النبر والتنغيم ذانك المجهولان في برامج تعليم العربية للناطقين بغيرها

لا تكاد لغة في العالم تخلو من النبر والتنغيم، ولكن الفرق بين لغة وأخرى يكون في استخدامها ملمحاً تميزيّاً أو غير تميزي. وعلى الرغم من عدم ظهور هذين الموضوعين بشكل جلي في الدراسات اللغوية العربية القديمة فإن تطبيقاتهما موجودة وخاصة في الصورة المنطوقة من اللغة، وهي أكثر بروزاً وظهوراً في اللهجات أيضاً.

وهي من خلال التجربة من أهم الموضوعات التي ينبغي أن يعتني بها معلم العربية للناطقين بغيرها، وكذلك واضعو المناهج والمواد التعليمية، حيث إن مناهج العربية للناطقين بغيرها خلو من هذه المظاهر الصوتية، وكأن ما نقدمه في المستوى الأول من بعض المقارنات الصوتية بين الحروف المرققة والمفخمة، والوقوف عند الشدة والتنوين يغني الطالب ويكسبه المظهر الصوتي للغة. والواقع يشير إلى غير ذلك، فكم من طالب قد بلغ المستويات المتقدمة والمتميزة وتعد الملامح الصوتية الأدائية الأضعف لديه. لذلك تعنى هذه المقالة بموضوع النبر والتنغيم على وجه الخصوص في تعليم العربية للناطقين بغيرها.

يعرّف النبر بأنه الضغط على مقطع صوتي معين من الكلمة؛ ليغدو أبرز وأظهر وأوضح في النطق من غيره من مقاطع الكلمة لدى السامع، يقول ابن منظور: نبر الرجل إذا تكلم بكلمة فيها علوّ، أي أنه وضوح نسبي لمقطع إذا قورن بمقاطع الكلمة الأخرى. وهو نوعان نبر مفرداتي، ونبر جملي، أي نبر يقع في الكلمة الواحدة، وآخر يقع في الجملة الكاملة. أمّا النبر في الكلمة الواحدة فيستخدم للتفريق بين معنيين مختلفين للكلمة الواحدة، وهذا قد يصعب على أبناء اللغة الأم فكيف بغير أبنائها، ولعل من أمثلة ذلك، العلاقة بين الوزن الأول والثاني، كما في:

دَرَسَ
دَرَّسَ
حَمَلَ
حَمَّلَ
قَرَأَ
قَرَّأَ
ذَهَبَ
ذَهَّبَ
كَسَرَ
كَسَّرَ
فالنبر يكون في الوزن الثاني على عين الفعل، مما يؤدي إلى اختلاف معناه، وهذا يقودنا إلى تبيان العلاقة الوثيقة بين النبر والنظام الصرفي، حيث يبرز النبر بوصفه قواعد مستقلة ذات بناء واضح ومعين، وأخرى ترتبط بالأداء الصوتي فقط، كما هي الحال في كلمة فقد، فالنبر هو الوحيد الذي يمكن أن يفرق بين الفعل فَقَدَ بمعنى أضاع، والكلمة التي تتكون من الفاء وقد، فضلاً عن السياق وغيره، وكذلك في قوله تعالى:

"أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ" بالنبر، وقراءة الآية نفسها دون نبر "ما" حيث يتحول المعنى من استفهام موجه للكافرين عن شركائهم إلى ظرف مكان.

ويظهر ذلك جليّاً أيضاً في قول الشاعر:

طرقت الباب حتى كلّ متنى * فلمــــا كل متنى كلمتنـــــــي
فقالت يا إسماعيــــــل صبراً * فقلت يا إسما عيــــل صبري

وكذلك الحال في الكلمات التي تتصل بالواو والأفعال التي تبدأ بالواو: وحد، وصل، وإن شاء وإنشاء، وفهدي، ووعيدي، ووقف، ووقف، وكل، أهي من الأكل أم بمعنى الجميع. وكذلك الحال في الفعل فسق، فسقى، كلمات + ي، وقولنا: وزنا + وزنا إلى غير ذلك من النماذج والأمثلة التي لا تعدّ ولا تحصى. ومن العوامل التي تلعب دوراً في ظهور النبر وتغير مواضعه: الاشتقاق، وإسناد الفعل إلى الضمائر، وجزم الفعل المضارع إلخ.

أمّا نبر الجملة فهو أن يعمد المتكلم الى كلمة في جملة فيزيد من نبرها تمييزاً لها عن غيرها من الكلمات، رغبة في تأكيدها أو الإشارة إلى غرض خاص في دلالتها، ومن ذلك: هل غادر أبوك أمس؟ فنبر غادر يعني أن المتكلم يريد تأكيد المغادرة أم التشكيك في حدوثها، وإذا نبر كلمة "أبوك" فيُراد من الكلام أن الذي غادر هو "أبوك" وليس "أخوك" أو "عمك"، فالشك ليس في المغادرة بل في الشخص المغادِر، وإذا وقع النبر على كلمة "أمس" يُفهم منها أنّ الشك في تاريخ السفر إلخ.

أمّا التنغيم، فهو أداء صوتي موسيقي في عملية إنتاج الكلام ناتج عن ارتفاع الصوت وانخفاضه حسب المقام المقول فيه، قد يؤدي إلى اختلاف المعنى المقول، بل هو ظاهرة صوتية تساعد في تحديد المعنى وإيصاله.

وتظهر أهميته باختلاف البيئات اللغوية وتعدد النغمات اللهجية فيها. ومن أبرز مظاهره ما يكون في الاستفهام، والتقرير، والتهديد، والسخرية، والتهكم، والتعجب. فالاستفهام يعبر عنه بنغمة هابطة، دون أداة استفهام، والتقرير بنغمة مستوية، وأمّا الدهشة والتعجب فيكونان بنغمة مرتفعة. ومن أمثلة ذلك قديماً: قول الشاعر:

ثمّ قالوا: تحبها؟ قلت بهراً * عدد النجم والحصى والتراب

ثمّ قالوا: تحبها. قلت بهراً * عدد النجم والحصى والتراب

ثمّ قالوا: تحبها! قلت بهراً * عدد النجم والحصى والتراب

فجملة (تحبها) يمكن أن تقرأ على أكثر من وجه، فهي تكون للاستفهام وهو أقواها (الأول)، وتكون للتقرير وهو ضعيف (الثاني)، ويحتمل أن تكون للاستغراب والتعجب، وهو الثالث. وهو أضعف الاحتمالات. والمفصل في كل ذلك نطقاً هو التنغيم.

يظهراً جليًّا من هذه العجالة أهمية المظاهر الصوتية في مجال تعليم العربية عموماً وللناطقين بغيرها خصوصاً، ومن أبرز تلك الملامح النبر والتنغيم، وأوّد أن أهتبل هذه الفرصة لأدعو أحد الباحثين في مضمار تعليم العربية للناطقين بغيرها إلى إجراء دراسة لغوية صرفة حول الموضوعات الصوتية وتوزيعها على المستويات اللغوية وكيفية تدريسها وإستراتيجيات ذلك.