لمحات من تاريخ الدولة العثمانية
مقتطعة من كتاب الشعر العربي في الفتوحات العثمانية من عهد السلطان سليم الأول إلى نهاية الدولة العثمانية للدكتور عثمان قدري مكانسي
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
المقدمــــــــــــــــة
العلاقة التي قامت بين العرب والعثمانيين منذ البداية كان أساسها الحب والأخوة في الله ، وفي مطلع القرن العشرين بدأنا نسمع نغمات شاذة على ألسنة العلمانيين وبعض الباحثين ممن ليست لهم خلفية تاريخية إسلامية سليمة ومن النصارى ، يصفون العثمانيين بأوصاف تجعلهم غرباء محتلين ، دخلوا البلاد باسم الإسلام وتقنعوا به ، والدين منهم براء ( راجع الفصل الثاني من كتاب " صحوة الرجل المريض " لموفق بني المرجة ففيه الكثير من الأدلة على ذلك ).
ونسي هؤلاء أو تجاهلوا أموراً عدة تدحض ما افتروه نجملها فيما يلي:
1 ــ إن الدولة العثمانية حين قامت كان شعارها نشر الإسلام ، وكان هذا قبل دخولهم البلاد العربية بمئتي سنة ، وإن آباءهم حين لم يستطيعوا صد أمواج التتار المكتسحة لبلادهم هربوا بدينهم ولم يرضوا أن يبيعوهم دينهم كما فعل غيرهم ممن تراموا على أقدام التتار وحاربوا تحت رايتهم إخوانَهم في العقيدة ، بل إنهم ساعدوا السلطان السلجوقي ضد قائد التتار في آسيا الوسطى فكافأهم بأن أقطعهم أرضاً على حدود بيزنطة ( العثمانيون في التاريخ والحضارة ص / 41 / تحت عنوان : العثمانيون المفترى عليهم ) .
2 ــ إن مؤسس الدولة الإسلامية العثمانية كان همه وشغله الشاغل نشر الإسلام ، ووصيته لابنه أورخان أوضح مثال على ذلك ( المصدر السابق ص /16 /) .
3 ــ ونرى حرص العثمانيين الدائب على فتح القسطنطينية ليحققوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم فيكون أمراؤهم خير الأمراء ، وجيشهم خير الجيوش. وقد أدرجنا في التمهيد التاريخي من أقوال السلطان الفاتح (محمد الثاني) والخليفة ( سليمان القانوني ) ما يثبت انتماءهم الساطع للإسلام والعمل له .
4 ــ إن العرب رحبوا بالعثمانيين ، بل دعوهم إلى تخليصهم من جبروت الدولة المملوكية وظلمها وتعطيلها الأحكام الشرعية ، فقد راسل المصريون السلطان سليماً الأول منذ بداية توليه عرش بلاده لكي يقدم إلى مصر على رأس جيشه فيستولي عليها ويطرد الشراكسة ــ كما كانوا يسمونهم ــ كما رحب أهل الشام به وأسرع العلماء إلى ملاقاة جيشه ، ولقنوا أولادهم أن ينشدوا { ينصرك الله العظيم يا سلطان سليم } وفي الأرشيف العثماني في متحف ( طوب قابي سراي ) في استانبول عريضة رفعها علماء حلب إلى السلطان سليم يقدمون له ولاءهم ويطلبون تحكيم الشريعة التي عطلها المماليك فظلموا العباد . وكذلك فعل أهل المغرب العربي ( ) المصدر السابق ص /170 /) .
5 ــ إن الدولة المحتلة تمنع المحكومين من أن يكون لهم صولة وجولة فيها على خلاف مانرى في الدولة العثمانية ، فقد وصل بعض العرب إلى مشيخة الإسلام ، وهي أعلى منزلة من الصدر الأعظم ، كما كان منهم ولاة للأقاليم ووزراء وقادة للجيش ، وكان الخلفاء إذا سمعوا بعالم أو نجيب استقدموه وأكرموه بغض النظر عن جنسه .ولا أزال أذكر أن أبي حدثنا عن حب جدي وأقرانه للعثمانيين ، وثناءهم العاطر عليهم . ومامن رجل معمِّر سألته عنهم إلا تنهد وقال : أولئك الخلفاء والسلاطين المسلمون هم حماة الإسلام وبقية السلف الصالح .
ولا أظن أن أجدادنا كانوا مغرمين بحب من أساء إليهم وحكمهم بالنار والبارود ، حاشا وكلا ، فالعثمانيون حمَوْا البلاد من الصليبيين زهاء أربعة قرون ، وهذا ما أزعج الأعداء فافتروا عليهم .
6 ــ ولا ننس أن الذين كتبوا التاريخ الحديث للبلاد الإسلامية نصارى ومستشرقون ، وعلى رأسهم قسطنطين زريق وفيليب حتى وجورجي زيدان .. وغيرهم ، وهم معروفون بصليبيتهم الحاقدة على الإسلام وأهله، فلا بد إذاً من قلب الحقائق والدس على دولة إسلامية هيمنت على قدر كبير من بلادهم ردحاً من الزمن ، وقرعت أبواب عواصمهم وشغلتهم بأنفسهم وصانت المقدسات الإسلامية من كيدهم .
7 ــ أما إن استشهد الطاعنون بما فعله الكماليون فهذا لايعيب العثمانيين لأنهم قوم ، والكماليون قوم آخرون .
فالطورانيون الذين استولوا على الحكم بعد عام / 1910 م / كانوا قوميين متطرفين ، فحين سيطروا على الحكم ألغوا الخلافة وأعلنوا تركيا دولة علمانية لاعلاقة لها بالإسلام ، وكتبوا التركية بالأحرف اللاتينية بعد أن كانت تكتب بالأحرف العربية ، ومنعوا تدريس اللغة العربية وذلك ليبعدوا الجيل الجديد عن القرآن ، وقطعوا علائقهم بالعرب بعد أن ساموهم الخسف في العقدين الأولين من هذا القرن .
ونظرة متأملة فاحصة في كتاب ( أتاتورك ذلك الصنم ) وكتاب (صحوة الرجل المريض أو السلطان عبد الحميد) تظهر بجلاء تلك المؤامرة الخبيثة على الإسلام والدولة العثمانية العظيمة على يد (جمعية الاتحاد والترقي الماسونية) .
ولإظهار هذه الحقائق وبناء جسر متين بين العرب والإخوة الذين يتكلمون التركية ، وإزالة الغبار والقتام عن تاريخ سوَّده أعداء الإسلام وشوَّهوا صورته كان اختياري لهذا البحث .
ولما كان العصر العثماني يمتاز بكثرة الحروب التي خاضتها جيوش هذه الدولة على الجبهتين الأوروبية والشرقية ، فقد تفاعل الشعراء مع هذه الحروب سلباً وإيجاباً ، وكان شعرهم يراعاً يؤرخ هذه الأحداث .
ورأيت أن أدرس شعر هذه الفتوحات والحروب لأشارك في مسيرة الأدب العربي بدراسة متبصرة ــ إن شاء الله تعالى ــ مبتدئاً بدخول السلطان سليم الأول البلاد العربية ، ومختتماً بزوال الخلافة العثمانية عام / 1923 / للميلاد ،
الموافق / 1342 / للهجرة ظناً مني أن أحداً ــ حتى الآن ــ لم يتطرق إلى شعر الفتوحات في العصر العثماني .
هذا الدكتور علي الجندي أسهم في شعر الحرب في العصر الجاهلي .
وهذا حِذوه الدكتور نعمان القاضي قد كتب في شعر الفتوحات الإسلامية .
كما كتب غيرهما في شعر الحروب في العصر العباسي .
ولعل عملي هذا حلقة وصل في بيان جهود المسلمين الفاتحين وتصديهم لأعدائهم الذين أرادوا القضاء على الدولة العثمانية منذ ظهورها، لأنها كانت شوكة في حلوق أعداء الإسلام ونبراساً يضيء الدرب أمام الدعاة إلى الله تعالى .
وأحب أن أنوّه إلى أن الحروب الداخلية لن تدخل في البحث لأنها قلاقل وثورات داخلية ، وليست حروباً غايتها الفتح أو رد العدوان ، إلا إذا كانت تمرداً من فئات غير إسلامية تعيش في قلب الدولة الإسلامية ، أو أرادت أن تنشئ دولة على حساب الدولة العثمانية ، فإني أفردت لها فصلاً أبين فيه دور العثمانيين في الحفاظ على الهوية العثمانية ووحدة البلاد .
وكثير من الباحثين يجعلون نهاية الدولة العثمانية حين دخل ( نابليون بونابرت ) إلى مصر عام / 1798 م / الموافق / 1213 هـ / وما بعد ذلك أطلقوا عليه اسم الأدب الحديث ، وهذا - في رأيي- إن كان يجوز في الآلات والمخترعات والثورة الصناعية الحديثة ، فإنه لايجوز في الثقافة والفن والأدب ، إذ إن مجيء نابليون دعا الشعراء إلى مناهضة الأوروبيين وقوَّى اللحمة الوطنية والإسلامية تحت راية الخلافة العثمانية، بل إن رواد الشعراء العرب في مطلع هذا القرن أمثال البارودي وحافظ إبراهيم وأحمد شوقي وغيرهم .. كان ولاؤهم الفكري والديني للعثمانيين ، وعودة إلى دواوينهم تؤصل هذا المنحى في شعرهم ، وسنرى في دراستنا هذه الانتماء إلى الدولة العثمانية والولاء لها .
وقد اعتمدت في بحثي هذا على مراجع ومصادر متعددة كان أهمها حسب التاريخ الهجري
1- الكواكب السائرة في أعيان المئة العاشرة / لنجم الدين الغزي
2- خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر / للمحبي .
3- سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر/لمحمد خليل المرادي
4- حلية البشر في تاريخ أعيان القرن الثالث عشر للبيطار .
كما كان لي عودة إلى دواوين كثير من شعراء هذه القرون كما سيتضح لقارئ هذا البحث إن شاء الله .
وفي دراستي الفنية كان لي عود إلى كتب البلاغة ( في علوم المعاني والبيان والبديع) لمجموعة من المتخصصين في هذا العلم أمثال : الدكتور عبد العزيز عتيق والدكتور بكري الشيخ أمين .
يتبع
المفضلات