العثمانيون والأندلس '' الحقائق الغائبة ''

محمد عبد العظيم

أين كان العثمانيون عندما سقطت دولة الإسلام في الأندلس؟!
لماذا لم ينتفضوا لحماية أعظم حضارة إسلامية قامت في أوروبا؟!
هل خان العثمانيون إخوانهم الأندلسيين ؟!
أسئلة كثيرة تتبادر إلى الذهن عند الحديث عن سقوط الأندلس ودور الخلافة العثمانية تجاهها .

ونحن في هذا المقال نجيب عن هذه الأسئلة ونضع أمامكم الحقائق التي أُخفيت عن عمد لتظهر الدولة العثمانية كدولة خائنة باعت الأندلس وتركتها فريسة في يد النصارى الأندلس والدولة العثمانية، لكي تتضح لنا الأمور جيداً لابد لنا من أن نفهم طبيعة الدولتين وأحوالهما في تلك المرحلة، ففي الوقت الذي كانت دولة بني عثمان تشق طريقها لتعلن عن نفسها وترفع الراية بعدما كادت أن تسقط في أواخر الحكم العباسي مع بدايات القرن الخامس عشر الميلادي كانت دولة الأندلس في الغرب تسارع نحو الانهيار، حيث الصراع على الحكم بين ملوك الطوائف وانتشار الفتن واستعانة بعض ملوك المسلمين بالنصارى ضد إخوانهم، وبدأت ممالك الإسلام تسقط واحدة تلو الأخرى، وبالتالي كان المشهد في العالم الإسلامي على هذا النحو: دولة فتية تبدأ مجدها وتحارب على عدة محاور لإثبات نفسها وتخوض معارك طاحنة ضد أوروبا في الغرب والدولة الصفوية الشيعية في الشرق، ودولة أخرى يأفل نجمها في الأندلس ويتصارع ملوكها وتنهار ممالكها في يد النصارى واحدة تلو الأخرى .

هل بالفعل تخلت الدولة العثمانية عن الأندلس؟
تعمد أصحاب القلوب المريضة والأقلام الخبيثة توجيه الاتهامات الباطلة للدولة العثمانية بأنها تخلت عن الأندلس ولم تتحرك لنجدتها وقد انساق وراءهم جمع كبير من عامة المسلمين للأسف الشديد. والحقيقة أن هذا الكلام محض كذب وافتراء فالدولة العثمانية بذلت الكثير من المحاولات لنجدة الأندلس .

فما أن وصلت الاستغاثات للسلطان محمد الفاتح الذي كان منشغلا بفتح أعظم مدن أوروبا في ذلك الوقت '' القسطنطينية '' حتى هب الفاتح لنجدة الاندلسيين فهجم على إيطاليا وسيطر على مدينة لاترانتوا محاولا الوصول إلى الأندلس، ولكن وقفت أمامه عدة عقبات منعته من استكمال المسير،

بايازيد الثاني:
بعد الفاتح تولى ابنه بايازيد الحكم وأثناء حكم بايازيد وقعت الكارثة بسقوط الأندلس وتسليم أبوعبدالله الأحمر مفاتيح غرناطة للنصارى سنة ١٤٩٢ م وقد توالت صرخات الأندلسيين واستغاثاتهم بالعثمانيين، وعلى الرغم من أن بايازيد الثاني كان مستهلكا في حروب طاحنة مع قوى مختلفة من الأوروبيين والصفويين الشيعة والمماليك إلا أنه لم يكن له أن يرد هذه الاستغاثات فأرسل أسطولا ضخماً بقيادة "كمال رئيس" لضرب سواحل إسبانيا ومحاولة دخول الأندلس. وقد حاول كمال رئيس الوصول إلى غرناطة إلا أن الموانع الأوروبية والخيانات التي حدثت من بعض القوى الإسلامية ورفض المماليك والأسرة الحفصية في تونس تقديم يد العون له كل ذلك وقف عائقا أمام وصول الأسطول العثماني إلى الأندلس وإنقاذها قبل فوات الأوان،

سليم الأول :
لم تتوقف محاولات العثمانيين لإنقاذ الاندلسيين بل استمرت حتى بعد سقوط الأندلس .
فقد سعى العثمانيون إلى إنقاذ إخوانهم المورسيكيين في الأندلس، فبعد أن تولى سليم الأول الحكم أرسل إلى قائد الأسطول الإسلامي عروج وكلفه بمهمة عرفت في التاريخ بالمهمة المستحيلة وكانت تقوم على مهاجمة سواحل إسبانيا والسيطرة عليها وإنقاذ مسلمي الأندلس من محاكم التفتيش والعودة بهم إلى الجزائر، وقد استطاع عروج تنفيذ الخطة بنجاح وإنقاذ عشرات الآلاف من المورسيكيين،

سليمان القانوني:
عندما تولى سليمان العاشر أعظم سلاطين الدولة العثمانية الحكم انتفض هو أيضاً لمحاولة إنقاذ المورسيكيين فجهز جيش قوامه مئتا ألف، وحاول الوصول إلى الأندلس عن طريق فيينا، ولكنه لم يكمل المسير بسبب مهاجمة الصفويين الشيعة لعاصمة الخلافة العثمانية.
كما أرسل سليمان ثمانين سفينة وثمانية آلآف مقاتل من الإنكشارية إلى قائد أسطوله "خير الدين بربروسا"، وأمره بمهاجمة الأندلس وإنقاذ المسلمين هناك وقد فتحت الدولة العثمانية أبوابها أمام الأندلسيين الفارين من بلادهم فاستقبل العثمانيون قرابة نصف مليون أندلسي من المسلمين وغيرهم.

هذه كانت إطلالة سريعة عن بعض محاولات العثمانيين لإنقاذ الأندلس، ويبقى السؤال الأخير:
لماذا لم تكلل هذه المحاولات بالنجاح ؟!
الحقيقة أن الأمر لم يكن بهذه السهولة التي يتخيلها البعض، فالأمر كان شديد التعقيد، وقد تعددت العوامل التي منعت العثمانيين من إنقاذ الأندلس ومن أهم هذه العوامل الطبيعة الجغرافية، حيث المسافة كبيرة جدا بين غرناطة والقسطنطينية، وهذا جعل وصول الجيش العثماني إلى الأندلس وعبوره كافة هذه الحواجز أمرا يشبه المستحيل، إضافة إلى التحالف الصليبي الأوروبي ضد العثمانيين وإغلاق الإسبان لمضيق جبل طارق.

العوامل العسكرية والسياسية:
لم تتوقف الدولة العثمانية منذ قيامها على يد مؤسسها عثمان بن أرطغرل عن الجهاد في سبيل الله وكانت تقاتل على عدة محاور في وقت واحد، حيث اشتبكت مع أوروبا في الغرب والصفويين والمماليك في الشرق، وهذا بالطبع كان له أثر كبير في انشغال العثمانيين عن الأندلس رغماً عنهم.

الدولة الصفوية الشيعية :
كانت الدولة الصفوية الشيعية في إيران بمثابة خنجر في ظهر الدولة العثمانية، فالعديد من المحاولات كادت أن تنجح لولا غدر الصفويين وطعنهم للعثمانيين من الخلف ومهاجمة عاصمتهم هكذا وقفت العديد من العوامل حائلا دون إنقاذ العثمانيين للأندلس، ولذلك فمن الظلم أن نتجاهل ذلك كله، وننسى هذه المحاولات كلها، ونتهم العثمانيين بأنهم فرطوا في نصرة الأندلس.

عن ترك برس