نظريات تعليم القواعد للناطقين بغير العربية

شهد تدريس التراكيب اللغوية تطورًا كبيرًا عبر تطور المدارس والمذاهب التي تنظر في تدريس اللغات الأجنبيّة، فقد انتقلت بشكل أساسي من تعليمها وفق الطريقة الكلاسيكية التي ترتكز على التراكيب النحوية باعتبارها الجزء الأساسي والمهم من اللغة، والصورة المعبرة عنها، إلى المذهب الاتصالي الذي يركز على إكساب الدارسين المهارات الأساسية، وتقوم فلسفة تدريس النحو فيها على أربع مراحل: الشرح، والأمثلة، والتدريبات، والتقييم.

غير أن المذاهب العربية المعدلة أفرزت مذاهب أخرى منها: الطريقة الاستقرائية، والاستنتاجية، والاقتضائية، والخرائط البيانية.

وقد اقتربت في الحقيقة من مفهوم ابن خلدون الذي يقول: فأما العلوم التي هي مقاصد فلا حرج في توسعة الكلام فيها وتفريع المسائل، واستكشاف الأدلة والأنظار، فإن ذلك يزيد طالبها تمكنًا في ملكته لمعانيها المقصودة، وأما العلوم التي هي آلة لغيرها مثل العربية (النحو والصرف) والمنطق وأمثالهما فلا ينبغي أن ينظر فيها إلا من حيث هي آلة لذلك الغير فقط، ولا يوسع فيها الكلام ولا تفرّع فيها المسائل، لأن ذلك مخرج لها عن المقصود، إذ المقصود منها ما هي آلة له لا غير، فكلما خرجت عن ذلك خرجت عن المقصود، وصار الاشتغال بها لغوًا مع ما فيه من صعوبة الحصول على ملكتها بطولها وكثرة فروعها. وربما يكون ذلك عائقًا عن تحصيل العلوم المقصودة بالذات لطول وسائلها، مع أن شأنها أهم والعمر يقصر عن تحصيل الجميع على هذه الصورة، فيكون الانشغال بهذه العلوم الآلية تضييعًا للعمر وشغلا بما لا يعني. وهذا كما فعل المتأخرون في صناعة النحو وصناعة المنطق وأصول الفقه، لأنهم أوسعوا دائرة الكلام فيها وأكثروا التفاريع والاستدلالات بما أخرجها من كونها آلة وصيّرها من المقاصد، وربما يقع فيها أنظار لا حاجة بها في العلوم المقصودة فهي من نوع اللّغو، وهي أيضًا مضرة بالمتعلمين على الإطلاق؛ لأن المتعلمين اهتمامهم بالعلوم المقصودة أكثر من اهتماماتهم بوسائلها" (مقدمة ابن خلدون 1114-1115).

وحتى هذه الرؤية لم تسعف الجميع في تحديد ما ينبغي تدريسه من موضوعات نحوية عبر المستويات اللغوية، وكيفية توزيع الموضوع الواحد على المستويات اللغوية.

ومن أهم المسائل التي وقف عندها اللسانيون في محددات تدريس التراكيب اللغوية: أعمار الدارسين، ومستوى كفاءتهم، وخلفياتهم الأكاديمية، ومهاراتهم اللغوية، ومستوى اللغة التي يتعلمونها، وحاجاتهم وأهدافهم، لذلك تكاد لا تجد موضوعًا نحويًّا مشتركًا في كتب فئة معينة من الدارسين، لاعتماد كثير من المؤلفين على خبراتهم الشخصية.

ومن المسائل الأخرى التي أبرزها الإطار الأوروبي المشترك العلاقة بين مستوى الكفاءة اللغوية أي الطلاقة بالدقة، ومفهوم الوظائف اللغوية التي ينبغي على الدارس السيطرة عليها في مرحلة ما من مراحل التعلّم، ومن هنا ينبغي التأكيد على:

- ضرورة التمييز بين القواعد (بمعنى الاهتمام بالتراكيب اللغوية) وحركات الإعراب.

- الشروحات المطولة لا تساعد على تفعيل القواعد، والطالب يمكنه أن يفهم تراكيب لم يدرسها إذا وردت في سياق مألوف.

- استيعاب القواعد وتفعيلها يتم بشكل تدريجي وعلى مراحل: مبدأ التراكم اللولبي وليس التغطية الكاملة مرة واحدة.

- تدريس القواعد له مكانته في كل حصة صفية، والسؤال هو كيف؟

- أولية السياق في العمل على تفعيل القواعد.

- أهمية الاكتشاف والتأزيم الذي يؤدي إلى الاكتشاف.

ويمكن تلخيص النظرة التقليدية لاختيار التراكيب اللغوية وتدريسها في:

- اختيار التراكيب الشائعة.

- إدخال عدد محدود من التراكيب.

- استعمال التراكيب الجديدة في مفردات قديمة.

- تكرار التراكيب اللغوية بشكل مستمر.

- تقديم التركيب بشكله الأساسي قبل التركيب الموسع.

- إدخال التراكيب من خلال كلمات غير مشكلة.

- الاكتفاء بتركيب واحد من التراكيب التي تؤدي نفس المعنى.

- تأجيل التراكيب التي تختلف فيها لغة الدارسين واللغة العربية اختلافًا كبيرًا.

- عدم إدخال التركيب وتأجيل شرحه (*).

ويمكن تلخيص الرؤية القديمة في تدريس التراكيب اللغوية في أربع خطوات في سبيل تطوير كفايات الدارسين:

- الاختيار.

- التدريس.

- التفعيل.

- المراجعة.



(*) وردت بعض من هذه الأفكار عند داود عبده، على الرغم من اختلافنا معه في بعض الأفكار ومنها على سبيل المثال لا الحصر النقطة الأخيرة، حيث يمكن أن يفتح ذلك على الأستاذ جبهات متعددة من العمل، فلا ضير من وجود تركيب يسعى إلى إيصال فكرة والعمل على تركيب آخر أكثر إلحاحًا.