تأملات تربوية في سورة الحجرات

الدكتور عثمان قدري مكانسي


{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } :
لماذا ناداهم ولم ينادِ غيرهم؟ حين يكون في الأمر شرع ونظام للمسلمين ينادّون وحدهم لانهم المكلفون بالتنفيذ ، وقد ورد النداء { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } في القرآن تسعاً وثمانين مرة ، وحين يكون الدعاء للدعوة والإيمان بالله نسمع : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ }.

إطاعة الله والرسول فرض :
وهذا ما رأيناه في جوابه للرسول صلى الله عليه وسلم حين أرسله إلى اليمن حاكماً :
( بم تحكم يا معاذ؟ )
فقدم القرآن ثم سنة النبي ثم يقول برأيه الذي لا يخالف الشرع والسنة .
ولا يرأي لاحدٍ خلاف السنّة ولا يُقال بين يديه صلى الله عليه وسلم قبل كلامه.

الإدلاء بالرأي بعد الإذن :
/ نحن أتباعه ونصدر عن سنته وشرعه/ فلا يتكلم أحد من أصحابه صلى الله عليه وسلم إلا بإذن رسول الله ، ومن بعده لا رأي إلا بما يوافق سنته.
التقوى من سمات المسلم، وقد كرر ذكر التقوى في هذه السورة دلالة على التحلي بها.

مراقبة الله تعالى :
فهو سبحانه يرانا، ومن الإحسان أن نعبد الله كأننا نراه فإن لم نكن نراه فإنه سبحانه يرانا.

عدم رفع الصوت أمام النبي وفي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم:
عمر يكاد يضرب غريبين علا صوتهما في المسجد.

احترام العلماء والكبار ، وخاصة الآباء والأمهات ومن فوقهم.
من فعل ذلك نال الأجر الكبير.

علا صوت الصديق والفاروق في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم حين جاء بنو تميم فاقترح الصديق أن يكون القعقاع بن معبد أميرهم وقال الفاروق بل الأقرع بن حابس ، فنزل قوله سبحانه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2)} فكان الصديق لا يتحدث إلا كأخي السرار وكان الفاروق يهمس حتى يستبين الرسول كلامه مرات ومرات.
والأنصاري ثابت بن قيس (صوته جهوري) : هو من أهل الجنة قتل يوم اليمامة ،ترك مجلس النبي صلى الله عليه وسلم خوف أن يحبط عمله ، فلما افتقده رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرف السبب أدناه وقال له:
( تعيش حميدا وتموت شهيداً ).

قد يحبط العمل دون الإحساس به :
{ .. أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2)} فعلى المرء أن يكون حذراً في انتظار العالم للاستفادة منه والصبر عليه أجر كبير، وهذا ما رأيناه في قوله تعالى : { وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (5)}

البحث عن الحقيقة ووضوحها :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)}
– هذا مانراه في عودة الوليد بن عقبة الذي أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني المصطلق يجبي زكواتهم وصدقاتهم فعاد خائفاً منهم يقول غير الحق فقدم ضرار بن الحارث والد أم المؤمنين جويرية وزعيم بني المصطلق يحمل الزكاة ، ويوضح خطأ الوليد ، فمن حكم دون دليل قد يندم إذ يقع في الخطأ، ويقدم صورة غير حقيقية لما يجري.

طاعة المسؤول المسلم واجبة فما يصدر منه بعد الاستشارة إلى الحكم الأقرب للصواب :
{ وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ (71)} [المؤمنون]
وعلى المرءوس أن يطيع الحاكم المسلم فتقوم الحياة بالقسط والراحة والأمان.
عن أبي رفاعة الزرقي عن أبيه قال لما كان يوم أحد وانكفأ المشركون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( استووا حتى أثني على ربي عز وجل )
فصاروا خلفه صفوفا فقال صلى الله عليه وسلم :
( اللهم لك الحمد كله
اللهم لا قابض لما بسطت ولا باسط لما قبضتَ ولا هادي لمن أضللت ولا مضل لمن هديت ولا معطي لما منعت ولا مانع لما أعطيت ولا مقرب لما باعدت ولا مباعد لما قربت
اللهم ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك
اللهم إني أسألك النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول
اللهم إني أسألك النعيم يوم العيلة ،والأمن يوم الخوف ا
للهم إنى عائذ بك من شر ما أعطيتنا ومن شر ما منعتنا ،
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين ،
اللهم توفنا مسلمين وأحينا مسلمين وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين
اللهم قاتل الكفرة الذين يكذبون رسلك ويصدون عن سبيلك واجعل عليهم رجزك وعذابك
اللهم قاتل الكفرة الذين أوتوا الكتابَ، إله الحق
) رواه النسائي.

كل الخير من الله ، وهو سبحانه يعلم الهداة من الضالين :
{ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (8)}.
ومن اطاع ربه نال الخير في الدارين.

قد تتخاصم فئتان من المسلمين فيجب الإصلاح بينهما، فإن فجرت إحداهما فإنه ينبغي قتالها لتعود إلى الحق وتخضع له، ولا بدّ من العدل والعمل به فالله يحب العدل وأهله." قال صلى الله عليه وسلم :
( إنَّ المقسطينَ في الدُّنيا علَى منابرَ من لؤلؤٍ بين يدَيْ الرَّحمنِ بما أقسَطوا في الدُّنيا ) ولا ينبغي للحاكم أن يحابي في الحق أحداً .

( لا تحاسَدوا ، ولا تَناجَشوا (الزيادة في ثمن السلعة لا يُريد شراءها)، ولا تباغَضوا ، ولا تدابروا ، ولا يبِعْ بعضُكُم علَى بيعِ بعضٍ ، وَكونوا عبادَ اللَّهِ إخوانًا المسلمُ أخو المسلمِ ، لا يظلِمُهُ ولا يخذلُهُ ، ولا يحقِرُهُ التَّقوَى ههُنا ويشيرُ إلى صدرِهِ ثلاثَ مرَّاتٍ بحسبِ امرئٍ منَ الشَّرِّ أن يحقِرَ أخاهُ المُسلمَ ، كلُّ المسلمِ علَى المسلمِ حرامٌ ، دمُهُ ، ومالُهُ ، وَعِرْضُهُ وفي روايةٍ :
قالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ : فذَكَرَ نحوَ حديثِ داودَ ، وزادَ ، ونقصَ وممَّا زادَ فيهِ :
إنَّ اللَّهَ لا ينظرُ إلى أجسادِكُم ، ولا إلى صورِكُم ، ولَكِن ينظرُ إلى قلوبِكُم وأشارَ بأصابعِهِ إلى صدرِهِ.)إنها تعاليم الحق التي تبني مجتمعاً مسلماً منظماً متآلفاً.

النهي عن السخرية :
السخرية بالناس وهو احتقارهم والاستهزاء بهم كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :
" الكبر بطر الحق وغمص الناس - ويروى - وغمط الناس " والمراد من ذلك احتقارهم واستصغارهم وهذا حرام فإنه قد يكون المحتقر أعظم قدرا عند الله تعالى وأحب إليه من الساخر منه المحتقر له ; ولهذا قال تعالى:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ } فنص على نهي الرجال وعطف بنهي النساء
وقوله تبارك وتعالى { وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ } أي لا تلمزوا الناس والهماز اللماز من الرجال مذموم ملعون كما قال تعالى: { وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ (1)} [الهمزة] ، والهمز بالفعل واللمز بالقول كما قال عز وجل: { هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ (11)} [القلم] ، أي يحتقر الناس ويهمزهم طاغيا عليهم ويمشي بينهم بالنميمة وهي اللمز بالمقال ولهذا قال ههنا:
{ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ }

البعد عن اللمز من سمات المسلم :
{ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ } أي لا يطعن بعضكم على بعض وقوله تعالى : { وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ } أي لا تداعوا بالألقاب وهي التي يسوء الشخص سماعها
قال الإمام أحمد حدثنا إسماعيل حدثنا داود بن أبي هند عن الشعبي قال حدثني أبو جبيرة بن الضحاك قال فينا نزلت في بني سلمة { وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ } قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وليس فينا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة فكان إذا دعا أحدا منهم باسم من تلك الأسماء قالوا يا رسول الله إنه يغضب من هذا فنزلت {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ }
وهناك تهديد ووعيد من الله تعالى : {بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)} وينبغي للمرء أن ينادي أخاه بما يحب ويرضى، وهذا يقرب النفوس ويُذهب الأحقاد والضغائن.

الظن وهو التهمة والتخون للأهل والأقارب والناس في غير محله لأن بعض ذلك يكون إثما محضا فليُجتنبْ كثير منه احتياطا .
قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه "ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن إلا خيرا وأنت تجد لها في الخير محملا ،وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول :
( ما أطيبَكِ وأطيبَ ريحَكِ ما أعظمَكِ وأعظمَ حُرمتَكِ والذي نفسُ محمدٍ بيدِهِ لحرمةُ المؤمنِ أعظمُ عندَ اللَّهِ حرمةً منكِ مالُهُ ودمُهُ وأن يُظنَّ بهِ إلا خيرًا ) الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : ابن حجر العسقلاني | المصدر : الكافي الشاف وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إيَّاكم والظَّنَّ . فإنَّ الظَّنَّ أَكْذبُ الحديثِ ولا تحسَّسوا ، ولا تجسَّسوا ، ولا تَنافسوا ، ولا تحاسَدوا ، ولا تباغَضوا ، ولا تدابَروا ، وَكونوا عبادَ اللَّهِ إخوانًا )
الراوي : أبو هريرة | المحدث : مسلم
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( ثلاثٌ لازماتٌ أمَّتي الطِّيَرةُ والحسدُ وسوءُ الظَّنِّ )
فقال رجلٌ ما يُذهِبُهنَّ يا رسولَ اللهِ ممَّن هنَّ فيه قال :
إذا حسَدْتَ فاستغفِرِ اللهَ وإذا ظنَنْتَ فلا تتحقَّقْ وإذا تطيَّرْتَ فامضِ" ويقول عليه الصلاة والسلام:
( إنَّك إنِ اتَّبَعْتَ عوراتِ النَّاسِ أفسَدْتَهم أو كِدْتَ أنْ تُفسِدَهم )
الراوي : معاوية بن أبي سفيان | المحدث : ابن حبان "
ما أروع هذه الكلمات المضيئة.

{ وَلَا تَجَسَّسُوا } على بعضكم بعضا، والتجسس غالبا يطلق في الشر ومنه الجاسوس وأما التحسس فيكون غالبا في الخير كما قال عز وجل إخبارا عن يعقوب أنه قال :
{ يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87)} [يوسف] وقد يستعمل كل منهما في الشر كما ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
( ولا تحسَّسوا ، ولا تجسَّسوا ، ولا تَنافسوا ، ولا تحاسَدوا ، ولا تباغَضوا ، ولا تدابَروا ، وَكونوا عبادَ اللَّهِ إخوانًا ) وقال الأوزاعي التجسس البحث عن الشيء والتحسس الاستماع إلى حديث القوم وهم له كارهون أو يتسمع على أبوابهم

وفي السورة النهي عن التدابر : وهو الصرم .
رواه ابن أبي حاتم عنه وقوله تعالى : { وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ) فيه نهي عن الغيبة. قيل يا رسول الله ما الغيبة ؟
قال : صلى الله عليه وسلم : (ذكرك أخاك بما يكره )
قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟
قال صلى الله عليه وسلم: ( إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته ) والبهتان : الكذب الشديد.
عن عائشة رضي الله عنها قالت : قلت للنبي صلى الله عليه وسلم حسبك من صفية كذا وكذا قال غير مسدد تعني قصيرة
فقال صلى الله عليه وسلم : ( لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته )
فكم نقع هذه الأيام في بحار الغيبة ؟!
قالت وحكيت له إنسانا ( قلّدتُه)فقال صلى الله عليه وسلم :
( ما أحب أني حكيت إنسانا وأن لي كذا وكذا ) ، وكم نفعل هذا قصداً ومن غير قصد حتى صارت فينا والعياذ بالله عادة.
والغيبة محرمة بالإجماع لا يستثنى من ذلك إلا ما رجحت مصلحته كما في الجرح والتعديل والنصيحة كقوله صلى الله عليه وسلم لما استأذن عليه ذلك الرجل الفاجر :
( ائذنوا له بئس أخو العشيرة ) وكقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس رضي الله عنها وقد خطبها معاوية وأبو الجهم :
" أما معاوية فصعلوك، وأما أبو الجهم فلا يضع عصاه عن عاتقه " وكذا ما جرى مجرى ذلك ، ثم بقيتها على التحريم الشديد وقد ورد فيها الزجر الأكيد ;
ولهذا شبهها تبارك وتعالى بأكل اللحم من الإنسان الميت كما قال عز وجل:
{ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ } ، فكما تكرهون هذا طبعا فاكْرهوا ذاك شرعا فإن عقوبته أشد من هذا. وهذا من التنفير عنها والتحذير منها كما قال صلى الله عليه وسلم في العائد في هبته :
( كالكلب يقيء ثم يرجع في قيئه ) وقد قال :
( ليس لنا مثل السوء )

قال صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع :
( إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( كل المسلم على المسلم حرام ماله وعرضه ودمه حسب امرىء من الشر أن يحقر أخاه المسلم ) ورواه الترمذي ،وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين , ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من يتبع عوراتهم يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته )
قال النبي صلى الله عليه وسلم :
( من أكل برجُلٍ مسلم أكلة فإن الله يطعمه مثلها في جهنم ومن كسا ثوبا برَجُلٍ مسلمٍ فإن الله يكسوه مثله في جهنم ومن قام برَجُلٍ مقام سمعة ورياء فإن الله تعالى يقوم به مقام سمعة ورياء يوم القيامة )
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم قلت من هؤلاء يا جبرائيل ؟ قال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم )

حدَّث عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن امرأتين صامتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن ههنا امرأتين صامتا وإنهما كادتا تموتان من العطش أراه قال بالهاجرة فأعرض عنه أو سكت عنه فقال يا نبي الله إنهما والله قد ماتتا أو كادتا تموتان
فقال " ادعهما " فجاءتا قال فجيء بقدح أو عس فقال لإحداهما " قيئي " فقاءت من قيح ودم وصديد حتى قاءت نصف القدح ثم قال للأخرى" قيئي " فقاءت قيحا ودما وصديدا ولحما ودما عبيطا وغيره حتى ملأت القدح ثم قال :
( إن هاتين صامتا عما أحل الله تعالى لهما وأفطرتا على ما حرم الله عليهما جلست إحداهما إلى الأخرى فجعلتا تأكلان لحوم الناس ) وهكذا رواه الإمام أحمد عن يزيد بن هارون وابن أبي عدي كلاهما عن سليمان بن صوعان التيمي به مثله أو نحوه ثم رواه أيضا من حديث مسدد عن يحيى القطان عن عثمان بن غياث حدثني رجل أظنه في حلقة أبي عثمان عن سعد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم أمروا بصيام فجاء رجل في نصف النهار فقال يا رسول الله فلانة وفلانة قد بلغتا الجهد فأعرض عنه مرتين أو ثلاثا ثم قال " ادعهما " فجاء بعس أو قدح فقال لإحداهما : قيئي فقاءت لحما ودما عبيطا وقيحا وقال للأخرى مثل ذلك ثم قال :
( إن هاتين صامتا عما أحل الله لهما وأفطرتا على ما حرم الله عليهما أتت إحداهما للأخرى فلم تزالا تأكلان لحوم الناس حتى امتلأت أجوافهما قيحا ) قال البيهقي كذا قال

وعن سعد كنا مع النبي الله فارتفعت ريح جيفة منتنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
أتدرون ما هذه الريح ؟ هذه ريح الذين يغتابون الناس ؟ "
" طريق أخرى " قال عبد بن حميد في مسنده حدثنا إبراهيم بن الأشعث حدثنا الفضيل بن عياض عن سليمان عن أبي سفيان وهو طلحة بن نافع عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فهاجت ريح منتنة فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
( إن نفرا من المنافقين اغتابوا أناسا من المسلمين فلذلك بعثت هذه الريح ) وربما قال :
( فلذلك هاجت هذه الريح )

قال الجمهور من العلماء طريق المغتاب للناس في توبته أن يقلع عن ذلك ويعزم على أن لا يعود وهل يشترط الندم على ما فات ؟ فيه نزاع وأن يتحلل من الذي اغتابه , وقال آخرون : لا يشترط أن يتحلله فإنه إذا أعلمه بذلك ربما تأذى أشد مما إذا لم يعلم بما كان منه فطريقه إذا أن يثني عليه بما فيه في المجالس التي كان يذمه فيها وأن يرد عنه الغيبة بحسبه وطاقته لتكون تلك بتلك

عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( من حمى مؤمنا من منافق يغتابه بعث الله تعالى إليه ملكا يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم ومن رمى مؤمنا بشيء يريد سبه حبسه الله تعالى على جسر جهنم حتى يخرج مما قال ) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( ما من امرىء يخذل امرأ مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله تعالى في مواطن يحب فيها نصرته وما من امرىء ينصر امرأ مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله عز وجل في مواطن يحب فيها نصرته ) . وهذا ما ينبغي فعله ليرتدع الفاسق أن يذكر أخاه بسوء.

وقد خلقنا الله تعالى من ذكر وأنثى :
من رجل وامرأة فكلكم لآدم وآدم من تراب قعلام التكبر؟. وعلام التعاظم على الآخرين؟!

الادّعاء والامتنان مذمومان:
{ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ..} فعلّمهم التواضع والوقوف على الحق، يكون الإسلام أولاً ، فإن التزم المسلم أمر الله وعمل بما يُرضيه صار مؤمناً ، وإن اجتهد في الخير والتزمه صار محسناً . إنه التدرُّج في الارتقاء ولعلنا نذكر الحديث الثاني في الأربعين النووية الذي رواه الفاروق رضي الله عنه حين جاء جبريل يعلم الصحابة دينهم، فسأل عن الإسلام ثم الإيمان ثم الإحسان.

لا ينقص الله من ثوابنا شيئاً ، قال تعالى:
{ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا }، أي لا ينقصكم من أجوركم شيئا ولعلنا نذكر قوله تعالى يؤكد هذا في سورة الطور حين قال عز مِن قائل:
{ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21)}.

من هم المؤمنون الصادقون؟
{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15)} الإيمان الصادق والثبات عليه ثم الجهاد في سبيل الله بالمال والنفس .إذ ذاك يستحق المرء صفة ( الصادق).

ما ينبغي لأحد أن يتعالم بشيء لا يحسنه ولا يعلمه
إنما يحيل العلم لصاحبه والأمر لذويه ، والله تعالى الذي نزّل الكتاب هو العالم بالأمور يعلم نبيه وهو صلى الله عليه وسلم يعلمنا ، والدين دين الله وهو صاحب الأمر والنهي { قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (16)} ، وقال عز وجل : { ... لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (61)} [يونس] ، { وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }.

{ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (17)}
منَّ الأعراب بإسلامهم ومتابعتهم ونصرتهم على الرسول صلى الله عليه وسلم ،فردَّ الله تعالى عليهم: { قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم } فإن نفع ذلك إنما يعود عليكم ،ولله المنة عليكم فيه { بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } في دعواكم ذلك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار يوم حنين :
( يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي ؟ وكنتم متفرقين فألفكم الله بي ؟ وكنتم عالة فأغناكم الله بي ؟ )
" كلما قال شيئا قالوا : الله ورسولُه أمنُّ. فالمنُّ لله ولرسوله.

جاءت بنو أسد إلى رسول الله الله فقالوا يا رسول الله أسلمنا وقاتلتك العرب ولم نقاتلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إن فقههم قليل وإن الشيطان ينطق على ألسنتهم ) ونزلت هذه الآية : { يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (17)}.