بسم الله و الحمد لله و سلام الله على الأحبة الكرام...



في غيابات الحلم…


البستان معشوشب و فيه العديد من المسالك غير معبدة ،و بعض الأشجار غير مشذبة، كما أن بعض الأماكن من البستان تعاني من الإهمال…كان هذا وضع قطعة في أرض بجانب بحر يملكها شخص أوتي من المال سعة و من الحكمة إلا قليلا…فكان يعاب عليه من قلة فهمه لتدبير بستانه و عدم حسن تسيير أموره…فكان يرد عليهم :لدي من المال ما يغنيني عن حكمتكم…و مع ذلك كان يريد أن يكون من أهل الحكمة…ذات وليمة و كان يقيمها بالمناسبة و من غير مناسبة…سأل أحدهم و الذي كان يضمر له العداء…كيف يصبح الإنسان حكيما…؟ فرد عليه : هل تبت عن أقوالك…؟ و عدت إلى جادة الصواب…فرد عليه بكل انتفاخ…و ما كنت فاعل حتى أتوب…؟ فنطر إليه مليا و قبل أن يجيبه ابتسم في وجهه و قال: كنت أمازحك…فأنتم أصحاب المال…لستم في حاجة إلى التوبة…معكم كل شيء و لا تحتاجون لشيء…خاصة و أنتم لا تفعلون إلا ما في مصلحتكم…؟ فرد عليه: لم تجبني عن سؤالي…؟ قال :و ما سؤلك…؟ قال: كيف أصبح حكيما…؟ قال : ألم تقرأ في كتاب الله عز و جل:" و من أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا » فأجابه بكل تعظيم: لدي من الخير الكثير…ألا تعلم كم لدي من كذا و كذا هنا و هناك….تبسم في وجهه و قال: ذاك خير و هذا الذي تسأل عنه خير آخر…قال: و ما الفرق…؟ قال: الفرق بينهما كالفرق بين التوبة و عدم الرغبة في تجديدها…صمت قليلا و وضع كفه على خذه و كأنه يتأمل في العبارة التي لم تقبلها طرق تفسيره للأشياء و لا تحليله للأمور…ثم سأله من جديد: و ماذا تراني فاعل حتى أتوب من جديد…؟قال: تقول لديك من الخيرات ما لا يعد و لا يحصى…قال: نعم…قال: ما هو حق ذوي القربى و اليتامى و المساكين و ابن السبيل و السائلين و في الرقاب…فرد عليه : ذاك من البر…و ليس من التوبة في شيء…فابتسم مرة أخرى في وجهه و قال: لو أدركت العلاقة بين البر و التوبة لأدركت الحكمة في أجمل تجلياتها…فقال : و ما هي العلاقة…؟ قال : سبحان الله وددت لو أعلم: كيف يشتغل ذهنك حتى أستبدل بعض القطع التي تحجب عنك الحقيقة…و لكن هذه مهمة غير موكولة لدي…قال : و لمن هي موكولة…؟ قال : بكل بساطة هي موكولة لك …لك أنت …وحدك…إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم…صدق الله العظيم…فهل صدقت …؟ قال من أصدق و من أكذب…قال: بينك و بين الحكمة مسافة قد تكون بحجم شعرة و قد تكون بمساحة المجرة و قد لا تكون لك بتاتا…قال: كيف ذلك…؟ قال: أما بالنسبة لحجم شعرة…فستعرف ذلك بعد الموت مباشرة…لأن بعد الموت مباشرة (بعد عمر طويل)ستدرك تمام الإدراك حقيقة الحياة و الموت و قضية الحق و الباطل و الظلم و العدل و العديد من الأسئلة التي تشغل بالك الآن…و أما تكون المساحة بينك بين و الحكمة بمساحة المجرة …فذلك يقتضي أن تقطع العديد من المساحات الممتلئة بالجهل الذي يعمي البصيرة و لا يترك النور الولوج إلى قلبك التي ضاعت مفاتحه بالجري وراء خيرات الدنيا دون خيرات الآخرة…و الأخيرة أن لا تكون لك بتاتا... فذاك إن كنت من الذين ختم الله على قلوبهم…فذاك لا ينفع معه علم و لا شيء آخر سوى الدعاء…فالله رحيم بالعباد إن آمنوا و بينوا و أصلحوا…و فوق هذا و ذاك الله أعلم…قام من مكانه و هو يتمتم قائلا: كيف يكون هذا لغيري و ليس لي…؟هل من الحكمة أن أنعم في خيرات الدنيا من كل شيء…إلا من الحكمة…فنهض و هو يطمئنه قليلا ردا عليه: مادام السؤال قد شغل بالك…فبوابة المعرفة تبدأ من طرح السؤال…تركه يتمتم و يغمغم و غاب عنه وسط حلم لم يسبق أن عاشه من قبل…؟

تحيتي و تقديري...