اختبار تحديد المستوى أو الاختبارات التصنيفية

يعرّف اختبار تحديد المستوى أو التصنيفي في مجال تعليم العربية للناطقين بغيرها بأنه الاختبار الذي تعقده معاهد اللغة العربية للناطقين بغيرها ومراكزها قبيل الشروع أو البدء في كل فصل دراسي جديد بهدف تصنيف الطلبة الملتحقين بالمعهد أو المركز على المستويات اللغوية المبنية على مستويات الكفاءة، من أجل ضمان وضع الطالب في مستواه اللغوي الحقيقي.

وللأسف لا يوجد حتى الآن أي اختبارات تصنيفية معيارية عامة على مستوى أي بلد عربي أو العالم. ولذلك يجتهد كل مركز في وضع اختبار تصنيفي له بغرض تصنيف الطلبة وتوزيعهم على المستويات. وهي مختلفة الأشكال والأنواع وطرائق التصنيف، وهناك نوعان رئيسيان من هذا الاختبار، الاختبار المتعدد المستويات، والاختبار الشامل، أمّا الاختبار المتعدد المستويات فتقوم فيه المؤسسة بتصميم عدد من الاختبارات يكافئ عدد المستويات المعتمدة لديها، وتقوم بسؤال الطلبة الجدد عن خبراتهم السابقة في الدراسة، ويتم اختباراتهم بما يضارع ما درسوه، للاطمئنان بأنهم على ذلك المستوى الذي يدعون، أو معرفة أنهم أدنى من ذلك. أمّا الاختبار التصنيفي الشامل، فهو اختبار تدريجي البناء يشتمل على مهارات اللغة وعناصرها كلها من المستوى المبتدئ إلى المتميز، وتقوم فكرته على أن الطالب الجديد سوف يرتقي في الإجابة عن الأسئلة بشكل تصاعدي من السهل إلى الأصعب فالأكثر صعوبة، وتستند فكرته الفلسفية فيما لو قسمت اللغة إلى خمسة مستويات، إلى أن أول عشرين بالمئة منه يستطيع أن يجيب عنها من درس المستوى الأول، والقسم الثاني يجيب عنه من درس المستوى الثاني، وكذلك الحال كلما ارتقى الطالب في دراسته السابقة، فالاختبار يشبه صعود السلم، وكلما كانت خبرة الدارس أكثر أجاب بشكل أكبر. ولكل نوع من الاختبارات تحدياته وإيجابياته وسلبياته. ويكفي أن أعرض بعضها.

فمن تحديات الاختبار المتعدد المستويات أن هذا النوع من الاختبارات قد يعيق تقدم بعض الدارسين من ذوي الذكاء اللغوي الذين يستطيعون أن يبلغوا في التعلم والاكتساب والكفاءة مستوى أعلى من التوقعات التي وضعت للبرنامج، فالطالب سوف يجلس لاختبار في حدود دراسته أو أدنى قليلاً وبالتالي قد يحرمه هذا الاختبار من أن يكون في المستوى المناسب والصحيح.

أّما الاختبار الشمولي فمن سلبياته فضلاً عن صعوبة إعداده ووضعه، عدم ترتيبه الترتيب المثالي من حيث الصعوبة والسهولة لأن مفردات اللغة وقواعدها وموضوعاتها لم يتم تصنيفها تصنيفاً تصاعدياً وفق مبدأ السهولة والصعوبة والحاجة والتعقيد، فاجتهاد واضعي هذا الاختبار قد يكون مخالفاً لاجتهاد واضع المنهج الذي درس فيه الطلبة، وبالتالي اختلاف الترتيب الذي قد يجعل الطالب يقف عند حدٍّ ما ظنًّا منه أنه قد انتهى إلى حيث يعرف، في حين أنه بإمكانه أن يجيب عن مزيد من الأسئلة التي تأتي بعيد الأسئلة التي صَعُبت عليه. وبالتالي وفي الحالتين يتم وضع الطلبة في مستويات لا تناسبهم.

ومن التحديات التي تواجهها المراكز والمعاهد في تحديد المستويات اعتمادها على الاختبارات المكتوبة فقط أو المحوسبة، دون إجراء مقابلات شفوية لتحديد مستوى الدارسين في مهارة المحادثة. من المعلوم أن البرامج تختلف في درجة اهتمامها وتركيزها على مهارة دون أخرى، فبعض البرامج لا تزال تهتم بالقواعد وقوائم المفردات أكثر من أي شيء آخر، وبعضها اتجه نحو العامية والمحادثة وأهمل القراءة والكتابة، وأخرى اتجهت إلى غير ذلك، مما يعني أن الطلبة الجدد هم خليط من البرامج والجامعات التي تختلف في التوجهات والاهتمامات وهو ما يصعب على المراكز تصنيفهم.

لذلك يمكن القول إن إجراء مقابلة شفوية فيها بعض المراجعة للاختبار ومحتوياته قد تساعد في تحديد مستويات الدارسين الحقيقية، خاصة أن مهارة القراءة الجاهرة تعتبر شبه معدومة القياس في معظم المعاهد والمراكز وفرصتها الوحيدة هي عبر المقابلة الشفوية.

ومن التحديات أيضاً تعدد لجان تحديد المستوى في المقابلات الشفوية التي قد تحصل على نصيب الأسد في تحديد المستويات، وذلك أن الاتفاق على معايير معينة يكاد يكون مستحيلا لاختلاف خبرات وسمات من يقومون بالمقابلات، وهذا واقع ملموس إلى حدٍّ كبير، والأمر يحتاج إلى خبرات طويلة، وأفهام عميقة من أجل تقنين هذه المسألة.

ومن الملبس في هذه الاختبارات أن يظهر دارس قدرة في مهارة معينة أو مهارتين وهناك ضعف في المهارتين الأخريين، وبالتالي قد يشكل على الممتحِن أن يحدد مستوى الدارسين الجدد، ومن هؤلاء الطلبة ذوو الأصول العربية الذين يجيدون غالباً الفهم والكلام ولا يجيدون القراءة والكتابة، فيغتر الممتحِن بقدرة أحدهم على الحديث دون مراعاة لمهاراته في القراءة والكتابة، وكذلك حال الطلبة الأتراك -على سبيل المثال- الذين يظهرون فهماً عميقاً للمقروء والمنطوق وقواعد اللغة والذخيرة اللغوية في حين يعانون من ضعف في الإنتاج الشفوي اللغوي، مما يجعل الممتحِن يضعهم في الغالب في مستوى أدنى من مهارتهم الحقيقية.

ومن التحديات الأخرى أن بعض الدارسين يدرسون وفق نظام الساعات المعتمدة، وهو وفق النظام الجامعي قد اجتاز مادة معينة أو ذلك المستوى اللغوي، لكنه قد يُظهر ضعفاً في الأداء في ذلك الاختبار أو المقابلة، وبالتالي هل يجوز للممتحِن أن يضعه في نفس المستوى الذي نجح فيه؟ هب أنك اجتزت مادة النحو 2، وانتقلت إلى مادة النحو 3 في أي قسم للغة العربية للعرب، وشعر الدكتور الجامعي بأنك أضعف من أن تكون في هذه المادة لكنك وفق المعايير الجامعية قد نجحت فيها، فهل يمكنه أن يعيدك للمادة السابقة؟

ومن الإشكالات الحقيقية التعارض الواضح بين الطلاقة والدقة، حيث هناك مواصفات لدى البرامج المتميزة للدقة عبر مستويات الطلاقة، فماذا لو كانت الطلاقة تتناسب والمستوى، لكن الدارس لا يتمتع بالدقة أو السلامة اللغوية لذلك المستوى، فماذا يجب على الممتحن أن يفعل؟

هذا غيض من فيض مما قد يعترض الممتحِن، وما يجب أن يتنبه إليه، ويتعامل معه لدى إجراء الاختبار التصنيفي وتحديد مستوى الدارس، والتعامل مع هذه القضايا وفق فلسفة البرنامج ورؤيته. ويبقى القول إن فتح المجال للطلبة الجدد في تغيير المستويات إذا شعروا بصعوبة أو سهولة حيث وضعوا وفق نظام مرتب ومدروس وبالتشاور مع من تعاملوا معهم من مدرسين يبقى عاملاً مساهماً في وضع الدارسين في مستوياتهم المناسبة.

ومن المهم ألا يخضع البرنامج لرغبات الدارسين فقط في أن يكونوا في مستويات معينة، فبعضهم لا يعرف مصلحة نفسه ويعتقد اعتقاداً خاطئاً أنه في المستوى المناسب، فتدخل أساتذة المستوى الأدنى والمستوى الأعلى قد يساعد على تحديد المستوى المناسب وربما إعادة مقابلة أو اختبار هذا الدارس من قبل من لديه مهارة أعلى في تحديد المستويات، وهي مهارة لا يتقنها إلا القليل من الأساتذة، وهي تحتاج إلى تدريب وممارسة لا ريب.