البيان الذي أصدره الحزب الشيوعي في الجزائر بيوم فقط بعد اندلاع ثورة نوفمبر 1954



يعتبر مؤتمر "تور" الانطلاقة الأولى لتأسيس الخلايا الأولى للشيوعيين في الجزائر، تشكلت على إثره ثلاث فدراليات إقليمية ( الجزائر، وهران و قسنطينة)، و عقد التيار الشيوعي في الجزائر مؤتمره التأسيسي لـ:PCA في أكتوبر عام 1936، و لا يخفى على أحد أن الشيوعية في الجزائر كانت لها جذور خارجية، و تموقعت في اتجاه الحركة العمالية و الماركسية التي تبلورت في فرنسا و في أوروبا بتأثيرات خاصة لطروحات الأممية الثالثة التي تأسست في روسيا بعد ثورة أكتوبر 1917

"الكومنترن" باللغة الإنجليزية Comintern تعرف بـ: "الأممية الشيوعية" و هي "الأممية الثالثة" برزت إلى الوجود بعد انفصال "الأممية الاشتراكية" ، أسسها الزعيم لينين عام 1919 ، و ذلك لتنظيم الثورات عن طريق الأحزاب الشيوعية في كل دولة. وبعثت الجماعات الشيوعية من مختلف الدول مندوبين عنها لحضور المؤتمرات، و لا يسع المجال هنا للتطرق إلى وضع و مهام الأممية الاشتراكية ، و كيف ردّ لينين على الانتهازيين، لما تحدث عن الحرب الإمبريالية، و قال: " إن مسألة الوطن لا يمكن أن تطرح مع تجاهل الطابع التاريخي العيني للحرب الراهنة"، و أصدر في ذلك بيانا دعا فيه البروليتاريا أن تنظم نفسها أولا في إطار "الأمة"، و في مؤتمرها الثاني المنعقد في أوت 1920 فرضت الأممية الثالثة 21 شرطا لكل منظمة ترغب في الانخراط، و في دورتها الثامنة أكدت على كل حزب شيوعي مطالب بفضح مرامي " الإمبريالية" في المستعمرات دون رحمة، و دعم كل حركات التحرر في المستعمرات بالفعل و ليس بالكلام.
بهذه المواقف، فتحت الأممية الآفاق لانتشار الشيوعيين في الجزائر، حيث شكلت المسالة الوطنية و الفلاحية مؤشرا مناسبا، كانت الأوضاع جد صعبة ، تميزت بوجود استعمار استيطاني، تداخلت الحدود ما بين المهيمن و المهيمن عليه، فالطرح المقدم في الجزائر من قبل موريس توريز حول "الأمة الجزائرية في طور التكوين" المشكلة من اختلاط عشرون جنسا، و قد دفعت الأممية إلى إنشاء منظمات جزائرية مثل "نجم شمال إفريقيا" عام 1926، ثم حزبا وطنيا ثوريا موضوع الدعوة لمؤتمر عالمي عربي في الجزائر عام 1930، في نفس السنة التي انعقد فيها مؤتمر حيفا في فلسطين، و يعتقد أصحاب هذا التيار أن التنظيم الشيوعي في الجزائر عرف نجاحا كبيرا في معالجته للمسائل الوطنية و الزراعية، لأن الشيوعيين في الجزائر اهتموا بفئات المزارعين، و أطلقوا مشروع الإصلاح الزراعي، و ركزوا على المناطق الريفية، من خلال تشكيل خلايا سياسية و فروع نقابية منضوية تحت لواء "الفدرالية العامة للعمال الموحدين" CGTU ، و قد قاطع الشيوعيون في الجزائر الاحتفالات المخلدة للذكرى المئوية للاستعمار، و سمحت بالكشف عن جذور الحركة الشيوعية و إعلان ظهورها إلى العلن.
من الأسماء البارزة تذكر بعض الكتابات محمد قروف و الطاهر غمري، كانا عضوان في اللجنة المركزية قبل التحاقهما بصفوف جيش التحرير الوطني، كانت الحركة الشيوعية في الجزائر ( الحزب الشيوعي الجزائري) في بداية الثلاثينيات يضم 150 مناضلا، و ارتفع العدد في جويلية 1935 إلى 600 مسجلا، و تجاوزت الإنخراطات 3000 منخرط في بداية 1936 ، و في المؤتمر التأسيسي للحزب الشيوعي الجزائري المنعقد يومي 17 و 18 أكتوبر 1936 وصل الحزب إلى 5000 مناضلا، منهم 750 مسلما، إلى أن وصل أثناء الثورة إلى 9000 منخرط، بالإضافة إلى وجود 200 ألف منخرط في الكنفدرالية العامة للشغل، و استطاع الشيوعيون في الجزائر أن ينهضوا بجريدة "الحرية"، و يحققوا لها أعلى مستوى في السحب، تميزت مرحلة الثلاثينيات بظهور حرب دينية بين مصالي الحاج و الدكتور بن جلول، خاصة بعد اغتيال المفتي كحول، كشف بن جلول انحرافه مرتين: الأول بموقفه المناهض للشيوعية و الثاني برفضه اعتماد الهوية الجزائرية على الدين، حيث دفع كفة الميزان باتجاه الفرنسية ، حينها طالب العلماء و الشيوعيون بإبعاده من رئاسة المؤتمر الإسلامي و تم تعويضه بالدكتور بشير، غير أن المؤتمر كاد أن يخرج عن مساره، بعدما حاولت أطراف استغلاله كأداة انتخابية، عندما تقدم الأمين العمودي إلى الانتخابات الجهوية ( cantonales ) و بدون انتماء حزبي، و الحقيقة كما يقول الباحثون في الفكر الشيوعي في الجزائر لابد من الوقوف على حقيقة الصراع الذي كان دائرا بين الإتحاد السوفياتي و الصين، و الظروف السياسية التي قررت الخطوط المتعاقبة للأممية، حتى يمكن فهم الطبيعة المتناقضة لحالة الجزائر بخصوص العلاقات التي كانت قائمة بين نجم شمال إفريقيا و بعده حزب الشعب، ثم حركة انتصار الحريات و الديمقراطية و كذلك جبهة التحرير الوطني من جهة و الحزب الشيوعي الفرنسي و الحزب الشيوعي الجزائري من جهة أخرى.
ما يعاب على الشيوعية في الجزائر أنها حددت استقلال الجزائر كهدف أخير في نضالها، و قد كتبت جريدة " الحرية" بتاريخ 27 جانفي 1953 : " إن الاستعمار في جوهره يحمل روح التفوق الجنسي و روح الهيمنة" وأثرت هذه الإيديولوجية على الطبقة العاملة، التي كانت الفئة الأكثر استغلالا، و الأكثر قهرا، فقد أصدر الحزب الشيوعي في الجزائر بيوم فقط بعد اندلاع ثورة أول نوفمبر 1954 ، أي يوم 02 نوفمبر، بيانا بخصوص "الثورة" نشر في صحيفة الحرية يوم 04 نوفمبر 1954 ردت فيه على بعض الأوروبيين أمثال (مايو، إيفتون، أودان و لابان ) الذين قالوا "إن الأمة الجزائرية بصدد التكوين"، و قالوا في البيان أن الأمة مشكلة من جزائريين أصليين و لا تشتمل على أوروبيين من الجزائر، كان ذلك ردا على موريس توريز زعيم الحزب الشيوعي الفرنسي، بخصوص الأمة التي بصدد التكوين : "إن المقصود بالجزائريين، الأوروبيين و اليهود و المسلمين الشيوعيين، و يقصد توريز بالـ: 20 جنسا البربر و القرطاجيين، الرومان و العرب و الترك و اليهود و الإغريق و المالطيين، و الإسبان و الإيطاليين و الفرنسيين، و يضيف أن هذه الأجناس ستزول بعد الانصهار لتشكيل الشعب الجزائري، و قد أدى هذا البيان إلى هجرة الأوروبيين لقواعد الحزب الشيوعي الجزائري، تم في هذه الفترة اتفاق بين الحزب الشيوعي و جبهة التحرير الوطني حول إدماج المقاومين من أجل الحرية في جيش التحرير الوطني، تم ذلك في مؤتمر الصومام المنعقد في أوت 1955، غير أن محرري أرضية الصومام كان لهم موقف معارض من الحزب الشيوعي، طبعا في هذه الفترة كانت الطبقة المثقفة كانت تتميز بالضعف العددي و النوعي يمكنها من التنظير و المساعدة على تقبل الحداثة السياسية بعمق في بلد كانت فيه نسبة الأمية مرتفعة جدا.

قراءة علجية عيش