ما العيب في أن أحبك؟ هل الحب حرام؟ هل يلوث روح الإنسان؟ ما ذنبي سوى أن قلبي نبض بك، فقد رأيتك تختالين فوق منصة عرض الأزياء، وللحق، لم أكن حاضرا العرض، مثلي لا يسمح له بدخول هاته الأمكنة، لكنني تابعتك كموله عبر التلفاز، وزاد عشقي لك لما شاهدتك رفقة صويحباتك تختالين في مشيتك ثانية كما لو كنت تسيرين على إيقاع موسيقى صامتة تنبعث من داخلك، ورأيت أن من وجوهكن يشرق البدر، وكانت لضحكاتك فعل السحر في نفسي، فقد كان وقعها مزلزلا، ما زالت آثاره ساكنة في الأعماق.
أنت الوحيدة التي طار إليها قلبي، رفرف بجناحي الفرح، هو الذي ظل حبيس الظلام زمنا.
لا تهتمي لعبوسي، فبداخلي حقول فرح، بها طفل صغير مازال يلعب بمرح، ويبحث عن فخذ يسند إليها رأسه، طفل قد يقتله التجاهل..
أذكر، مرة، أنني حملت صورتك في قلبي، وتوجهت إلى الشاطئ كمراهق شفه الهوى، وكان الوقت أصيلا، جلست إلى صخرة أستمتع برذاذ الموج يلاطفي خدي، وبقيت ألثم وجهك المورد، وانتظرت لحظة وحي تمكنني من قول شعر غزل فيك، لكنه، ولد لحرام، أبى، فتمنعت الحروف، بقيت أجاهد، وأعتصر ذهني، فلم أتمكن من بلوغ سوى كلمات قليلة، أضعها بين يديك:
عصفورتي!
أعرف
، الآن،
سبب خفقان قلبي
جناحاك في أعماق صدري.
هي كل ما جادت به قريحتي، لكن عشقي لك شديد، وحبي لك عظيم...كاصطخاب موج البحر...
لا تهتمي للندب يخترق خدي، أخبرك أنه وشم مغامرة بقي يذكرني بعبث الحياة. كنت ذاهبا إلى عملي، واتخذت دربا آخر غير الذي تعودت عليه، متبعا نصيحة وجوب التغيير، فالملل قاتل، وإذا بصوت صراخ يتناهى إلى مسامعي، يطلب النجدة، تحركت في النخوة العربية، تتبعت الأثر لأجدني أمام رجل مفتول العضلات يجر فتاة مشرقة إلى مكان مظلم...لم أبخل عليه بالنصح حتى يترك الفتاة لحالها، فأشهر الوغد سيفا حادا في وجهي ودعاني للاهتمام بشؤوني. لم أتقبل التهديد، وركبت رأسي، واندفعت باتجاهه حتى أحرر الفتاة من قبضته الشديدة، تمكنت بعد جهد جهيد، لكن الوشم كان جزاء لي، والأمر، هذا الندب الذي خلفه في نفسي يوم وجدتهما بعد ذلك، في حديقة متعانقين.
ما العيب في أن أحبك؟ هل علي أن أقدم لك أدلة تثبت حب أصحاب الخريف للصبايا؟ خذي مثلا: الرجل الورع، القادر على تحريك الشارع العربي بمجرد فتوى طائشة، وهو الضارب في عمق الشيخوخة، ألم تصب قلبه طلقة عيون تلك الصبية من بلادنا؟ ورجل العالم القوي، انظري إلى تلك الحسناء التي تقف إلى جانبه، وقبله صديقه الذي شاب شعر رأسه ولم تشب فحولته، ألم تصبه لوينسكي بصعقة حب، فترك أثرا على السجاد يدل على شبقه؟ والأمثلة كثيرة، قد سقتها لربما لأقنع نفسي قبلك.
أيتها العاتية صبابة، تمهلي رجاء! ما ضرك لو تبسمت في وجهي، لن يكلفك ذلك شيئا، اعتبريها صدقة في سبيل الله، لهذا الفقير حبا.. فقد كنت ضالا فاهتديت حين رأيتك،
لم لا تكونين لي غيثا يحيي جدب أيامي، يخصب أرضي القاحلة، ويعيد إلي روحي الضالة؟ ما العيب أن أهفو إليك والقلب متعطش لفيض نورك؟ صحيح أني في لحظة انحدار خريفي، وأنت في بداية بزوغ ربيعك، فهل عيب أن أرتشف من منابع نضارتك؟
أنت منارة قلبي بعد ظلمة شديدة ألمت به لسنين... "ماتت" زوجتي، هي التي اقترنت بها بعد أن رفضتني شابة رائعة حين فاتحتها بحبي، وكنت لحظتها في ريعان شبابي، صدتني بجفاء، ونظرت إلي باحتقار، فسجنت قلبي في قفص مظلم، وحكمت عليه بالصمت الأبدي إلى أن تحرك وهو يراك، وما لي عليه من سلطان، هو حر في أن يرفرف، وما بيدي حيلة لأوقف نفسه، وأكتمها.. هو من يدفعني إلى المجيء إلى منزلك لأتفيأ ظلال نافتك حين تشرقين بطلتك البهية...
أذكر أني في تلك اللحظة، لحظة رفضها لي، عدوت صارخا حتى أتخلص من قوة القهر التي تلبستني، فصادف ذلك مرور مظاهرة منددة بالزيادات ..فاحتوتني، فما كان من الشرطة إلا أن جندت قوتها المجنونة، وأنزلت ضرباتها كنشيد وطني على أجسادنا المتصلبة حسرة. تم اعتقالي، أنا الرجل المسالم، فتحول جسدي إلى كوباي، لاختبار آخر تقليعات التعذيب، لم أبصر النور إلا بعد فترة طويلة قضيتها بين جدران حالكة، شديدة الظلمة، لزنزانة تفوح عطانة؛ فترة تركت في الجسم والنفس ندوبا... بعد خروجي بقليل، وقد صرت كهلا؛ وقد استبد بي البياض، وتقوس ظهري قليلا، وصار بصري كليلا، أني قررت الزواج بتقليب ألبوم صور فتيات في ريعان الشباب، قدمته لي امرأة فتحت فيما بعد وكالة للزواج، أغمضت عيني، ووضعت إصبعي على إحدى الصورة كما في قرعة الأنبياء، فكان أن تم العرس سريعا.. والحق أنها لم تمت، بل هجرتني لبرودتي. الآن، أعلم أني كنت السبب، ما كان علي أن أتزوج بهذه الطريقة، هل كنت لحظتها أنتقم من نفسي أم من كل الفتيات بفعل ما تعرضت له من صد؟ ما ذنبها في ما جرى لي؟ تبا للحقد، يعمي العيون! أيتها الصبية الحسناء، ألا ترين كيف يغازل القمر الشمس، وقليلا ما يلتقيان، تجود عليه بضوئها فيحوله نورا! أنت شمسي التي زرعت في أوردتي نارا ففار دمي، صار حارا؛ تدفقت الخيول الجامحة في كل جسمي؛ لهذا يرتفع خفقان قلبي كلما رآك!
عندما أنهيت كتابة القصة، أصبت بحيرة الفراغ؛ ماذا سأصنع بها؟ ينبغي أن أكون صافي الذهن، لذا، توجهت إلى الحمام، أخذت دوشا دافئا، جففت جسمي، وخرجت عاريا لأجثو على ركبتي، وقد صنعت من القصة سكينا حادة، ثم وبكل هدوء محارب الساموراي، غرستها في قلبي، في تلك اللحظة دغدغ رنين الباب أذني، نهضت متثاقلا ، أصبت بذهول كامل الدسم: واقفة بكل شموخ، زوجتي، لم تفقد من جمالها ولا ذرة، تنظر إلي باستعلاء، أخرجتني من ذهولي صفعة حارة لم يسبق أن عرفتها كل قواميس العالم؛ جعلتني كمن سقط في بئر عميقة، وكنت أسمع لعناتها قوية الصدى تلاحقني:
يا لك من وغد سافل!!
وتلاحقني صورتك كمناديل ورقية...