ربما هي حكمة إلهية أن يُعَلِّمَ الحيوان أبناء آدم بعض الأمور التي تتعلق بحياتهم اليومية، فلا عجب إن استحدثت الأنظمة الصحية في العالم طريقة جديدة لرعاية الرضيع قبل أو بعد الولادة، وهي طريقة "الكنغر" ، هذه الطريقة حسب المختصين من أحسن الطرق وأفضل الأساليب لرعاية الأم لطفلها، سواء الطفل المولود قبل أوانه أو حديث الولادة، فقد سبق وأن علّم الغراب ابن آدم كيف يواري جثه أخيه في التراب

و طريقة الكنغر ابتكرتها نساء شمال إفريقيا لعدم توفر "الحاضنات"، فقد اعتادت المرأة في شمال إفريقيا الاعتناء بمولودها بمفردها، وقد تلجأ أحيانا إلى وضع مولودها دون تدخل أحد، بحيث في مرحلة من المراحل لم تكن هناك قابلات مؤهلات، أي تلقين تكوينا خاصا في عمليات التوليد، وكانت المرأة أحيانا تقطع " السُّرَّة" بمفردها، ولا يسمع صراخها وهي في حالة المخاض، ربما يصح القول أن المرأة بالأمس كانت أكثر قوة وأكثر تحملا للألم من المرأة اليوم، رغم غياب وسائل التطبيب، خاصة بالنسبة لنساء الأرياف، تعتبر قصة أمنا المباركة مريم البتول الذي اصطفاها الله واختارها على كل نساء الأرض، أروع مثال في هذا الجانب، عندما جاءها المخاض انتبذت مكانا من جدع النخلة ووضعت مولودها، الذي أرسله الله لبني إسرائيل، حيث لا أمّ هناك ولا "قابلة" sage femme.

كانت المرأة تضع طفلها على ظهرها لكي تباشر عملها في البيت وفي الحقل، وتخرج به للتسوق، حيث تقوم بلفه بقماش وتربطه بصدرها على طريقة "جراب الكنغر"، ومن هنا جاءت هذه التسمية ، ورعاية «الكنغر» تقضي بوضع الطفل مرتدياً الحفاظ فقط على صدر أمه بطريقة عمودية وبتغطيته ببطانية. وهي تحمل الكثير من الفوائد الصحية للمولود، وتؤدي إلى زيادة وزنه، وتحسين قدرتة على التنفس، وتقلل من تعرضه للموت المفاجئ، ولذا فإن عملية "رعاية الكنغر" تلعب دورا مهما ومتكاملا في المساهمة في شفاء المولود، لأن الدفء الذي يتميز به جسد الأم والراحة التي يجدها المولود في رائحة أمه ونبضات قلبها المنتظمة وأنفاسها، حسب الخبراء توفر جوا مريحا له، كما أنها تساعد في تحسين مستوى الأوكسجين عنده وتنظم نبضات قلبه وأنفاسه، ما دفع بمنظمة الصحة العالمية اتباع هذه الطريقة بعد وقوفها على حياة الكنغر، لأن التلامس بين الأم وطفلها يحفز تدفّق الحليب الطبيعي، إضافة إلى زيادة معدلات الأكسجين في جسم الطفل ومنحه مزيداً من الراحة نتيجة تمكنّه من سماع نبضات قلب أمه التي تعود على سماعها قبل الولادة.

و الكنغر أو الكنغارو، وهو من اكبر الحيوانات المنتمية الى طائفة حاملات الأولاد في جيب تحت البطن، أو ما تعرف بالحيوانات الكيسية بمعنى أن صغاره لا تنمو في بطون أمهاتها ولكن في جيب غريب خلقه الله لها بشكل خاص، ويرجع أصل كلمة الكنغر الى المكتشف كوك فعندما وصل الى السواحل الجديدة في استراليا رأى مخلوقا (الكنغر) فسأل أحد الأهالي الأصليين عن اسمه فأجابه: كنغارو (أي لم افهم سؤالك) ومن يومها أصبح هذا هو اسمه، والكنغر الأنثى عندما تضع مولودها، يدخل هذا الأخير الجراب من دون أية مساعدة ، والحكمة الإلهية جعلت جنين الكنغارو يعيش خارج رحم أمه، بحيث يعيش في الجراب يأكل وينام لمدة 190 يوما وبعد هذه الفترة يصبح جسمه ممتلئاً بالشعر، فيخرج لأول مرة رأسه من جيب أمه، ويتنزه خارج الجيب، ولكنه يختبئ فيه عند أقل خطر يستشعره، ولذلك أصبحت طريقة الكنغر معمول بها في كل الدول، فحسب التجارب، فإنّ الأطفال الذين يعانون من مشاكل في التنفس ويحصلون على رعاية على طريقة الكنغر، يتحسّنون ويتخلّون عن أجهزة التنفس في غضون 48 ساعة.ومع التطور التقني تم ابتكار ما أطلق عليه اسم " حاملة" الأطفال" لتمكن المرأة من حمل طفلها والتنقل به من مكان إلى آخر بشكل مريح جدا، حيث ساهمت في إزالة كل العوارض التي تعيقها عن تأدية واجباتها الحياتية نحو نفسها ونحو الأسرة والمجتمع ، ودون إلحاق به أي ضرر، وقد أشارت بعض الدراسات إلى ضرورة اختيار النوع الجيد للحملات، وعدم التكيف الأم مع "الموضة" التي يسعى المصممون من خلالها إلى تسويق منتوجهم دون التفكير في وضعية الطفل الصحية، وقد بينت تجارب أن هناك أنواع من الحاملات، نوع يكون فيه الطفل واقفا ويكون المقعد ما بين فخذيه، واعتبروا هذا النوع الأسوأ على الإطلاق، كما حذر منه أطباء الأطفال لأنه يسبب تشوهات في عظام الفخذ أو ما يعرف بـ: "هيب ديسبلازيا" Hip dysplasia ، كما أنه يؤلم ظهر الأمهات، أما النوع الآخر فهو الذي يجلس فيه الطفل على مقعدته وهو النوع الأفضل للطفل.

وحسب موسوعة "الويكيبيديا"، فإن الدكتور ايدجار راى سانبريا أستاذ علم الأطفال حديثي الولادة بجامعة ناسيونال دى كولومبيا ، يعد أول من قدم هذه الطريقة، وقال أن الأمهات لديهن القدرة عن طريق الاتصال مع أطفالهن المولودين بوزن قليل عن طريق ملامسه أجسادهن بأجساد الأطفال لجعلهم متحفظون بالدفء ولكي يمدوهم بالرضاعة التي يحتاجها الأطفال، وهذا الالتحام يعطى الأطفال الاهتمام والرعاية، والحقيقة ليس هذا هو المضمون، فما يراد هنا كشف الحكمة الإلهية من حياة الكنغر وحياة بعض الكائنات الحية الأخرى التي علّمت البشر كيف يقوم بواجبه تجاه من يماثله ، على غرار الغراب الذي علم ابن آدم كيف يواري جثة أخيه في التراب، في قصة هابيل وقابيل المعروفة، ثم الكنغر الذي أصبح موضع تجربة تطبقها الأنظمة الصحية وتعتبرها نموذجا يحتذي به ، بل تطالب بتطبيقها في مراكز الأمومة والطفل وداخل المستشفيات، وتقيم من أجلها الملتقيات والجلسات العلمية لتلقينها للقابلات والمختصين في الولادة، ولعل السباب تعود إلى ضعف التدخل التقني والرعاية الطبية للمواليد حديثي الولادة ، والسؤال الذي يمكن أن نطرحه هنا هو: هل عجز الطب عن إيجاد طريقة للعناية بالمولود، حتى يلجا إلى تقليد حيوان "الكنغر" في الاعتناء بمولوده؟



علجية عيش