لـماذا يـفـشـل الـطـالـب الـجـامـعي ؟

بقـلـم الـدكـتـور عـبـد الـرزاق مـحـمـد جـعـفـر
أســتاذ جـامـعـات بـغـداد والـفاتـح وصـفـاقـس / سـابـقـاً
باحث متقدم في جامعة الجنوب/ باتون روج/ لويزيانه/ أمـريكا/ حالياً

معـظـم التـدريســيين في جامعات الأقطار العربية قـد حصلوا على شهاداتهم العليا من جامعات الدول المتقدمة علمياً وزاولوا تدريـس اختصاصاتهم لفترة معينة, كلاً وفق مستواه العلمي ولا اعتقـد ان اياً منهم لا يسـره نجاح طلبته, ولذا فمن غير المعقول ان نحكم على التدريـسي احكاماً جائرة بسبب عدم نجاح طلبته بنـسـبة عالية, كما لا يجوز السماح للطالب الذي لم يوفق في نيل درجة جيدة ان يوجه اللوم الى اساتذته, لأن الذي يحكم على عمل التدرســي, ليـس الطالب بـل الشخـص الذي يمتلك خـبرة تـدريـسيـة ومستوى علمي مرموق يفوق مستوى ذلك التدريسي!
لو تمعن مثل هؤلاء الطلبة في الهدف السـامي الذي يسـعى له التدريسي, لما تفوه اي طالب بكلمة سـوء على أياً من اساتذتهم, مهما اختلفت مستوياتهم العلمية ومهما كانت الكـبوات التي قـد يتعرض لها بـعـضـهـم في نتائجهـم!
مـن تجـارب تدريسي الجامعي لأكثر من اربعين سـنة, وفي عـدة اقطارعربية, وجدت ان معظم النتائج الأمتحانية لطلبة السنة الأولى واطئة بالمقارنة مع السنوات الأخرى, ولو سـألنا احداً من الطلبة الفاشلين عن اسباب عـدم التوفيق في نتيجته الأمتحانية , لذكر لك الف سبب وسبب ماعـدا الأسـباب التي لها مـسـاس بذاته!
ان من اهـم الأسباب المؤدية الى الأحباط في المستوى العلمي تعود لعدم مقدرة الطالب من التحضير اليومي وعدم المقدرة على تـدوين المحاضرة وخاصة عندما تكون باللغة الأجنبية, واهم من كل ذلك عدم الأنتباه اثناء شـرح الأستاذ للنقاط الصعبة في الموضوع ويسرح مع احلام اليقظة وخاصة عندما تكون القاعة مكتضة بـكلا الجنسـين !
ان الأختلاف بين الأجواء الدراسية في المدارس الثانوية والجامعية يولد عند الكثير من الطلبة اوضاعاً شاذةً يصعب تطبيعها او قل ترويضها,.. حيث كان جُـلً اعتماد طالب الثانوية يقع على عاتق المدرس بالدرجة الأولى, فهو بالنسبة لهم المرشد والمربي والمعلم المتفاني بتعليمهم بشتى الأساليب الى ان يستوعبوا المنهج المقرر ,.. اما في الجامعة ,.. فهم امام اسـتاذ يعرض كلامه المفعم بمصطلحات علمية ورسومات توضيحية يخططها على السبورة او يعرضها بالوسائل الضوئية الحديثة على الشاشة البيضاء والكل منهمك بتدوين ما يسمعه ويراه ,.. وقلما يسمح الأستاذ بمقاطعته او الأستفسار منه عما فاتهم سمعه او فهمه!
الكثير من العلوم الصرفة كالكيمياء والفيزياء والرياضيات لا يمكن استيعابها ما لم يكن الطالب مـلمـاً بأساسيات تلك المواضيع,.. ولهذا نجد الطالب في السنة الأولى الجامعية شارد الذهن, او كما يقال في المثل" أطرش بالزفه "!
وهنا تبرز الفوارق الفردية, حيث نرى البعض باذلاً قصارى جهده لفهم ما يمكن فهمه,..محاولاً ان يلملم شتات الموضوع حسب قدرته, ويكتب ما يتيسر من المحاضرة,.. وتتخللها فراغات عديدة لكلمات لم يستوعبها جيداً او لم يلحق بكتابة بعض الكلمات العسيرة الفهم من كلام الأستاذ, .. ومما يزيد الطين بـلًه,.. يستنسخ ذلك الطالب المحاضرة من زميل له لم يكن قد اتقن كـتابة المحاضرة كما ينبغي!
وعندما يحين الأمتحان, لم يكن الطالب مـلمـاً حتى بالمادة المدونة لديه,.. ويفاجأ بعـدم قـدرته على الأجابة بصورة دقيقة,...لأنه تعود في الثانوية على نمط معين من الأسئلة المباشرة من ضمن الكتاب المقرر, والآن هو امام امتحان للقدرات الذاتية لحل الأسئلة المبنية على الأستنباط للجواب الصحيح !
وقـد تتكرر هذه الحالة في مواضيع اخرى, فيعتري الطالب الأحباط, ويدب عنده اليأس من النجاح, ولا يجد اي معين ينقذه من الحالة المزرية التي وصـل لها!
ان الطالب المجتهد يستطيع تجاوز كل العقبات اوالمعوقات لأستيعاب المحاضرة, ان هو واظب على الحضور في الوقت المحدد للمحاضرة وتعلم استخدام المراجع لذلك الموضوع حتى يتمكن من الألمام بما فاته من المحاضرة, كـما يمكنه الأستفسار من المعيد او الأستاذ عن ما يختلج في ذهنه من صـعوبات لا يجد سبيلاً لحلها.
لا يمكن تبرئة التدريسي نهائياً من تردي المستوى العلمي عند كافة طلبته , فقد يزج البعض منهم طلبته عن غير قصد في متاهات لا حصـر لها تحطم كل طموحاتهم, فالتـدريـس عـلـم وفـن, ولذا وجب على التدريسي الأخذ بنظر الأعتبار المستوى العلمي لطلبة السنة الأولى وحالتهم النفسـية,.. ولذا نجد في الجامعات الغربية العريقة يناط بتدريس الصفوف الأولى الى تدريسي بدرجة استاذ,.. في حين ان مثل هذه الحالة لا تلاقي استحساناً لدى بعض اساتذتنا ان طلب منهم تدريس طلبة السنة الأولى!,.. وان قبلها احدهم فأن قبوله على مضض!
من الصعاب المهمة التي تقع على كاهل الجامعة, تتعلق بقدراتها على ترويض طلبة السنة الأولى وحثهم للتأقـلم على الـجو الجامعي الجديد, وجعلهم يحسـون بأنتمائهم الفعـلي لهذه الصـومعة المفعمة بحريات لم يعهدوها, ولذا وجب على كل جامعة اتباع الوسائل الكفيلة بتحقيق هذه المهمة الصعبة وهي معروفة لكل المختصين بالتربية وعلم النفس في كل الجامعات العربية.