حديث الجمعة اليوم عن النجاح، والنجاح هو الوجه الآخر من عملة وجهها الأول هو الكفاح. فأينما وجدت قصة نجاح ذاع صيتها في الآفاق وكللت بها جباه الناجحين، علمنا يقينًا أن وراءها ليال من السهر وسنوات من التعب الشاق الذي سبك روح الناجح في آتون الكفاح المستعر. والنجاح كلمة تشعرك بالسعادة وتنفرج بها أساريرك وتحقق للمرء مبتغاه من الوجود فوق ظهر هذه البسيطة، وعندما نحرز النجاح، لابد أن نعلم يقينًا أننا تجرعنا مرارة الفشل مرات ومرات، وأن كأس النجاح الحلوة، نادمنا قبلها عشرات الكؤوس المرة.
ولكي نبلغ النجاح علينا بداية أن نضع الأهداف نصب أعيننا ونضع المؤشرات والمقاييس التي تقيس نجاحنا، ونحدد مراحل إنجاز لنجاحنا، فلا شيء يأت اعتباطًا في طريق النجاح، ولا يمكن اعتماد الفوضى الفكرية وسيلة لإحراز النجاح. وحتى لو عمت حياتك كلها الفوضى اللانهائية، ينبغي أن يسكن الصفاء عقلك وأن ترى طريقك واضحًا جليًا مهما عُميت عليك الحقيقة، ومهما تعددت بك السبل. والنجاح مقترن بالضرورة بعرى وثيقة بالطموح، فما من ناجح لم يطمح يومًا إلى بلوغ مرتبة أعلى مما هو فيها، فالنجاح يحتاج إلى قاطرة وقودها الطموح.
والآن نسقط هذا الكلام على مهنة الترجمة والنجاح فيها. بداية عليك أن تضع تعريفًا للنجاح في مهنة الترجمة، متى تستطيع القول أنك صرت ناجحًا في مهنتك؟ هل عندما تكتسب فنيات العمل، أم عندما تبلغ قيمة مادية معينة تتقاضاها لقاء عملك؟ وهل النجاح لابد أن يقاس بالضرورة بالقيم المادية، أم أن هناك جانب معنوي آخر لقياس النجاح؟
ولنبدأ الطريق من أوله، شاب نابه أحب اللغات ووجد في نفسه مهارة اكتسابها، وقرر أن يعمل في مجال الترجمة وأن يجعلها مهنته وجزءًا من كيانه. فماذا يفعل، ومن أين يبدا؟
عليه أن يبدأ من إجادة لغته الأم واكتساب مفرداتها وترسيخ قدمه فيها، فهي نقطة البدء والانطلاقة، وهي الأساس الذي سيبني عليه أي لغة أخرى سيتعلمها، فاللغات البشرية بوجه عام لها نمط متشابه في تعلمها من حيث القواعد النحوية والمفردات واكتساب المعاني وتوظيف اللغة فيما خلقت من أجله، وبعدها يشرع في تعلم اللغة الأجنبية، يكتسبها بأي وسيلة متاحة له، القراءة والقواميس والصوتيات والنصوص الأدبية والجرائد وحتى كتب الأطفال، والتحدث مع الأجانب وسماع نشرات الأنباء والصبر على ذلك حتى الوصول إلى حصيلة لغوية تمكنك من اجتياز اختبارات اللغة وهي كثيرة في شتى الثقافات، ومتاحة على النت بوفرة. وبعد أن تختبر نفسك ويصبح لديك لغتك الأم واللغة الوافدة على عقلك يمكن أن تبدأ في الترجمة. الآن لغتك الأم في شق رأسك اليمين، واللغة المكتسبة في شق رأسك اليسار، وأنت بحاجة إلى فتح الأبواب ما بين شقي عقلك ودمج اللغتين حتى تتواصل كل كلمة مع توأمها على الجانب الآخر. وهنا نبدأ في مهارة تزويج المفردات اللغوية في سعي حثيث مستمر لا يتوقف طوال حياتك المهنية. فتبدأ تفكر باللغتين وتحلم باللغتين وكلما رأيت كلمة من لغة ما وجدت نفسك تبحث تلقائيًا عن مرادفتها في عقلك أو في مصادر المعرفة من حولك.
#وللحديث_بقية