لحن الحب

تركت قيثارتي تحت شرفتك حيث كنت أترنم لك بألحان المساء .. ثم انصرفت ومعي زاد من رحيق شفتيك .. و لهيب همساتك .. وشذا أنفاسك .
هاأنذا أعرج على الشارع الطويل متلفعا معطفي الأسود.. أحمل مظلتي وقطرات المطر تنقر فوقها فتنتشي نفسي وتبتهج لمنظر المطر على أضواء السيارات الكاشفة .
كان لا بد لي أن أتيه في الطرقات .. منذ الوهلة الأولى وأنا أستمع لهمسك يتخلله صوت هبوب الريح و قصف الرعد .. لم أطق العودة إلى حيث الجدران الأربعة ، فبقيت ألتمس فضاء أوسع لا أظنه يستوعب حجم سعادتي .
كنت أحب الليل . وحين حدثتني عنه صرت أعشقه .
وكنت أهوى السهر .. و حين أحسست بك تجلسين متأملة أمام مدفأتك حتى السحر، صرت ولها به .
وكان يلذ لي الخروج تحت المطر .. وحين ذكرت لي عشقك له صرت أهيم به .
أوغل في الطرقات المبتلة فلا أسمع إلا نقرات المطر على مظلتي ووقع خطواتي على الرصيف ، فيخيل إلي أني استمع إلى نبضك وأنت أمام النافذة تستمتعين بالمطر .. أو إلى همسك وأنت تبوحين إلي بما يقض مضجعك .
استمعت إليك وأنت تسكبين على مسامعي كل آلامك وأحزانك .. حدثتني عن طفولتك فأحببتها .. ورويت لي عن ماضيك وحاضرك فانتشيت وكنت ولا أزال جزءا منهما .. أخبرتني عن رومانسيتك فذابت نفسي فيها و انصهرت معها .
انتبهت إلى أنني يجب أن أكون وحيدا ، فرميت بمظلتي بعيدا تعبث بها الرياح و تحتضنها برك الماء المنتشرة على الطريق .. و استقبلت زخات المطر تطفئ لهيب جسدي وتلصق شعر ناصيتي على جبيني فلا أرى سوى انعكاس ضوء السيارات على الماء .
أردت أن تكون تلك اللحظات خاطفة بكل طقوسها فاستجبت لرغبتك رغم أني وددت لو يمتد بي العمر هناك ويصير الليل سرمديا عند شرفتك .. لكنك تتعاملين مع الحب بطريقتك الخاصة .. تجعلين منه قطعة شهد يسيل رحيقها قطرة قطرة .. لنرتشف منها وننتشي بها على مهل .
و أوغل في الطرقات من جديد ، وأجد نفسي وأنا أهمس دون وعي ، مترنما في انتشاء :" كم أحبك .. كم أحبك .. كم أحبك ."