أكذوبة قبائل الزط

كاظم فنجان الحمامي

مما يؤسف له أننا وعلى الرغم من معايشتنا اليومية لقفزات التقدم الهائل، الذي أحرزته مراكز التحليل والفحص والتنقيب في الألفية الثالثة، نجد بيننا من ينظر إلى الطبقات الاجتماعية الفقيرة بعيون متعالية، ونجد بيننا من يصر على التمسك بما حملته كتب التاريخ من أخبار مدسوسة، وأحداث ملفقة، شوهت صورة الشعوب والأمم، من دون أن يدركوا إن التاريخ يكتبه المتغلب، أو الغالب، ويتم فرضه بالقوة على المغلوب، وأحياناً يكتبه وعاظ السلاطين بأمر من الحاكم الجائر ليفرضه بالقوة على الشعوب المُضطهدة، ولا يفوتنا أن نذكر إن بعض المؤرخين في الفترات المظلمة نسجوا من خيالهم الكثير من الحكايات، واستعانوا بمواهبهم السردية لتجديد الفوارق الطبقية وتعميقها من وقت لآخر، وهذا ما يلمسه الباحث الواعي عند تصفحه تاريخ الأقوام البشرية المقهورة. الطامة الكبرى عندما يخرج عليك كاتب من وطنك ليطعن بشريحة من أشقائك، تارة لأغراض طائفية، وتارة لدوافع طبقية، والأنكى من ذلك عندما يستعين هذا الكاتب المتحذلق برواية واهية مكتوبة منذ أكثر من ألف عام. من بين هذه الحكايات الملفقة، نذكر أكذوبة (قبائل الزط الهندية) التي يزعمون فيها أن (محمد القاسم الثقفي) جلبهم من الهند، وأسكنهم في أهوار جنوب العراق في القرن الهجري الأول، أي قبل أكثر من ألف عام.
من الحقائق الدامغة، نذكر إن القبائل التي يزعمون أنها تحمل اسم (الزط) غير موجودة الآن، ولا أثر لها البتة في القارة الهندية، بيد أنها ظلت تعيش منذ قرون وقرون في عقول الذين يريدون تشويه صورتنا بأي صورة، وظلت ثابتة بين صفحات المؤلفات العربية التي أكل عليها الدهر وشرب.
تخيل أننا نتوحد في الدفاع عن عروبة الأحواز في إيران، وعروبة لواء (الإسكندرونة) في تركيا، وعروبة قبيلة (عراقو) في تنزانيا، وعروبة (دارفور) في الصحراء الإفريقية، وغير مسموح لنا بالدفاع عن عروبة جنوب العراق، ثم يخرج علينا من يطعن بجذورهم، التي تفرعت من البطون العدنانية والقحطانية، وظلت تحمل ملامح الانتساب إلى قبائل تميم والأزارقة وطي وخزاعة وبني مالك وربيعة وزبيد وبني ساعدة وبني أسد وأشراف قريش.
نصاب بصدمة أخرى عندما نرى الإجراءات التعسفية، التي لجأت إليها الأقطار الخليجية في تعاملها السيئ مع مواطنيها من أبناء البادية (البدون)، الذين لا يحملون الآن أي انتماء رسمي، ولا يمتلكون بطاقة الأحوال المدنية، بل أصبحت عقوبة (سحب الجنسية) من أبسط الإجراءات التي تهدد حياة أي مواطن خليجي يخالف السلطة.
لو بحثنا في المؤلفات العربية عن قبائل (الزط) الوهمية، لوجدنا أن المؤرخين نعتوهم بأبشع النعوت، ووزعوهم على مناطق عربية متعددة ومتباعدة، وألصقوا بهم ممارسة المهن الدونية. يقولون أنهم احترفوا الرقص والغناء (غجر)، ويقولون أنهم يمتهنون التسول (الكدية)، ويقولون أنهم تخصصوا بتربية الخنازير والماشية، وما إلى ذلك من نعوت تفننوا في تسويقها في كل الاتجاهات لإرضاء الحاكم الجائر.
والحديث ذو شجون