عن سهم طائش ... عن طلقة بارود فارغة من كل مصلحة ... قال الصوت :
قد أتعبتني الشجاعة و النظرات الصافية ... أيها الصائم عن البطولات الممجوجة ... أيها الباني لما لاتسكن ... أيها المدعو للفناء فيما يضع على عظمة رأسك شيخك و سيدك قدمه الثقيلة بأحلامه النجسة ...
استيقظ ... هب من غيمة النور المتكشفة ... و سارع إلى زمهرير الغياب الصامت المطمئن ... اسكن ... اسكن ... و انظر كيف سيعملون ... و هل يؤمنون حقا بما يدعونك إليه ... من شتات ... و نسيان ... و قتل ...
قد أعياني الإنصات لخفقات الحقيقة العابرة ... بكوة غرفة كتابتي و محاولاتي و شأني ... إنني أشرئب و أمد عنقي و أصيخ السمع ... مطولا ... مطولا ... ثم تأـي رعشات السكوت المتألم ... تتأرجح مابين الصباحات
المسرعة ... و الليالي الماطرة ... مرورا بجميع أكاذيب السلطان ... ووزراء السلطان ... و أبنائه الشرعيين الذين من أصلابهم و اللقطاء الأحرار من كل فضيلة ... يلعنون وجوهنا و أحلامنا و يسبون و يسخرون من
اضطجاعنا على الشقوق المدماة ... باكين ... آسفين ... حالمين ... ببكر بيضاء ... يقطر من ثغرها شهد التوت ... البارد ... مثل الثلج ... يحرضوننا و يبكون ... يدفعوننا و يصعدون ... يأمروننا بغير وضوء و لا إيمان أن نخشع
للدعوات تأتلق في عنان السماء ... فيما يمكنهم معرفة أوان إزالة أكمام البنادق و إنزال حصيرات تأمين الرشاشات فيفرون ... قد فتشت مابين الأشلاء جميعا ... مدة أربعين صباحا ... فلم أبصر مابين الأسماء واحدا من السادة
الشهداء قريبا من ميكروفونات الزيف و أسفار الزيف و أخبار الزيف و الأسف و الموت ...
أنا أحب الحياة ... أحب هذه الحياة التي تراهاعيني و يشمها أنفي و تتشنف أسماعي بزغاريدها البريئة و لا أدري عماذا تتكلم ... مالك لا تقتحم معي ... مالي لا أراك معي حين ترتفع الأرواح إلى فردوس الجنة ...
أنا أحب أن أبقى حيا و أن أربي طفلي و ألثم خد حليلتي و أرشف من لبن بقرتي و أن أنعم بصهوة جوادي و أنا أجري لأمي بالزبدة و التين و الزيتون و الطماطم و الحلبة ...
و تركت الباقي لك ... تركت المستقبل لك ... تركت الملك الموعود لأمثالك ... لكلامك ... و خشوعك ... و أنت تودعني و تباركني كي أسقط ما بين النسيان و بين النسيان ... و تحكم فيما بعد أنت ...
أنا لا أحب أن أستشهد ... بل أرجو أن أحكم عظامي و جمجمتي و خطواتي و أنا أضم صغيري و أناول طفلتي الحلوى و أنام قريبا من مسبحة والدتي و أحلم بغد قد يولد فيه لي طفل آخر فأقبل رجليه و أشم شعره و إن شئت فاذهب أنت
و اتركني أكمل أيامي قريبا من ربي الذي أعرف ... من يحييني و يحفظني و يسقيني و يطعمني و يكلؤني ...
قد أعيتني بطولات الجرائد و أصبح يرهقني رؤية أشقائي محمولين بعصائب خضراء مكسورين على أكتافك و أكتاف حزبك ...
إني أسخر منك ... إني أبحث عن قفص من حجر أحبس صوتك فيه و صورتك و صورة شيخك و صورة نسلك ... إني أعددت لكم في صدري منفى ... و ستصبح عيني لا تبصركم و سمعي لا يدرككم ستصيرون ككلاب تنبح كذئاب
تهذي في الخارج من كرتون و سلاسل ...
...
...
شكرا .