تدريس الإعراب للناطقين بغير العربية
لعل الإعراب يعد من الموضوعات القليلة الشائكة التي يعزف الباحثون عموماً وطلبة الدراسات العليا في الماجستير والدكتوراه خصوصاً عن البحث فيها، والكتابة عنها، فلو استعرضت رسائل الماجستير والدكتوراه المخصصة في مجال تعليم العربية للناطقين بغيرها لوجدت أنها تتعرض لكل موضوع نحوي وصرفي ومهاري دون الحديث عن الإعراب مفهومه وكيفية تدريسه للناطقين بغير العربية. وكم أتمنى أن ينبري طالب أو طالبة لهذا الموضوع وذلك لأهميته ودوره في تحقيق الكفاءة الشفوية.
أعتقد جازماً أنّ النحو العربي قد وُضِع للناطقين بغير العربية وليس للعرب على ما يذهب إليه جل اللغويين والنحويين، ولعل أكبر دليل وبرهان على ذلك تعريف ابن جني نفسه للنحو حيث يقول: إنه انتحاءُ سَمْتِ كلام العرب في تصرُّفه من إعرابٍ وغيره؛ كالتثنية والجمع، والتحقير والتكسير، والإضافة والنسب والتركيب، وغير ذلك؛ ليَلحق من ليس من أهل اللغة العربية بأهلها في الفصاحة، فيَنطق بها وإن لم يكن منهم، وإن شذَّ بعضهم عنها، رُدَّ به إليها.
انظروا إلى قوله الذي لا يقب الجدل والشك " ليَلحق من ليس من أهل اللغة العربية بأهلها في الفصاحة، فيَنطق بها وإن لم يكن منهم"، هل نحتاج بعد هذا القول إلى مزيد بحث لكي نقرر ونقول إن النحو العربي قد وضع لغير العرب، ولمّا فشا اللحن وانتشر الخطأ أصبح النحو ضرورة ملحة للعرب كغيرهم من الأجانب. وهذا ما يؤكده ابن خلدون أيضاً حيث يقول: فلما جاء الإسلام، وفارَقوا الحجاز (أي العرب) لطلب المُلك الذي كان في أيدي الأُمم والدول، وخالَطوا العجم - تغيَّرت تلك المَلَكة بما ألقى إليها السمعُ من المخالفات التي للمُتعرِّبين من العجم، والسمعُ أبو المَلكات اللسانيَّة.
وتؤكد هذه النظرية فكرة وظيفية النحو وأنه خوادم للمهارات وليس هدفاً في حدّ ذاته، يقول ابن خلدون أيضاً: صناعة العربية، إنما هي معرفة قوانين هذه الملكة ومقاييسها خاصة، فهو علم بكيفيَّة، لا نفس كيفيَّة، فليست نفس الملكة، وإنما هي بمثابة مَن يَعرف صناعة من الصنائع علمًا، ولا يُحكِمها عملاً، مثل أن يقول بصير بالخياطة غير مُحكِم لمَلَكتها - في التعبير عن بعض أنواعها -: الخياطة هي أن تُدخل الخيط في خَرْت الإبرة، ثم تَغرزها في لفقي الثوب مجتمعين، وتُخرجها من الجانب الآخر بمقدار كذا، ثم تردَّها إلى حيث ابتدأت، وتخرجها قدَّام مَنفذها الأول بمطرح ما بين الثقبين الأوَّلين، ثم يتمادى على وصْفه إلى آخر العمل، ويعطي صورة الحبْك والتنبيت والتفتيح، وسائر أنواع الخياطة وأعمالها، وهو إذا طُولِب أن يعمل ذلك بيده، لا يُحكِم منه شيئًا.
ويبقى السؤال، ماذا ينبغي أن ندرس؟ وماذا يجب أن نترك؟ أظننا بحاجة كما قلت آنفاً إلى دراسة رصينة تبين الموضوع، وترسم حدوده، وتضع ضوابطه، ولتكن بذلك ثورة ثانية بعد ثورة ابن مضاء القرطبي في تعليم العربية للناطقين بغيرها. ولعل من الأسئلة الملحة التي يجب أن يتطرق إليها البحث أو الدراسة ما يلي:
- إعادة النظر في الموضوعات النحوية وتوزيعها على المستويات اللغوية.
- توزيع الموضوع الواحد عبر المستويات اللغوية.
- كيفية التعامل مع المصطلحات النحوية: هل ندرسها أم نتجاهلها؟
- متى يجب أن يدرس الإعراب.
- منزلة الإعراب المحلي والمقدر في تعليم العربية للناطقين بغيرها.
- نظريات تدريس النحو العربي.
- دور النحو في تنمية الكفاءة وتطويرها.