطان،
    والنفاذ من أقطار الأرض ولا يمكن لأن سيرسل عليهم شواظ من نار ونحاس؛

    يرسل؛ أي يأتي من مكان بعيد، من باطن الأرض العميق،
    أما الشواظ من نار؛ فالشَّواظُ والشُّواظُ: اللَّهَب الذي لا دُخانَ فيه يقال لدُخان النار شُواظ وشِواظ ولحرّها شُواظ وشِواظ، وحرّ الشمس شُواظ، وأَصابني شواظ من الشمس.
    وقيل: الشُّواظ قِطْعة من نار ليس فيها نُحاس، وقيل: الشواظ لهب النار ولا يكون إِلا من نار وشيءٍ آخر يَخْلِطُه؛
    والشيء إذا بلغ من الحرارة أشدها يصبح نارًا،
    أما النحاس؛ النِّحاسُ والنُّحاس: الطَّبيعة والأَصل والخَلِيقَة.
    ونِحاسُ الرجل ونُحاسه: سَجِيَّته وطَبيعته.
    يقال: فلان كريم النِّحاس والنُّحاس أَيضاً،

    والنِّحاسُ: ضَرْبٌ من الصُّفْر والآنية شديدُ الحمرة.
    ويستخرج بالحرارة الشديدة التي تفصله عن مركباته وتنقيه من الشوائب
    والنُّحاس، بضم النون: الدُّخانُ الذي لا لهب فيه؛
    لأن الدخان هو أصل النار الذي بقي كما هو ولم يحترق،
    وعندما يحترق يتحول إلى نار.
    ويَتَنَحَّس الأَخبار أَي يَتَتَبَّع الأخبار؛ لمعرفة أصلها وحقيقتها.
    وتَنَحَّس النصارى: تركوا أَكل الحيوان؛
    ( وكأنهم رجعوا إلى أول أيام مولدهم يشربون الحليب
    ولا يستطيعون أكل اللحوم،
    وكأن ذلك هو الأصل عندهم الذي يجب التمسك به
    ) .
    فالذي يرسل عليهم من باطن الأرض هي المواد التي بقيت على أصلها، لأنها لم تختلط بماء ولا هواء، وهي في غاية الشدة والحرارة،
    ونحن نرى الانفجارات البركانية،
    التي تخرج عندما تجد لها مخرجًا،
    فكيف إذا أوجد لها الإنسان مخرجًا ؟!
    فالنفاذ من أقطار الأرض مستحيل للمرور من باطنها إلى الطرف الآخر،
    أما بالدوران حولها فيمكن، وهو يحدث كثيرًا.

    لكن الأرض سميت بالأرض بسبب وجهها الذي يقبل الماء وينبت النبات، وما تحت الأرض لا يتصف بهذه الصفة، الذي بقي نحاسًا على أصله لم يتغير،
    ولذلك لم تثن الأرض ولم تجمع في القرآن، لأن كلام الله تعالى يراعى فيه سبب التسمية، ومطابقة المسمى للواقع. فالطبقات التي في باطن الأرض ليس لها صفة وجه الأرض، لكن في الأحاديث فرجة للتعبير بما يمكن للناس فهمه.


  19. #39
    باحث إسلامي في علوم القرآن واللغة الصورة الرمزية أبو مسلم العرابلي
    تاريخ التسجيل
    26/04/2007
    العمر
    67
    المشاركات
    3,024
    معدل تقييم المستوى
    21

    افتراضي رد: سورة الرحمن أشغلت فكري وملأت قلبي

    : {فبأي آلاء ربكما تكذبان {36} الرحمن .
    وبعد كل عرض وبيان لقدرة الله تعالى في جعل الأرض فراشًا فوق تلك النار التي تحتها ولا تظهر إلا بالقدر الذي يريده الله تعالى،
    وجعل الناس يأمنون فوقها،
    وقد جعل فيها منفعة كبيرة كتزود الأرض بالمعادن والأملاح،
    فنرى الأرض حول البراكين أرض خصبة،
    ويتمسك الناس بها مع وجود الخطر الشديد قربها.
    هذا ما تحت الأرض ... وأهوال ما فوقها إذا أتى قد يكون أعظم منها
    ..


  20. #40
    باحث إسلامي في علوم القرآن واللغة الصورة الرمزية أبو مسلم العرابلي
    تاريخ التسجيل
    26/04/2007
    العمر
    67
    المشاركات
    3,024
    معدل تقييم المستوى
    21

    افتراضي رد: سورة الرحمن أشغلت فكري وملأت قلبي

    :{فإذا انشقت السماء
    فكانت وردة كالدهان {37} الرحمن

    في هذه الآية مسائل محيرة في الجمع بين ألفاظها؛ انشقت، وردة، كالدهان، وكل لفظ منها مقصود لذاته، وكل لفظ يراعى فيه سبب تسميته المبني على استعمال جذره، ويوضع في الموضع الذي لا يصلح فيه غيره، لبيان مراد الله تعالى في الإخبار في أمر غيبي، يمكن إدراكه لوضعه في ألفاظ عربية لها دلالاتها، مع الجمع بين الآية والصور الأخرى التي ذكرت في القرآن عن قيام الساعة.
    أولا: الانشقاق من مادة "شقق" : وهي مستعملة في بيان تولد شيء من شيء يخالفه، ويظل ملاصقًا له ومرتبطًا به ارتباطًا شديدًا؛ فمثلا: كانت الأرض صخرة واحدة أو وجهها كله من الصخور، فما زال المطر ينزل عليها ويفتتها وينقل المفتت ويرسبه في المنخفضات منها حتى تكون التراب الذي يقبل الماء وينبت النبات خلافًا للصخور، فشق الله تعالى التراب من الصخر المختلف عنه، وظل ملاصقًا ومغطيًا له؛
    فقال تعالى: {فلينظر الإنسان إلى طعامه{24} أنا صببنا الماء صبًا{25} ثم شققنا الأرض شقًا{26} فأنبتا فيها ...........{27-32} عبس.
    والأخ الشقيق المرتبط بشدة مع أخيه في الأب والأم، أما المتربط بأب فقط أو أم فقط فلا يعد شقيقًا.
    والذين شاقوا الله والرسول هم الذين كفروا ولم يبتعدوا ويولوا، بل بقوا ملاصقين محاربين من المشركين وأهل الكتاب والمنافقين، هؤلاء هم الذين ذكروا بالشقاق.
    والبيت الذي يقسم إلى قسمين أو أكثر؛ كل واحد في جهة، لكنها متلاصقة بشدة، ويسمى كل قسم منها شقة.
    ومن علامات موت القمر الذي ارتبط انشقاقه بالساعة التي تنتهي فيها الحياة ويموت كل شيء؛ أنه انشق إلى شقين؛ شق يُرى من الأرض بصفة دائمة، وشق لم ير من الأرض بصفة دائمة، ولا نعرف عنه شيء إلا من تصوير الأقمار الصناعية التي دارت حول القمر.
    وهناك في المنتدى بحث كامل عن انشقاق القمر ودراسة مطولة فيه.
    وفهم انشقاق السماء المكونة من غازات في الآية؛ أنه يتولد منها شيء لا يعد غازًا، مادة سائلة أو صلبة، فغازاتها يمكن أن تتحول إلى أمطار سائلة أو مواد صلبة كالبرد والثلوج،
    ولما تتفجر البحار يوم القيامة سينتقل أكثرها ليصبح في السماء، ولما تصبح الجبال هباء منثورًا يملأ السماء،
    ولما تضعف قوة الأرض ويصبح الناس كالفراش المبثوث والجبال كالعهن المنفوش، ولا تستطيع جاذبية الأرض أن تحفظ القمر في مداره فيفلت من جاذبيتها فتجذبه الشمس ويجمع معها؛ فأكثر ما يرتفع في السماء يصعب نزوله وترسبه ويستقر على الأرض. ويومها تمور السماء وتضطرب وتتحرك بقوة على وجه الأرض، وليس في الأرض يومها جبال تحجز أو تخفف من حركتها.

    أما الورود فهو اتيان الشيء جبرًا أو اضطرارًا، فإن كانت له إرادة فارقه بعد قضاء حاجته ولا يمكث فيه إلا قليلاً.
    قال تعالى: {ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون{23} القصص،
    وقال تعالى: {وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم {19} يوسف. وكان ورودهم اضطرارًا ولأجل قصير.
    أما قوله تعالى: {وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتمًا مقضيًا {71} ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيًا {72} مريم، ولو قال تعالى: {وإنكم لواردوها} لدل ذلك على أنهم جميعًا سيفارقونها؛ {وإن منكم}؛ أي أن المفارقة ستكون لبعضهم فقط، ومن لم يفهم ذلك أنكر الورود بمفهومه للمؤمنين وجعله للكافرين فقط؛ لقوله تعالى: {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون{71} الأنبياء. ولكن المرور على النار لا بد منه للوصول إلى الجنة.
    وقال تعالى عن فرعون: {يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود {98} هود. {ونسوق المجرمين إلى جهنم وردًا {86} مريم. {لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها {99} الأنبياء. فهؤلاء ورودهم جبرًا، ولا يملكون القوة للخروج منها.
    والورود أن تأتي الشيء وتكون عنده بجانبه أو فوقه كما يقف الساقي فوق البئر ، فإما أن تفارقه بعد ذلك، وإن دخلته وصرت فيه فقد انتهى الورود.

    و"الورد" نور كل نبات بأي لون كان، فإن ظهوره يكون لفترة قصيرة، ولونه يجلب الأنظار والحشرات التي ترده لأخذ الرحيق منه، وهو ضروري لتلقيح النبات لأجل تكون الثمار.
    وانشقاق السماء يوم القيامة بما تحمل يجعلها وردة تمر على الأرض بقوة، وهذا لأجل قصير وقت قيام الساعة.

    أما تشبيهها بالدهان، فلأن الدهان هو ما بل الشيء بأرق ما يكون وكأنه غير موجود، فلا يتراكم، ولا يسيل من كثرة، ويصبح وجه الشيء به ناعمًا زلقًا.
    فلا استقرار للسماء على وجه الأرض، تمر عليها باستمرار بقوة وبيسر وسهولة حيث تكون الأرض لا عوجًا فيها ولا أمتًا.

    أما القول بأن السماء تتلون بألوان الورد والدهان؛ فلا علاقة لتنوع الألوان بسبب التسمية لهما.

    التعديل الأخير تم بواسطة أبو مسلم العرابلي ; 27/06/2016 الساعة 12:16 PM

+ الرد على الموضوع
صفحة 2 من 5 الأولىالأولى 1 2 3 4 5 الأخيرةالأخيرة

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 1

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •