قوت لتموت.

قصة قصيرة بقلم هارون غزي.

حدثني الصبي فقال إنه :
يتشرب الصنعة عند الأسطي بشغف ، انصرم موعد الغداء, تمردت أمعاؤه علي فراغها؛ رفض الأسطي غداءه بمنزل أهله لكي لايتغيب عن المحل.
حط في كف الصبي قرشا ونصف قرش
يشتري الصبي من البقال المجاور بالقرش عسلا أسودا وسمنا.
صحن العسل مزركش بالسمن البلدي المرمل؛ مظهره أصابه بالهوس؛ طعام تشتهيه النفس, أريجه يجري له رضابه, ويتلمظ لسانه. متمنيا رغيفين ليكبت ثورة معيه.
لكن لما رأي الأسطي السمن, والعسل, ورغيف الخبز الساخن المقبب؛غلبه طمعه الأشعبي, وقال: كنت في الجرة وخرجت برهّ؛ سمن وعسل: أكل الملوك ياصعلوك !
فعرض الصبي الوجبة عليه ويده ترتعش متمنيا في نفسه- لشدة مخمصته- أن يرفض .
الأسطي يهوي بعبل يديه علي الرغيف! وكأنه يقطع من جلد الصبي. يديراللقمة بالطبق.قد لفها لفة أذن القطة حتي شالت وتقاطر حلوها كأنه دم الصبي.
قذفها في تجويف فيه الخالي تماما من الأسنان , يعضها بلثيه عضا متذوقا في لذة غامرة ثم يزدردها.
الصبي يتناول غداءه وهو يتمني الا ينتهي لطيبه وشدة اشتهائه له وشعوره الموجع بالجوع.
لعق الصبي الصحن بلسان لحوح وقام عن الطعام .
معدته خواء . السعادة تغمره لحلاوة ماتناول من خواء ممزوج بالسمن البلدي المرمل الشهي والحسرة تغشاه لعدم شبعه.
تناول قلة الماء البارد يمتص منها مصا حتي ارتوي بماء قراح , وتجشأ وقد مربذهنه المثل القائل: "تجشأ لقمان من غير شبع".