تنمية إستراتيجيات القراءة

لا يختلف اثنان في أن اللغة أداة الاتصال الأولى بالعالم من حولنا، والتعبير عن مشاعرنا، وكذلك هي مطية لحمل الكنوز المعرفية وثقافة الشعب وإنجازاته الحضارية إلى الآخرين، ولا نغالي بالقول إن وصفناها بأنها أعظم ميزة وصفة للسلوك الإنساني على الإطلاق، ولا نروم من هذا الكلام التقليل من شأن وسائل الاتصال الأخرى بل الاعتداد بدور اللغة بوصفها الوسيلة الأرفع للاتصال والتواصل مع الآخرين. وتكاد اللغة تكون الطريقة الوحيدة التي تميز بحقٍّ بين الإنسان والمخلوقات الأخرى. وعلى الرغم من الإنجازات الحضارية العظيمة التي حققها الإنسان من غزو الفضاء وعلوم الطيران وأنظمة الاتصالات وفنون العمارة فإنها ليست أعظم من نعمة اللغة. وما كان للإنسان من غير اللغة أن يستطيع أن يبلغ ما بلغه من تقدم وحضارة ومدنيّة. في الحقيقة اللغة هي أعظم أداة؛ حيث جعلت الحضارة الإنسانية ممكنة وموجودة على الأرض. وعليه فقد بات بدهيًّا إيمان اللغويين وغيرهم بأن اللغة ذاتها حوار مع أبناء الثقافة والحضارة الواحدة كما هو الحال مع "الآخر".

وعلى الرغم من هذه الأهمية البالغة يعاني جل طلبتنا سواء في المدارس أم في الجامعات وللأسف من ضعف شديد في اللغة العربية، وذلك لأسباب عديدة كما يراها التربويون واللغويون، وأودّ اليوم أن أتوقف عند واحدة من أهمها وهي ضعف مهارة القراءة بل انعدامها، وذلك عبر تنمية إستراتيجيات القراءة.

أضع بين يديك ستة طرق لتحسين مهارات القراءة:

أولًا: اقرأ للمتعة. إن من أكثر الطرق الفعالة لتطوير القراءة الاستيعابية لديك هي أن تقرأ للمتعة. اختر كتابًا مريحًا في القراءة (ونقصد بالمريح هنا كتابا تستطيع فهم 90% من كلماته) وحدد نوع الكتب المفضلة لديك (الخيال العلمي/ الروايات العاطفية/ قصص المغامرات/ روايات تاريخية؟) واقرأ لمدة ثلاثين دقيقة يوميًّا.

ثانيًا: يمكنك تحسين تركيزك خلال القراءة إذا قرأت المقال أو أي نص تريده قراءته "قراءة تمهيدية" أولًا. قم بتصفح المقال تصفحًا سريعًا، انظر إلى العناوين الرئيسة فيه وحاول أن تخمن الأفكار الموجودة في المقال. بعد ذلك قم بقراءة السطر الأول من كل فقرة فقط، وحاول أن تستنبط الأفكار المذكورة في المقال/ نص القراءة. بعد أن تقوم بقراءة النص قراءة سريعة، فإنك تكون بذلك قد تعرفت على الأفكار الرئيسة والمضمون العام للنص. ثم اقرأ النص مرة ثانية بدقة وبتأنّ.

للتجربة: قم بقراءة مقال في جريدة ما قراءة تمهيدية لدقيقة واحدة. هل ساعدتك هذه القراءة على قراءة النص بشكل عملي وفعال؟

ثالثًا: ضع أهدافًا للقراءة. من المهم أن نضع أهدافًا للقراءة عند قراءتك لمقال قصير أو فصل من منهاج معين. قبل القراءة، فكر في أمرين أو ثلاثة تريد معرفتها واكتبها على ورقة خارجية. خلال قراءتك للمقال، توقف من وقت لآخر لتفكر في أهدافك التي وضعتها، ولكن من المهم أن تدرك أنه ليس بالضرورة أن تجد أهدافك في كل أجزاء النص.

للتجربة: اختر مقالة من مجلة أو جريدة مّا ثم اكتب ثلاثة أسئلة تريد الإجابة عنها خلال قراءتك. اقرأ النص وحاول الإجابة عن الأسئلة. هل ساعدك ذلك في التركيز أكثر أثناء القراءة؟

رابعًا: خمّن معنى الكلمات الجديدة من السياق. من الطبيعي أن يكون هناك كلمات تجهل معناها عندما تقرأ كتابا عاليًا. ولتصل إلى مستوى الطلاقة في مهارة القراءة، من المهم أن تخمّن معاني الكلمات التي لا تعرفها من السياق. وإذا ألقيت نظرة على الجمل أو الفقرات المحيطة بهذه الكلمات، فمن الممكن أن تفكر في إعادة صياغة للكلمة التي تحاول معرفتها، وبذلك تكون قد زدت من قدرتك على الاستيعاب وطلاقتك في القراءة.

للتجربة: خمّن معنى الكلمة التي تحتها خط في الجملة التالية:
" يبدو زواج إبراهيم وفاطمة سعيدًا ولكنني أعرف أن علاقتهما مرت بأوقات عصيبة". كيف ساعدك السياق على معرفة معناها؟

خامسًا: اقرأ قراءة نقدية. عند قراءة الأخبار أو مقالات تعبر عن آراء كاتبيها حول قضايا معينة، فعليك أن تقرأها بعين ناقدة لتقيم الحقائق والأفكار وآراء الكتاب الشخصية. هل وضعت الحقائق بوضوح؟ هل من معلومات ناقصة تحتاج لمعرفتها؟ هل الأفكار المطروحة منطقية؟ ما هو رأي الكاتب؟ وما هي وجهات النظر الأخرى التي يمكن أخذها بعين الاعتبار؟ ما هو رأيك بآراء الكاتب في المقال؟

للتجربة: اختر مقالة لكاتب ما من جريدة أو مجلة أو من الإنترنت باللغة العربية يعبر فيها عن آرائه حول قضية مّا. اقرأ المقالة وخلال قراءتك حاول أن تفكر في الأسئلة التالية: هل الحقائق المطروحة واضحة وكاملة؟ هل آراء الكاتب "وسطية ومنصفة"؟ وما هي وجهات النظر الأخرى التي يمكنك التفكير فيها وأخذها بعين الاعتبار؟

سادسًا: طبق ما تقرأ حتى بعد القراءة. إذا أردت أن تتذكر ما تقرأ، فعليك أن تتبع أمورًا خلال وبعد القراءة تساعدك على ذلك. فمثلاً، يمكنك أن تسجل ملاحظاتك أو الخطوط العريضة لما تقرأ. وبعد القراءة، يمكنك أن تتبين / تتعمق هذه الملاحظات والأفكار من خلال كتابتها بتفصيل أكبر في دفتر مخصص لهذا الغرض أو دفتر يومياتك أو حتى تسجيلها بصوتك. اكتب أو سجل ملخصًا قصيرًا متحدثًا عن الأفكار والآراء التي قرأتها.

للتجربة: أي من هذه الأساليب ستستخدم في قراءاتك هذا الأسبوع؟ القراءة مع كتابة ملاحظات، كتابة تلخيص أو تقرير بعد الانتهاء من القراءة، كتابة جزء من كتاب ألهمك وأثر فيك، بدء تسجيلات عن قراءاتك اليومية، كتابة الكلمات والعبارات والمفاهيم الجديدة التي تعلمتها، التحدث مع الآخرين عما تقرأ، تشكيل ناد للقراءة مع بعض الزملاء والأصدقاء.