كيف تفرق بين العام والسنة ؟

[أبو مسلم العرابلي]

الفرق بين العام
والسنة الشمسية أو القمرية

: { هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ {5} يونس،
: { وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً {12} الإسراء،
هذه الآيات تدل بوضوح أن السنين تعرف بالشمس وبالقمر، ولكل من النظام الشمسي والقمري حساب يعرف به،
والسنة القمرية تنقسم إلى اثني عشر شهرًا وتتكرر دوريًا كتكرر أيام الأسبوع، فهي علامة على وجود السنة القمرية،
وهي معروفة قبل الإسلام، ولكن العرب لم تجعل لها بداية فيستمر العد بعدها،
: { إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ {36} النوبة،
وقوله عليه الصلاة والسلام في صحيح البخاري : [الزمانُ قد استدارَ كهيئتِه يومَ خلقَ اللهُ السماواتِ والأرضَ ، السنةُ اثنا عشر شهرًا ، منها أربعةٌ حُرُمٌ ، ثلاثةٌ مُتوالياتٌ : ذو القَعدةِ وذو الحِجَّةِ والمُحرَّمُ ، ورجبُ مُضر ، الذي بين جُمادى وشعبانَ
فجاء عمر رضي الله عنه، فجعل سنة الهجرة هي البداية لعد السنين القمرية، واستمر العد بعدها إلى أيامنا هذه،
وكاتب المقال فرقد المعماري الذي أنكر وجود سنة هجرية، شيعي عراقي وله مقالات ضد السنة ويسميهم بالوهابية،
وموقف الشيعة من عمر رضي الله عنه وعداوتهم له معروفة، فيريدون سلب أي فضيلة له ما استطاعوا،

ولكل من النظامين فوائده في الأمور الدنيوية والدينية وفي العبادات خاصة،
ففي سني خدمة موسى عليه السلام لوالد زوجه في مدين؛ حسبت بالسنين القمرية وليست بالشمسية،
: { قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ {27} القصص.
والحج لا يأتي إلا مرة في السنة القمرية،
أما الفرق بين السنة والعام فهو بحاجة إلى بحث لغوي دقيق
لمعرفة سبب تسمية السنة وتميزها عن العام يأتي من النظر في كل الجذور التي فيها السين والنون مع أحد حروف العلة أو مضاعفة النون، والتي يجمعها الشدة والقوة،
ففي تأويل يوسف عليه السلام لرؤيا الملك؛
: { قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ {47} يوسف،
ففي سنين الخصب اشتد العمل بالزراعة وجني الثمار وخزن الحصيد وكان عملا متواصلاً سبع سنين، وفي نتاجه قوة لهم، فسمى هذه الأعوام بالسنين،
أما التي بعدها فلم يسمها لا سنين ولا أعوامًا؛
: { ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ {48} يوسف،
لأنه لا قوة ولا عمل في الزراعة مع القحط، ولا راحة لهم فيها لما يخشون من استمرار القحط عليهم،
أما الذي جاء بعدها فسماه عامًا ولم يسمه سنة،
: { ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ {49} يوسف،
لفرحتهم بقدومه بعد القحط الطويل، ولا تعب مع الفرحة، ولذكر بعض العمل فيه فقط، وليس كما كان الحال في السبع الأول، لأنه فصل بعض العمل؛ بقوله بعد واو الاستئناف؛ {وفيه يعصرون}، وهاء فيه تعود على ذات الشيء السابق (عام) دون صفته،
وفي قصة نوح عليه السلام كانت الشدة كبيرة في الدعوة إلى الله مئات السنين مع القيام بالعبادة لله، فسماها سنينًا،
وبعد هلاك الكافرين لم يبق من العمل إلا القيام بالعبادة فقط، مع ذهاب أذى الكافرين؛ فسماها أعوامًا؛
: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ {14} العنكبوت.
والسنة تذكر دائمًا مع طول المدة وفيها شدة وعمل؛
: { يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ {5} السجدة،
: { تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ {4} المعارج،
: { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ {47} الحج،
: { وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ {96} البقرة،
: { قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ {26} المائدة،
فلاقوا فيها الشدة في طلب العيش بعد أن كان ينزل عليهم المن والسلوى، ومثلها؛
: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ {130} الأعراف.
: { وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ {15} الأحقاف،
عمل وكد في الأربعين سنة لنفسه وذريته بالإضافة إلى القيام بالعبادة ليكون من الصالحين،
السنة من مادة "سنو"

ومن أخوات هذه المادة المشاركة لها في السين والنون وأحد حروف العلة،
وكلها تجتمع على الشدة والقوة،
سِنة من مادة " وسن"
وهي شدة النعاس ؛
: { اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ {255} البقرة،
و"السُّنَّة" من مادة "سنن"
وهي في قوة البطش الذي يقع مرارًا وباستمرار على كل من يكفر؛
والسنَّة كذلك للأفعال التي تشتد بكثرة التابعين لأصحابها بها، والمتمسكين بها قرونًا طويلة؛
: {سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً {77} الإسراء
و"سنا" من مادة "سنو"
وهو شدة سطوع البرق فيدخل عليك البيت دون رؤية البرق مباشرة من شدته،
: {يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ {43} النور،
و"يتسن" من مادة "أسن"
وهو ماء البئر الآجن الذي يصيب الداخل فيه؛ بالدوار أو يغشى عليه؛ بسبب قوة وشدة رائحته العفنة،
: { فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ {295} البقرة.

أما العام ففيه راحة وقلة عمل ورضا ومحبة؛
فالميت لا عمل يقوم به، والمائة عام كأنها يوم أو بعض يوم؛
: { فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ {259} البقرة،
والمشركون يأتون البيت الحرام وهم آمنون مع كفرهم وشركهم في مناسك الحج؛
: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ {28} التوبة،
والنسيء تغيير الأشهر الحرم ليفعلوا ما يحبون من الغزو وغيره؛
: { إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلِّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللّهُ {37} التوبة،
والفتنة تكون فيما يحبه المرء فعله، أو ترك العمل لما لا يريده؛
: { أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ {126} التوبة،
والطفل يربى برعاية ومحبة والديه والرضاعة من أمه،
: { وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ {14} لقمان.
فالسنة تذكر مع طول المدة والشدة والعمل المتواصل فيها،
والعام يذكر مع قصر المدة، وقلة العمل، والرضا به والمحبة له