هل فكرت يوماً عزيزي معلم اللغة العربية للناطقين بغيرها حين تطرح على طلبتك بعض الأسئلة أن تتفكر في إجاباتهم؟ هل يترجمون في عقولهم السؤال أولا أم أنهم يحاولون الالتفاف على الموضوع ويجيبونك بما يملكون من مفردات وبما يتحكمون فيه من قواعد لغوية عربية؟ هل فكرت إلى أي حدٍ يمكن أن تتشابه اللغات وتختلف في كيفية إنتاج الجمل؟ وبالتالي كيف يمكن أن تكون الترجمة وسيلة في إضعاف اكتساب الكفاءة لأنها ستؤثر على النوعية والكيفية في إنتاج اللغة العربية؟ وأخيراً هل فكرت في أهمية أن تساعد طلبتك على التوقف عن الترجمة ذهنيا من اللغة الأم قبل الحديث باللغة العربية مباشرة؟

ألم يحن الوقت بعد لكي تشعر أنت وطلبتك أن التفكير باللغة العربية يجعلك تشعر بأنك امتلكت ناصيتها. وعلى الرغم من ذلك، فإن جلّ الطلبة يحاولون تجنبها، ولا أدعي هنا أن التفكير باللغة العربية يُعد أمراً سهلاً، أو أنك ستستيقظ يوماً وتبدأ التفكير باللغة العربية تلقائيا. إنها كجل الأمور الأخرى، تبدأ تدريجياً وتتطور وتترسخ بالممارسة والتدريب. وعليه فإن التفكير باللغة العربية هو قرار عليك أيها المعلم أن تحث متعلميك على اتخاذه منذ اليوم الأول، على الرغم من الصعوبة التي سيواجهونها، خصوصا في المراحل الأولى من اكتساب اللغة.

إنّ التفكير باللغة الهدف يعد أفضل وسيلة تساعدك لاكتساب المفردات والتراكيب اللغوية، لأنك ستنظر إليها من منظور مختلف أثناء سيرورة تعلمها، وبالتالي سوف تحقق كفاءة لغوية أفضل بكثير مما لو فكرت باللغة الأم.
تذكر عزيزي المعلم أن كثيراً من الطلبة أقبل على تعلم اللغة العربية من أجل التواصل مع الناطقين الأصليين بها، وليس لكي يكونوا مترجمين في عقولهم لكل جملة يريدون النطق بها.
هناك كثير من التعابير الاصطلاحية صعبة أو غير قابلة للترجمة، لذلك وفر على الطلاب عناء المحاولة كل مرة وشجعهم على التفكير باللغة العربية منذ البداية.

ويبقى السؤال، ما هي الوسائل التي ستساعد كمعلم للغة العربية للناطقين بغيرها على دفعهم نحو التفكير بهذه اللغة في الفصل الدراسي:

اجعل اللغة العربية لغتك في تعليم العربية للناطقين بغيرها منذ المستوى الأول إلى المستويات العليا، ولا تحاول استخدام أي لغة وسيطة.
استعمل المعاجم العربية العربية، التي تقدم صوراً وتعاريف ومترادفات وأضداداً بمفردات عربية، واعلم أن المناهج المتقدمة الآن تقدم تعريفاً وسياقاً لكل كلمة جديدة في المنهج، وتأكد بأن الطلبة قد يشعرون بصعوبة الأمر في البداية لكنهم سوف يعتادون على ذلك وسيفضلون هذا المنهج على غيره لأنه يزرع في نفوسهم الثقة، ويساعد في تطوير كفاءتهم اللغوية.
قلّد المشاعر والأحاسيس والأفعال: حاول أن تجعلهم ينغمسون في عملية التعلّم عبر تقليد الأحاسيس والأفعال من حزن وفرح وسعادة وكآبة…
يجب تدريس اللغة والمفردات على وجه الخصوص من خلال سياقات و وضعيات تواصلية، ويجب الابتعاد عن تقديم قوائم جاهزة للمفردات. ولك أن تجرب مثلا أن تكتب على السبورة كلمة “قضى” وتسألهم ما معناها؟ فبعضهم سيأتي بمعنى قضاء الوقت، وآخر الموت، أو كذلك الفصل بين المتخاصمين…
الاهتمام بتدريس التعبيرات الاصطلاحية والمتلازمات اللفظية منذ بداية المقرر، فتعلُّمها يجعل لغة الدارس تتسم بالأصلية، وتساعده على التفكير بالعربية.
الانطلاق من نماذج حقيقية لها علاقة بالمواقف الحياتية التي يعيشها الطلبة من أجل الاستئناس و اكتساب رصيد لغوي غني.
استخدم المرادفات والأضداد كثيراً ولا حاجة للترجمة على الإطلاق.
قم بتدريس المفردات عبر تقسيم الطلاب إلى مجموعات، فهذا يقلل الحاجة إلى الترجمة ويشجع على التفكير باللغة العربية.
ادَّعِ أنك لا تفهم إذا حاول أحدهم الترجمة، واطلب منه أن يعيد بطريقة مختلفة حتى يقدم فكرته بالطريقة الصحيحة.
شجع طلبتك على التحدث مع الذات، وليبدؤوا في وصف الأشياء من حولهم، وكأنهم يخاطبون أحدهم.
حاول أن تجعل اللغة العربية جزءاً من حياة طلبتك من خلال تشجيعهم على البحث في روائع الأدب والثقافة العربية.
شجعهم على تكوين صداقات وعلاقات مع أصدقاء عرب للتدرب على ممارسة اللغة العربية والتحدث بها بطلاقة.
شجع طلبتك على اكتساب عادات لها علاقة باللغة العربية، كأن يبدأوا يومهم بالاطلاع وقراءة الأخبار بهذه اللغة.
اطلب من طلبتك أن يختاروا اللغة العربية في قائمة الإعدادات الخاصة بأجهزتهم الذكية أو البرامج المستخدمة في الحواسيب… سوف يحقق لهم ذلك الكثير من المكاسب اللغوية.
حدد موعداً مع طلبتك لمشاهدة فيلم أسبوعي أو مسرحية… باللغة العربية، وإذا أنشأتم مجموعة على الواتساب لمتابعة ومناقشة ما شاهدتموه، سيكون ذلك غاية في الأهمية.
شجعهم على الاستماع إلى الموسيقى العربية الأصيلة عموما، والأغاني ذات الإيقاعات الخفيفة خصوصا في البداية، حتى يسهل عليهم التعرف على بعض المفردات البسيطة والشائعة.